مصراتة تؤيد تجفيف منابع الإرهاب

عميدها لـ «الشرق الأوسط» : نرفض ربطها بحادثة تفجير حافلة الأقباط المصريين ونسعى لعملية سياسية فاعلة

عربة مصفحة لقوات «البنيان المرصوص» أثناء قتالها «داعش» في سرت العام الماضي (أ.ف.ب)
عربة مصفحة لقوات «البنيان المرصوص» أثناء قتالها «داعش» في سرت العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

مصراتة تؤيد تجفيف منابع الإرهاب

عربة مصفحة لقوات «البنيان المرصوص» أثناء قتالها «داعش» في سرت العام الماضي (أ.ف.ب)
عربة مصفحة لقوات «البنيان المرصوص» أثناء قتالها «داعش» في سرت العام الماضي (أ.ف.ب)

ترفض السلطات الرسمية في مدينة مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، ربط المدينة التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة بما يشاع عن احتضانها مجموعات إرهابية، وبخاصة بعد حادثة تفجير حافلة تقل أقباطا جنوب القاهرة، أواخر الشهر الماضي، راح ضحيتها العشرات، ودعوة نواب مصريين إلى دك حصون المدينة، التي تم ربطها بالحادث. وتؤكد السلطات رفض تلك الاتهامات، مع تأكيدها على تأييد، تجفيف منابع الإرهاب.
ويقول محمد اشتيوي، عميد المجلس البلدي لمصراتة، التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة: إن المدينة ترفض ربطها بأي معارضة مسلحة لحكومة الوفاق الوطني، التي يرأسها فايز السراج، وتؤيد تجفيف منابع الإرهاب، مشددا على أن المدينة، التي يحاول البعض ربطها بالاحتراب الذي تشهده طرابلس ومنطقتي شرق وجنوب البلاد، تقوم باتخاذ إجراءات لإحلال السلام والتوافق، بعد أن قدمت «700 شهيد» في الحرب ضد «داعش» في سرت حتى أواخر العام الماضي. وأضاف: «نسعى لعملية سياسية منتجة وفاعلة».
وتعرضت مصراتة لكثير من الانتقادات من الداخل الليبي بسبب قوتها العسكرية الكبيرة، واتهامات بنشاط لجماعات إرهابية انطلاقا منها. وفي مصر، وعقب هجوم إرهابي على حافلة الأقباط، الشهر الماضي، دعا نائب في البرلمان، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى «دك القواعد العسكرية الإرهابية في مصراتة». ونفذت مصر بالفعل غارات جوية على مواقع عدة في درنة والجفرة في شرق ووسط ليبيا.
وأوضح العميد اشتيوي، في حوار مع «الشرق الأوسط» من مقره في مصراتة، بأن ما يشاع بهذا الخصوص هو «لوثة» ضد مدينة مصراتة، انتقلت عبر الحدود... «فرأينا برلمانيا مصريا يهدد مصراتة على التلفاز، في مشهد مضحك مبكٍ.. للأسف». وعما إذا كانت لديه أي مخاوف من أن تصل الغارات المصرية، إلى مصراتة، أو إلى مدن أخرى في العمق الليبي، قال: «نحن ضد انتهاك سيادة بلادنا، من أي جهة كانت، وبخاصة إذا كانت هذه الإجراءات تفيد طرفا دون آخر في الصراع المميت في ليبيا».
وتابع قائلا: «نطلب من الجميع أن يحترموا سيادة الدولة، وسلطتها الشرعية التي يعترف بها العالم، متمثلة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ومن جهة أخرى ندعو الجماعات المسلحة التي لا تخضع لهذه السلطة، إلى عدم ترك الذريعة لأي طرف لانتهاك سيادة ليبيا، لأن السيادة مثلما تنتهك بالعدوان والاحتلال، تنتهك أيضا بالتمرد».
ويقصد اشتيوي بذلك المجاميع المسلحة التي تعمل خارج السلطة الشرعية، وقال: «على هؤلاء أن يعرفوا أن السيطرة على مناطق مدنية أو عسكرية، سيعرض البلاد لمخاطر، وسيتحملون هم مغبة أفعالهم، وهذا لا يبرر أي عدوان خارجي، كما أن العدوان ليس مبررا لهؤلاء لانتهاك سيادة السلطة الشرعية والمعترف بها دوليا».
وشدد اشتيوي على أن أبناء مصراتة «رفضوا المشاركة في الحروب في الشرق، وما زالوا متهمين بها. كما رفضوا دعم من يهاجم الحقول والهلال النفطي، ولم يسلموا من التهمة». وقال: «أبناء مصراتة أثبتوا مرارا حرصهم (على تجنب الاقتتال)؛ فقد انسحبوا من طرابلس بعد أحداث غرغور (وتتعلق بقمع مظاهرة ضد التشكيلات المسلحة في طرابلس في 2013 قتل فيها نحو 47 شخصا)». وأضاف: «رغم ذلك لم تنته المشكلات في العاصمة».
