المصريون يتخوفون من «استحقاقات يوليو»

الحكومة مجبرة على الزيادات... والبرلمان يناقش الموازنة ويقرها في أسبوع

المصريون يتخوفون من «استحقاقات يوليو»
TT

المصريون يتخوفون من «استحقاقات يوليو»

المصريون يتخوفون من «استحقاقات يوليو»

تستعد أروقة البرلمان المصري لاستقبال مشروع الحكومة الخاص بموازنة العام الجديد مطلع الأسبوع المقبل... ووسط تسريبات وتصريحات ومعلومات، يتأكد المصريون يوما بعد يوم أنهم سيواجهون بنودا واستحقاقات تزيد من الضغوط على كاهلهم الاقتصادي مع بدء تنفيذ الموازنة الجديدة مع أول أيام شهر يوليو (تموز) المقبل بعد أيام قليلة.
«النافذة الزمنية الضيقة وحدها كفيلة بإثارة القلق»، هكذا علق أحد المراقبين الاقتصاديين في مصر على الفترة المتاحة لمناقشة الموازنة وإقرارها في أروقة البرلمان، حيث تبدأ المناقشات في الجلسات العامة من يوم الاثنين وتستمر حتى الأربعاء (19 إلى 21 يونيو (حزيران)... متابعاً: «الحكومة والبرلمان وكل الأطراف مجبرة على أن تنفذ الموازنة الجديدة من أول يوم في شهر يوليو... لا وقت إذن للمناقشات الجادة أو الاعتراض على بنود ودراستها أو إعادة صياغتها بصورة حقيقية.. نفذ الأمر وعلينا مواجهة ما هو قادم».
وطوال الساعات الماضية، لم تهدأ دوائر الحكومة المصرية عن محاولة إيجاد بدائل لرفع أسعار بعض المحروقات والكهرباء في الموازنة الجديدة من أجل تقليص العجز بقدر الإمكان، ليس عن عجز العام السابق، ولكن إلى نسبة يمكن تحملها خلال العام المقبل.
لكن مصادر حكومية متطابقة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «كل الأفكار والمحاولات لتأجيل رفع أسعار الطاقة لا يمكن تنفيذها عمليا، ورفع الأسعار حتمي مع بدء الموازنة. النقاشات حاليا حول تقسيم الأمر إلى شرائح بالنسبة لموضوع الكهرباء، مع محاولات توفير بدائل ضمان اجتماعي من أجل تلافي الآثار المتوقعة على دخل الأسر الأكثر احتياجا». وقالت المصادر إن دعم الطاقة في موازنة السنة المالية الجديدة يصل إلى حدود نحو 140 مليار جنيه (7.78 مليار دولار)، منها 110 مليارات جنيه مخصصة للمنتجات البترولية، و30 مليار جنيه للكهرباء.
وبحسب ما يدور داخل أروقة الحكومة، فإن أسعار الكهرباء ستزيد بدءاً من الشهر المقبل ربما بنسبة 20 في المائة مع استثناء «الشرائح الدنيا».. أما أسعار المحروقات الزائدة فتطال بالأساس بنزين 92 أوكتين «الشعبي»، والأكثر استهلاكا في السيارات الخاصة، حيث سيزيد بمعدل جنيه واحد للتر ليصل سعره الجديد إلى 4.5 جنيه (نحو 25 سنتا). أما الفئات الأخرى من المحروقات، فلا تزال الأحاديث حول زيادة أسعارها في طور المداولات والتكهنات حول الوقت الأنسب لذلك.
* تضخم متوحش
ومع تضخم عنيف كسر حاجز 30 في المائة، وانخفاض لسعر العملة المحلية إلى نحو ثلث قيمتها أمام سلة العملات في نحو 6 أشهر، تواجه كثير من الأسر مشكلات متفاقمة بحيث لا يمكنها تحمل المزيد من الضغوط. خصوصا أن زيادة أسعار الطاقة تتسبب في رفع كل أسعار السلع، رغم حقيقة أن النقل والشحن يعتمد على الكيروسين، الذي لم يتحدث أحد عن زيادة أسعاره - بشكل صريح - حتى الآن. ويتوقع الكثير من المراقبين أن يسفر تطبيق تلك الإجراءات عن قفزة جديدة في التضخم تتخطى حاجز 35 في المائة.
رجل الشارع في مصر الآن ينتظر بداية الشهر الجديد متمنيا ألا يأتي، كما يقول محمد صالح، وهو موظف بإحدى الشركات الحكومية صباحا ويقدم الطعام بأحد المطاعم في حي راقٍ بالقاهرة في الفترة المسائية، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «منذ وقت التعويم وأنا أحاول أن أضبط الحال.. ألغيت بنودا كثيرة مهمة من ميزانية البيت.. اعتبرنا أنواعاً من الأكل مثل اللحوم ترف وقلصناها بقدر المستطاع.. رمضان جاء مع زيادات أسعار في المحلات. وبعد أيام (يأتي) العيد ومحتاجين مصاريف.. والشهر المقبل يقال إن هناك زيادات في البنزين والكهرباء.. أنا مش عارف ممكن أعمل إيه تاني علشان أدبر حياتي. باشتغل 10 ساعات في اليوم ومن سنة كان مرتبي معقولاً. النهار ده مش عارف أعيش أنا وأولادي. أنا سايبها على ربنا يحلها من عنده؛ لأن أنا ماعنديش أي حلول».
* النمو والجاذبية مفتاح الحل
