أدى ارتطام فيلم توم كروز الجديد «المومياء» بالأرض حين سقوطه في الأسبوع الماضي إلى البحث عن المسؤولية. هنا كتبنا عن أن يونيفرسال اختارت مخرجاً غير معروف (اسمه أليكس كورتزمان) لإنجاز فيلم تبين أن ميزانيته المعلنة (125 مليون دولار) هي غير تلك الحقيقية (190 مليوناً) يُضاف فوقها نحو 100 مليون دولار ذهبت إلى شؤون الدعاية والإعلام داخل الولايات المتحدة وخارجها.
لكن هناك أخبارا جديدة تؤكد أن المخرج كورتزمان مظلوم، أو على الأقل لم يكن قادراً على ممارسة مهامه القيادية. هذه المهام تسلمها عنه الممثل توم كروز الذي عادة ما يدلف في ثنايا كل الأفلام التي يقوم بتمثيلها فيتدخل في الكتابة وفي الإخراج وفي اختيار الممثلين، وفي كل الشؤون الأخرى وصولاً إلى الجلوس مع «المونتير» لإتمام الفيلم. وهذه المهام كلها من شؤون المخرج وحده.
في حالة «المومياء» تكاثرت نسخ العمل: أكثر من سيناريو. أكثر من تعديل. أكثر من منهج مونتاجي وأكثر من قيادة. حسب وصف أحد المشتركين، ساد توم كروز على الموقف وحوّل أصحاب الاختصاص إلى مساعدين لبلورة رؤيته.
على الرغم من أن هذا محتمل جداً ولا يثير الغرابة لحدوثه (بل مجرد عدم الرضى) إلا أن أحداً لم يلتفت إلى حقيقة أن الجمهور بدوره ربما مل من الحكاية التي تتحدث عن لعنة فرعونية تلاحق الأبرياء.
كما تقدّم، حين الحديث عن هذا الفيلم قبل أسبوعين، فإن «المومياء» هو إعادة صنع (Remake) لأفلام سابقة تم إنتاجها خلال تواريخ مختلفة. والإعادات تفرز في الكثير من الحالات وضعاً حرجاً للفيلم المتجدد وصانعيه. فالعمل المراد إعادة تصويره وتصديره يواجه خطر مقارنته بالأصل الناجح ما يفرض عليه مهمّـة قد يسقط فيها.
صحيح أن جمهور الفيلم الأصلي ينتمي إلى جيل بمفاهيم واهتمامات مختلفة ولّـدت وتسببت في نجاحه، إلا أن الجمهور الحالي لديه نجومه المختلفون وتقنياته العصرية التي ستصنع فيلماً مجاوراً لكنه - في الغالب - ليس بديلاً أو موازياً للعمل الأصلي.
للتدليل على ذلك، ليس هناك أكثر تجسيداً لهذه الحالة من تلك المتمثلة في النسخ المتتالية من «الرائعون السبعة» (The Magnificent Seven) الذي شاهدنا آخر إعادة صنع له قبل بضعة أشهر على يدي المخرج أنطوان فوكوا.
* ذخيرة كلاسيكية
يكمن الأصل في فيلم الياباني أكيرا كوروساوا الرائع «الساموراي السبعة» (1954) حول سبعة محاربي ساموراي في عصر غابر يقبلون الدفاع عن قرية فقيرة ستغير عليها عصابة لسرقة محصولها والعبث بأهلها. بعض التأسيس، ولأكثر من نصف الفيلم، طالعنا المخرج الماهر بمعارك متواصلة، لكن من دون إغفال العمق الناتج من حسن معالجته للشخصيات وللبيئة الاجتماعية؛ ما جعله قراءة فنية رائعة لعصر ومجتمع وبطولة.
