أعنف توتر يشهده الأقصى منذ شهور إثر اقتحامات المستوطنين

اشتباكات بالأيدي بين قوات الاحتلال والمصلين المرابطين في المسجد

جنود الاحتلال الإسرائيلي أمام بوابة دمشق في القسم القديم من مدينة القدس أمس غداة مقتل شرطية و3 فلسطينيين (إ.ب.أ)
جنود الاحتلال الإسرائيلي أمام بوابة دمشق في القسم القديم من مدينة القدس أمس غداة مقتل شرطية و3 فلسطينيين (إ.ب.أ)
TT

أعنف توتر يشهده الأقصى منذ شهور إثر اقتحامات المستوطنين

جنود الاحتلال الإسرائيلي أمام بوابة دمشق في القسم القديم من مدينة القدس أمس غداة مقتل شرطية و3 فلسطينيين (إ.ب.أ)
جنود الاحتلال الإسرائيلي أمام بوابة دمشق في القسم القديم من مدينة القدس أمس غداة مقتل شرطية و3 فلسطينيين (إ.ب.أ)

تحول المسجد الأقصى ومحيطه إلى ساحات اشتباكات، أمس، بين مصلين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، تخللها حصار ومواجهات وضرب واعتقالات ومحاولات اقتحام الجامع القبلي ما خلف دمارا في المبنى، في أعنف توتر يشهده المسجد منذ شهور.
وبدأت المواجهات مع تصدي مصلين لمستوطنين أصرّوا على اقتحام المسجد في ساعات الصباح، من جهة باب المغاربة، فزجت الشرطة الإسرائيلية بقوات خاصة كبيرة إلى المسجد في محاولة لاعتقال مصلين تحصنوا في المسجد القبلي، فتفجرت مواجهات أعنف.
وعادة تغلق إسرائيل باب المغاربة في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان تجنباً لتصعيد كبير بسبب وجود عدد أكبر من المصلين.
وقال الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى: «نحو 250 عنصراً من الوحدات الخاصة للشرطة الإسرائيلية أدخلت خلافاً للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، عدداً من المصلين اليهود، متعمدة استفزاز المصلين الصائمين بعد احتجازهم في المسجد القبلي».
وأضاف: «ألقوا باتجاهنا غاز الفلفل وأعيرة مطاطية وقنابل صوت، كما اعتدوا على بعض الشباب بالضرب المبرح مستخدمين الهراوات، هناك 3 جرحى من الاعتداءات إلى جانب أكثر من 7 مصابين آخرين جراء الاختناق واستنشاق الغاز».
وتظهر مشاهد مصورة كيف تحاول قوات شرطة خاصة تكسير أبواب المسجد القبلي من أجل اعتقال متحصنين بداخله. وتعرضت بعض الأبواب للتخريب إضافة إلى نوافذ قديمة أُلقِيَت من خلالها قنابل صوتية ومسيلة للدموع تجاه المحاصرين.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إنها اعتقلت «مصليين اثنين بشبهة الاعتداء على عناصرها، وسيعرضان على المحكمة للنظر بطلب تمديد اعتقالهما»، متحدية المسلمين «الزيارات تمت بشكل اعتيادي على الرغم من محاولات بعض الجهات المتطرفة التشويش عليها».
وبدت البلدة القديمة من القدس الشرقية المحتلة، ومنطقة باب العامود بشكل خاص، شبه خالية من المواطنين، أمس الأحد، بسبب الإجراءات العسكرية الإسرائيلية المشددة والممارسات الانتقامية التي تنفذها منذ عملية الجمعة التي استشهد خلالها ثلاثة شبان وقتلت مجندة إسرائيلية بسكين واحد منهم. وقد شكا المصلون المسلمون والمرابطون في باحات الأقصى من استفزازات رجال الشرطة، خصوصاً عندما بدأوا يكبرون. فكل من صاح: «الله أكبر»، هوجم وجرى تهديده. ثم وقعت عدة اشتباكات بالأيدي بين رجال الشرطة والمصلين والمصليات. وأطلق الجنود قنابل الغاز واعتقلوا ستة منهم.
وأفاد شهود عيان بأن إسرائيل نشرت قوات الكوماندوز وحرس الحدود وكثيراً من الوحدات القتالية الخاصة، في شوارع المدينة وفوق أسطح بيوتها وأسوارها العتيقة. وعلى مدار الساعة قامت القوات بتوقيف الشبان والنساء، واعتقلت 350 مواطناً ممن يحملون بطاقة هوية الضفة الغربية، ورحلتهم عبر حافلات مخصصة إلى بيوتهم وقراهم واحتجزت منهم 6 أشخاص على ذمة التحقيق. واتخذت قوات الاحتلال في منطقة باب العامود والطرق المؤدية إليه من شارع سلطان سليمان وشارع نابلس والمصرارة إجراءات غير مسبوقة، فأعلنته منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت جميع المركبات من الدخول.
وأكد سكان المدينة والتجار أنه، ومثل هذه الأيام في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، تنشط الحركة التجارية في مدينة القدس، إلا أن إجراءات الاحتلال في المدينة شلت الحركة التجارية، وأدخلت المدينة في حالة عصيبة، وهي التي تستعد لعيد الفطر.
من جهتها، أدانت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل (قيادة فلسطينيي 48)، اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى المبارك، أمس. وقالت في بيان لها إن «جيش الاحتلال مصرّ على الاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك ومساندة عصابات المستوطنين، التي تواصل استفزازاتها للمسجد وللمصلين». وأضافت: «هذه الجريمة متواصلة، أيضاً في أيام شهر رمضان المبارك، فالاحتلال يعرف أن المسجد الأقصى يشهد في الأيام العشرة الأواخر أعلى معدلات الإقبال من المصلين، وهو لا يعمل لهذا أي حساب، ويدفع بأعداد هائلة من عصابات المستوطنين الإرهابية فقط لغرض الاستفزاز والتنكيل».
ودعت إلى «تكثيف شد الرحال إلى المسجد الأقصى، وزيارته، كي يبقى المسجد يعج بأهله الشرعيين، ليحموه من عربدات الاحتلال وإرهابه».
وفي السلطة الفلسطينية، أكد منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح، أن معاناة الأهل في القدس وما يتعرضون له من أساليب البطش والاعتقال ومنعهم التعسفي من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك هي تعبير عن الوجه العنصري لإسرائيل ويدحض ادعاءاتها باحترام حق المؤمنين، بالوصول إلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة. وطالب الجاغوب المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالخروج عن صمتها إزاء انتهاكات حكومة الاحتلال لأبسط حقوق الإنسان، وعدم انصياعها لقرارات الشرعية الدولية، ولإجبارها على وقف القرارات الفاشية بحق القدس والمقدسات.
وجاءت الاقتحامات التي تطلق عليها الشرطة «زيارات» في وقت حولت فيه إسرائيل القدس إلى ثكنة عسكرية بعد عملية قتل مجندة إسرائيلية قبل يومين، ومنعت سكان الضفة الغربية من الوصول إلى الأقصى، واتخذت إجراءات معقدة بحق فلسطينيي القدس والداخل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.