ويرى خبراء الاقتصاد في مصر وحول العالم أن تحقيق نمو جيد وجذب تدفقات استثمارية كبيرة هو الحل والمنفذ الوحيد للمصريين من أزمتهم الحالية، لأن الحكومة التي تعتمد في موازنتها بشكل كبير على الجباية الضريبية كمصدر للدخل القومي ليس أمامها بدائل تخفف بها عن المواطن، خاصة في ظل عدم تحقيق تقدم كبير في مصادر الدخل الأخرى الكبرى، مثل إيرادات قناة السويس التي تراجعت بفعل ركود عالمي بحركة التجارة، والسياحة التي لم تستطع أن تعود إلى سابق عهدها مع نكبتها بمزيد من المنغصات كلما حاولت النهوض.
ويشير هؤلاء إلى أن الإدارة المصرية أصبحت مجبرة تماما على المضي قدما في تنفيذ الجزء المتبقي من خطة الإصلاح الاقتصادي، «مهما كانت المصاعب أو التبعات»؛ لأن الجزء الذي تم بالفعل، وتضمن التعويم وخفض الدعم على سلع أساسية واستدانة قروض قيمتها مليارات الدولارات هي إجراءات كانت بدورها حتمية من أجل إصلاح حال الاقتصاد؛ ولكن الرجوع عنها حاليا - أو محاولة تمييع الموقف مجددا - هو «كارثي».
ومن هذه الجهة، قالت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد أمس إن نمو اقتصاد البلاد ارتفع في الربع الثالث من السنة المالية 2016 - 2017 إلى 4.3 في المائة، تعديلا من رؤية سابقة للوزيرة قبل نحو شهر عند مستوى 3.9 في المائة، وذلك مقارنة مع معدل نمو فصلي 3.6 في المائة في الفترة الموازية قبل عام. وتوقعت السعيد أن «يصل معدل النمو إلى أربعة في المائة بنهاية العام الحالي». موضحة أن تسارع النمو في الربع الثالث جاء نتيجة ارتفاع النمو في قطاعات الاتصالات والسياحة والتشييد والنقل والصناعات التحويلية.
وفي تقريره الشهري عن الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يونيو، قدر البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي المصري بواقع 3.9 في المائة في السنة المالية 2016 - 2017 التي تنتهي هذا الشهر، بما يتوافق مع التوقعات الحكومية. وتوقع البنك كذلك أن يرتفع معدل النمو إلى 4.6 في المائة العام المالي المقبل، وإلى 5.3 في المائة بحلول العام المالي 2018 - 2019، ليعود إلى مستويات ما قبل عام 2011. وتابع التقرير: «من المتوقع أن يبقى النمو في مصر قرب 4 في المائة في السنة المالية 2017، ثم يزيد في السنتين التاليتين مدعوما بتطبيق تدريجي لإصلاحات في بيئة الأعمال وتحسن القدرات التنافسية رغم ضغوط التضخم المرتفع على النشاط في الأمد القصير».
وفي المقابل، تزداد من جهة أخرى أعباء الديون داخليا وخارجيا، وقالت الوزيرة هالة السعيد أمس إن الدين الخارجي لمصر زاد إلى 71.8 مليار دولار بنهاية فبراير (شباط) الماضي، وبهذا يكون الدين الخارجي قد زاد نحو 4.478 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) وفبراير، ارتفاعا من مستوى 67.322 مليار دولار بنهاية عام 2016.
* بشائر تحسن
لكن رغم الديون وأعبائها، فإن البعض أيضاً يرى أن المرحلة الصعبة قد تكون شارفت على الانتهاء، مدللا على ذلك بإجراءات خلال الأيام الماضية لا يجب أن تفوتها العين الفاحصة، ومن بينها إعلان البنك المركزي المصري مساء الأربعاء عن إلغاء القيود المفروضة على تحويلات النقد الأجنبي،، والسماح للبنوك بتنفيذ طلبات عملائها بالتحويل للخارج دون حد أقصى، مع مراعاة الالتزام بقواعد الإفصاح والهوية من أجل مكافحة أي عمليات مشبوهة.. وذلك في إجراء يحدث للمرة الأولى منذ عام 2011، ويرى عدد من الخبراء أنه يعد بمثابة إعلان بانتهاء مشكلات الاقتصاد المصري، ويؤكد على قوة الموقف النقدي لمصر، التي عانت من تدهور خطير لاحتياطيها من النقد الأجنبي خلال أكثر من 5 أعوام.
أيضاً الحديث عن دراسات حكومية للتوسع في شبكة الحماية الاجتماعية لمساندة الفئات المجتمعية الأقل دخلا والتي ستتأثر بتطبيق المرحلة التالية من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، يطمئن البعض أن الفئات الأكثر احتياجا لن يتم سحقها تحت وطأة الإصلاحات.
لكن صالح، الذي يعمل موظفا حكوميا صباحا وعامل مطعم مساء، يقول إن مشكلته هي كيفية المرور من براثن تلك الفترة العسرة بسلام.. وأضاف: «مشكلتي ومشكلة غيري أن الحكومة قررت فجأة أنها تعالج مصائب سنين بعلاج حاسم.. أنا ما عنديش مشكلة مع الحكومة، ومستعد أنا وغيري نستحمل.. بس كان لازم يفهمونا نعمل إيه خلال الفترة دي ونتصرف ونعيش إزاي، مش يسيبونا في وجه الطوفان من غير ما حد حتى يفكر يعلمنا العوم (السباحة)».



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.