وتابع أن أبناء المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، وتقع على البحر المتوسط على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس، تخلوا عن أوامر تكليفهم بتأمين الجنوب الليبي، بعد أن حاول البعض اتخاذهم ذريعة، وهاجم وذبح ليبيين آخرين. وأضاف موضحا أن كل هذه المواقف هي «شواهد لمن يريد الحكم بالعدل على رغبة المدينة في التوافق وصون دماء الليبيين».
وبخصوص إعلان السراج أخيرا إعادة تسمية المناطق العسكرية في عموم ليبيا، وموقف مصراتة من هذا الأمر، قال اشتيوي: «كمواطنين، نحن نرحب بقرار إعلان المناطق العسكرية، ونرى أنه خطوة جيدة، لإعادة تفعيل مؤسسة عسكرية محترفة ومهنية، تبعد عن المشهد كل التكوينات المدنية المسلحة». لكنه أبدى استغرابه من حرص البعض على التركيز على موقف مصراتة، مشيرا إلى أنه ينبغي معرفة مواقف مدن أخرى حول هذا الأمر، مثل طرابلس والزاوية والزنتان وطبرق، وغيرها.
وضمن سلسلة الصراع المسلح الذي لم يهدأ في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي، شهدت طرابلس اقتتالا ضاريا يوم الجمعة 26 مايو (أيار) الماضي، أسفر عن خروج ميليشيات محسوبة على مصراتة من العاصمة، وانتشارها في مدن عدة حول طرابلس، منها مصراتة نفسها. لكن اشتيوي أبدى دهشته من «الحديث عن المشاركين من مدينة مصراتة فقط، في حين لا يُنسب الآخرون إلى مدنهم». وقال: إن «ما حدث في طرابلس، أن هناك ضحية واحدة من مصراتة، وعشرات من مدن أخرى، ولم نسمع إلا اسم مصراتة يتردد، ألا يذكرنا هذا بما نقوله دائما عن دور الإعلام ضد مدينة مصراتة، لوجود تصورات ما، مغلوطة تماما، عن مطامع سياسية ومشروع للمدينة، وهو ما أثبتت الأيام بطلانه».
وتابع قائلا إن «موقفنا في المجلس البلدي مصراتة، وكل القوى السياسية المؤيدة للوفاق، أن (المجلس) الرئاسي هو الجهة الشرعية حاليا، وهذا ليس مدحا له، بقدر ما هو تحميل للمسؤولية، وطلب الاضطلاع بإدارة الأمور بفاعلية. ونحن عملنا على تفادي أي عنف في العاصمة؛ لأن ما يحدث في العاصمة - ورغم رفضنا العنف في كل مكان - يختلف عن أي مكان آخر في دلالته السياسية، وآثاره العسكرية والإنسانية قبل كل شي».
وتحدث اشتيوي عن رفض «كتائب الثوار وعموم الفاعلين» في مصراتة، لأي عنف... «منذ نهاية حرب تحرير سرت من (داعش)، وكانت المواقف العاقلة تجاه أزمة الحقول والهلال النفطي، وحسن إدارة الأحداث في الجنوب، دلالة لمن أراد تفهم وإدراك توجه المدينة، لقطع الطريق أمام الفتنة».
ويسعى مجلس مصراتة البلدي لإطلاق رؤية شاملة للمستقبل. وقال اشتيوي: رؤيتنا تتمحور حول الوضع الداخلي للمدينة، لإيجاد أرضية مشتركة بين كل القوى والأطراف، من أجل قيم واحدة وطنية وشاملة، وندعو للالتفاف على كل ما من شأنه ضمان وحدة البلاد الترابية، ويحقق توافقا ملائما لعملية سياسية منتجة وفاعلة.
وأضاف: «مصراتة، بصفتها مدينة، تعد أساسية في أي توافق سياسي، ونحن نسعى لأن تكون المبادرة موجهة ومستهدفة للمختلفين معنا بالفعل، وألا تكون حوار طرشان، ولا خطابا للذات... نريد البحث في قواسم مشتركة، مع إدانة لكل مظاهر هدم الدولة، أو دعم الإرهاب».
وعن امتلاك مصراتة قوات عسكرية كبيرة ومهمة في ليبيا، قال إنها ليست للمدينة، بل «قوات من العسكريين والثوار، أعلنت انضواءها تحت رئاسة الأركان»، مشيرا إلى أن الحديث عن موقف سياسي لهذه القوات، هو حديث ينطوي على نوع من المغالطة، أو التجاوز. وأضاف: «قوات مصراتة شاركت في عملية البنيان المرصوص، وتلقت دعما دوليا، تحت أمرة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، وطالما أن التسوية السياسية، لا تتعارض مع أساسيات ومبادئ يتفق عليها الجميع، فليس لمصراتة رأي يختلف عن الليبيين».
وقال: إن القوات، من عسكريين أو ثوار ومتطوعين، ممن هبّوا لنداء الوطن، وشاركوا في محاربة «داعش» في سرت، عاد أغلبهم لأعمالهم، كما كانوا قبل مايو 2016. وأوضح أن «قوات البنيان المرصوص»، منهم من انضم للمنطقة العسكرية الوسطى، ومنهم من انضم إلى جهاز مكافحة الإرهاب الذي صدر بإنشائه قرار من المجلس الرئاسي، وأصبح قوة على الأرض، وكذلك هناك من انخرط في الحرس الرئاسي، وقوات وزارة الداخلية مثل الأمن المركزي أو الدعم والإسناد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.