تمديد الهدنة في درعا... وخلاف أميركي ـ روسي حول عمق «المنطقة الآمنة»

المعارضة تؤكد تسليم المعابر مع الأردن لقوات النظام

رجل من مخيم لاجئين فلسطينيين قرب درعا جنوب سوريا يجمع حاجياته بعد غارات النظام على المنطقة (رويترز)
رجل من مخيم لاجئين فلسطينيين قرب درعا جنوب سوريا يجمع حاجياته بعد غارات النظام على المنطقة (رويترز)
TT

تمديد الهدنة في درعا... وخلاف أميركي ـ روسي حول عمق «المنطقة الآمنة»

رجل من مخيم لاجئين فلسطينيين قرب درعا جنوب سوريا يجمع حاجياته بعد غارات النظام على المنطقة (رويترز)
رجل من مخيم لاجئين فلسطينيين قرب درعا جنوب سوريا يجمع حاجياته بعد غارات النظام على المنطقة (رويترز)

ظلّت مدينة درعا، الواقعة في الجنوب السوري، حتى ساعة متأخرة من مساء يوم أمس، بمنأى عن احتدام المواجهة الأميركية - الروسية في الشمال، على خلفية إسقاط واشنطن طائرة حربية سورية في الرقة. وقد تم تمديد الهدنة التي أعلنها النظام السوري، السبت، لمدة 48 ساعة، فيما تواصلت المفاوضات الإقليمية - الدولية لترسيخ الاستقرار في المنطقة الجنوبية، قبيل محادثات آستانة ومفاوضات جنيف المرتقبة الشهر المقبل.
وكشف مصدر في المعارضة المسلحة لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «اتفاقاً شبه منجز بين الروس والأميركيين والأردنيين والإسرائيليين على تثبيت وقف إطلاق النار في درعا، لكن الخلاف الحالي هو حول عمق المنطقة الآمنة، أو بالتحديد حول المسافة التي يجب أن تتمركز فيها الميليشيات الإيرانية بعيداً عن الحدود».
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «الأميركيين يصرون على وجوب ابتعاد الميليشيات 50 كلم عن الحدود، فيما يصمم الروس على وجوب ألا تتخطى المسافة 20 كلم»، وأضاف: «أما فيما يتعلق بوضع المعابر الحدودية مع الأردن، أي نصيب والرمثا، فإن مسألة تسليمهما للنظام أمر غير وارد على الإطلاق. ونحن كفصائل معارضة لا يمكن أن نرضخ لشرط مماثل، باعتبار أن هذه المعابر ورقة كبيرة بين أيدينا، لن نسلمها مهما كانت الأثمان للنظام، على طاولة المفاوضات».
وتردد أخيراً أن المحادثات الأميركية - الروسية المستمرة في عمان لإقامة «منطقة آمنة» جنوب سوريا، تتناول مجموعة من النقاط، أبرزها وقف النار بين النظام والمعارضة، ومحاربة «داعش» والتنظيمات المتطرفة، والسماح ببقاء المجالس المحلية، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا بإدارة السلطات السورية، ووجود رمزي لدمشق وعسكري لروسيا في درعا مقابل غياب أي وجود لإيران و«حزب الله».
ويوم أمس، نقلت مواقع المعارضة السورية عن مصادر قولها إن هناك مفاوضات مباشرة بين النظام و«وفد معارض مجهول الانتماء» حول المنطقة الجنوبية، تتركز بشكل رئيسي حول مناطق انتشار الميليشيات الأجنبية («حزب الله» والقوات العراقية والإيرانية) قرب الحدود الأردنية، لافتة إلى أن المحادثات تتناول أيضاً آلية إدارة مدينة درعا، وانتشار الفصائل المسلحة داخلها، إضافة إلى بند إعادة الإعمار، والبنود الإنسانية الأخرى. ووفق المصادر، فإن النظام من جانبه ما زال متمسكاً بشروطه، ونيته فرض السيطرة على كامل المدينة، وإدخالها ضمن قائمة «المصالحات»؛ الأمر الذي يدعمه الجانب الروسي، كما يشدد على وجوب إعادة فتح معبر درعا - الرمثا.
وفي أول تعليق رسمي من الفصائل المقاتلة على التطورات في درعا، أصدرت غرفة عمليات «البنيان المرصوص»، يوم أمس، بياناً أيدت فيه «كل ما من شأنه أن يخفف المعاناة عن الأهالي، ويوقف نزيف دمائهم، ويحول دون المجازر التي ترتكب بحقهم، ويخرج به المعتقلون، ويتوقف القصف». ورفضت الغرفة ما وصفته بـ«التقسيم والمناطقية، كما المحاصصة السياسية والطائفية»، مؤكدة أن «سوريا وحدة لا تتجزأ، أرضاً وشعباً، وقراراً ومصيراً».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، يوم أمس، بأن الهدوء لا يزال مستمراً في مدينة درعا، بعد تمديد الهدنة الروسية - الأميركية - الأردنية لمدة 24 ساعة أخرى، عقب انتهاء الساعات الـ48 الأولى المحددة مسبقاً، لتطبيق الاتفاق الذي بدأ ظهر السبت الماضي.
واستبعد الخبير العسكري الأردني، اللواء الطيار المتقاعد مأمون أبو نوّار، أن تفضي الهدنة المستمرة في درعا إلى اتفاق على إقامة منطقة آمنة تحت إشراف واشنطن وعمان، لافتاً إلى أن «عدد القوات والعناصر التابع للدولتين غير كاف لإنشاء هذه المنطقة، وتأمين حمايتها».
وقال أبو نوار لـ«الشرق الأوسط»: «وضع درعا شديد الحساسية، باعتبار أن سقوطها بيد النظام و(حزب الله) سيعني سيطرتهما الكلية على الجولان والحدود الأردنية، ولعل الأردن مدعو أكثر من أي وقت مضى لقراءة دقيقة للمعطيات العسكرية الموجودة على الأرض، والتصرف على أساسها، بما يناسب أمنه القومي».
من جهته، أكد الباحث في الملف السوري أحمد أبا زيد أن الاتفاق الروسي - الأميركي حول درعا لا يتعدى موضوع الهدنة، لافتاً إلى أنّه لم يتم التفاهم على أي بند آخر حتى الساعة.
وقال أبا زيد لـ«الشرق الأوسط»: «الضغوط الأميركية - الأردنية هي التي أدت لوقف إطلاق النار، خصوصاً أن عمان تتخوف من وصول الإيرانيين إلى حدودها، كما تتخوف من موجة نزوح كبيرة إليها في حال سقوط درعا بيد النظام والميليشيات».
وميدانياً، سُجل يوم أمس قصف قوات النظام مناطق في بلدة الغارية الغربية، بريف درعا الشرقي، كما قصفها مناطق في محيط مدينة السخنة والمحطة الثالثة وجبال السومرية، بالريف الشرقي لحمص، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات بينها وبين عناصر تنظيم داعش، على طريق السخنة - تدمر، وفي البادية الشرقية لتدمر. كما دارت اشتباكات وصفت بالعنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من جهة، و«جيش أسود الشرقية» وقوات «أحمد العبدو» من جهة أخرى، في محور تلة الرابية بالبادية السورية، وسط تقدم الفريق الأول، وفق المرصد السوري الذي أفاد أيضاً بتجدد القصف في ريف دمشق، وبالتحديد في أطراف مدينة دوما في الغوطة الشرقية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.