إردوغان يلمح لتوقيف زعيم المعارضة ونواب بالبرلمان

حبس مدير أمن إسطنبول الأسبق وصهر رئيس بلديتها في تحقيقات حركة «غولن»

مسيرة «العدالة» التي يقودها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو المعارض لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على اعتقال أحد نوابه (أ.ف.ب)
مسيرة «العدالة» التي يقودها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو المعارض لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على اعتقال أحد نوابه (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يلمح لتوقيف زعيم المعارضة ونواب بالبرلمان

مسيرة «العدالة» التي يقودها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو المعارض لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على اعتقال أحد نوابه (أ.ف.ب)
مسيرة «العدالة» التي يقودها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو المعارض لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على اعتقال أحد نوابه (أ.ف.ب)

واصل زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، لليوم الثالث مسيرة «العدالة» التي تستمر 20 يوما يقطع فيها مع مئات من نواب وأعضاء الحزب ومؤيديه وممثلين للمنظمات المدنية مسافة 450 كيلومترا بين العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول؛ احتجاجا على حكم بالسجن المؤبد على نائب الحزب أنيس بربر أوغلو في القضية المعروفة بقضية «شاحنات المخابرات». أما الرئيس رجب طيب إردوغان فلم يستبعد إمكانية توقيف كليتشدار أوغلو ونواب الحزب في البرلمان. وقال إردوغان في كلمة أمام اجتماع مجلس المصدرين الأتراك في إسطنبول، أمس السبت: «لا تستغربوا إذا استدعاكم القضاء للتحقيق»، مضيفا: «رئيس الحزب (كليتشدار أوغلو) يرفع اللافتات ويبحث عن العدالة في الشوارع، إنني أساله هل توجد عدالة في حزبك، إذا كنت نائبا في البرلمان فإن البرلمان هو مكان البحث عن العدالة».
في المقابل، حذر كليتشدار أوغلو من عواقب وخيمة حال تفكير الحكومة في اعتقالهم، وقال أثناء انطلاق اليوم الثالث للمسيرة التي يرفع فيها المحتجون لافتات تحمل شعارا واحدا هو «العدالة»: «هذا هو اليوم الثالث لمسيرة العدالة، سنواصل مسيرتنا بعزم وإصرار».
ولفت إلى أن المسيرة تتعرض لانتقادات على الأخص من جانب الحكومة، مضيفا: «نحترم الانتقادات. وإذا كانت مسيرتنا تزعجهم فهذا مما يخدم هدفنا. آمل أن تصحو الضمائر النائمة حتى نحقق هدفنا على الأقل».
وقررت محكمة جنايات إسطنبول، الأربعاء الماضي، حبس أنيس بربر أوغلو، النائب البرلماني في صفوف حزب الشعب الجمهوري، الذي سبق له العمل صحافيا، لمدة 25 عاما بتهمة إفشاء معلومات سرية بقصد التجسس السياسي أو العسكري بعد أن سرب إلى صحيفة «جمهوريت» التركية مقطع فيديو نشرته في 2015 يصور عملية قيل إنها لنقل أسلحة إلى تنظيم داعش في سوريا في 3 شاحنات تم ضبطها على طريق أضنة – غازي عنتاب، جنوب تركيا، في 19 يناير (كانون الثاني) 2014 بموجب تصريح من النيابة العامة، حيث أوقفتها قوات الدرك وفتشتها ووجدت الأسلحة مخبأة في شحنة من المواد الإغاثية والمساعدات الطبية، لكن الحكومة قالت: إن الشاحنات التي كانت ترافقها عناصر من المخابرات التركية كانت تحمل مساعدات إغاثية للتركمان في سوريا، في حين قال مجلس التركمان إنه لم يتلق أي مساعدات من تركيا ولا يعرف بأمر هذه الشحنة.
واتهمت الحكومة حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، التي اتهمتها لاحقا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) 2016، بتدبير تفتيش الشاحنات وافتعال قصة الأسلحة بهدف افتعال أزمة، والسعي إلى تقويض أركان الحكم.
وقال إردوغان في كلمته أمس: إن كليتشدار أوغلو يعترض على حكم قضائي في قضية شاحنات المخابرات التي أصدر فيها القضاء حكمه، وهذا يعني عدم احترامه للقضاء وأحكامه.
من جانب آخر، سلم مدير أمن إسطنبول الأسبق حسين تشابكين نفسه للسلطات التركية، في إطار التحقيقات المتعلقة بحركة غولن. وحضر تشابكين مع محاميه إلى المقر الرئيسي لمديرية أمن إسطنبول الليلة قبل الماضية، وسلم نفسه بعد أن أصدرت محكمة الجنايات في إسطنبول مذكرة توقيف بحقه.
وقبلت المحكمة نفسها لائحة الاتهامات بحق 15 واليا وقائممقاما، 13 منهم رهن الحبس الاحتياطي حاليا، بينهم والي إسطنبول السابق حسين عوني موطلو، وقررت المحكمة أمس حبس تشابكين، الذي كان أوقف من قبل وأطلق سراحه بعد أشهر من الحبس الاحتياطي، والذي كان مديرا لأمن إسطنبول عام 2013 الذي شهد تحقيقات واسعة في القضية المعروفة بفضيحة الفساد والرشوة التي طالت مسؤولين في الحكومة التي كان يرأسها إردوغان في ذلك الوقت، فضلا عن أبناء وزراء وأربعة من الوزراء تقدموا باستقالتهم لاحقا، فضلا عن رجال أعمال مقربين للحكومة، في مقدمتهم التركي من أصل إيراني رضا ضراب الذي اعتقل العام الماضي في أميركا بتهمة تهريب ذهب وأموال خرقا للعقوبات على إيران ومسؤولو بنوك حكومية تركية واتهمت حركة غولن بتدبير هذه التحقيقات بمعرفة أذرعها في الأمن والنيابة العامة بهدف الإطاحة بحكومة إردوغان.
في السياق نفسه، أمرت محكمة الجنايات في إسطنبول بإعادة توقيف عمر فاروق كاورماجي زوج ابنة رئيس بلدية إسطنبول الحالي قدير طوباش بعد أن سبق الإفراج عنه الشهر الماضي بعد توقيفه لأشهر عدة بتهمة الانتماء إلى حركة غولن. وأوقف كاورماجي في المرة الأولى كجزء من حملة ضد اتحاد رجال الأعمال والصناعيين (توسكون)، التابع لحركة غولن قبل أن يطلق سراحه من قبل محكمة الجنايات في إسطنبول في 4 مايو (أيار) الماضي لظروفه الصحية، حيث كان تم تشخيص إصابته بالصرع في عام 2005.
في الوقت نفسه، أفرجت المحكمة أمس السبت عن بيرول أردم، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي أوقف في 3 يونيو (حزيران) الحالي، رفقة زوجته، بتهمة انتهاكهما الدستور والانتماء إلى جماعة مسلحة إرهابية، في إشارة إلى جماعة غولن. وأخلت المحكمة سبيل أردم مع وضعه تحت المراقبة القضائية ريثما تتم محاكمته.
ويشتبه المحققون في أن أردم سهّل ترقية قضاة مقربين من غولن عندما كان المسؤول الثاني في وزارة العدل بين عامي 2011 و2014.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».