سنة 1960 قامت هوليوود بتكليف المخرج جون ستيرجز بإعادة صنع ذلك الفيلم كفيلم وسترن أميركي كامل. النتيجة جيدة، لكنها لا ترتفع إلى مصاف الأصل. بعد ذلك، كل النسخ التي عادت إلى الأصل لتعيد إطلاقه لجمهور جديد لم تستطع الوصول إلى مستوى فيلم ستيرجز، ناهيك، إذن، عن الوصول إلى مستوى الأصل.
هناك دائماً شيء خاص بالفيلم الأصلي لا يمكن تقليده حتى ولو أمسك المخرج بذلك الأصل واستنسخه تماماً كما فعل المخرج غس فان سانت سنة 1998 عندما قرر تصوير فيلم «سايكو» (أحد روائع ألفرد هتشكوك، 1960) لقطة لقطة. أي بتقليد منهج الأستاذ كما وضعه ذاك من دون تغيير يذكر. النتيجة ليس فقط سقوط الفيلم – الإعادة، بل تواريه بينما لا يزال الناس يتحدثون عن فيلم هتشكوك في كل مناسبة.
لا بد من الاعتراف هنا بأن غاية غس فان سانت، وهو مخرج من أتباع المدرسة المستقلة، لم تكن تجارية. لا مانع لو أن الفيلم أنجز المطلوب منه على هذا الصعيد، لكن فان سانت أراد إلقاء تحية لهتشكوك عبر إعادة تصوير فيلمه ذاك من دون تغيير أو تطوير.
الذي يحدث عادة هو أن تتطلع الاستديوهات إلى ذخيرتها من الأفلام الكلاسيكية (أو تلك التي تعتبرها هي كلاسيكية)، وتقرر أن إعادة صنع أحدها سيحقق نجاحاً كبيراً. مرد هذا الاقتناع مكانة الفيلم السابق من ناحية، ووجود جمهور جاهز يعرف الأصل ويرغب في مشاهدة النسخة المتجددة منه.
بسبب هذا الدافع شاهدنا في منتصف عام 2015 نسخة جديدة من Point Break الفيلم الذي كانت كاثرين بغيلو حققته سنة 1990 مع مجموعة من الممثلين المهرة والوجوه الشابة حينها بينهم كيانو ريفز وغاري بوسي وجون س. مكغينلي والراحل باتريك سوايزي. الفيلم الجديد (2015)، من إخراج واحد لم يتمتع بالرؤية ذاتها اسمه إريكسون كور ومع جملة ممثلين لم يتمتع أحدهم بالكاريزما ذاتها لأي من الممثلين السابقين. وفي حين أن نسخة 1990 أنجزت 487 مليون دولار، حين كان سعر التذكرة لا يتجاوز ستة دولارات، أنجز الفيلم المعاد 210 ملايين دولار عندما كان سعر التذكرة ارتفع إلى عشرة دولارات وما فوق. ما يعني أنه أنجز في الواقع أقل من نصف عدد رواد الفيلم الأصلي.
هذا الفارق تكرر في أواخر السنة الماضية عندما قامت هوليوود بإعادة صنع «طاردو الأشباح» (Ghostbusters)؛ إذ كان الفيلم السابق أنجز أكثر من نصف مليار دولار في الولايات المتحدة سنة 1984 (بسعر تذكرة لا يتجاوز خمسة دولارات)، بينما حصدت النسخة المكررة نحو 232 مليون دولار لسبب وحيد هو أن سعر التذكرة بلغ ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال في الثمانينات.
* تصيب وتخيب
طبعاً ليس كل فيلم يعاد صنعه هو من كلاسيكيات التاريخ. هذا مطبّـق على «سايكو» و«كايب فير» و«بن حور» و«الرائعون السبعة» و«غودزيللا» و«كينغ كونغ» و«ذو الوجه المشوّه» لكنه ليس حال أفلام كثيرة جرت إعادة صنعها من دون أن تتحلى بتلك القيمة مثل «الذبابة» و«الملعب الأطول» و«ثلاثة رجال وطفل» و«أوشن 11» و«ليلة مخيفة» أو «آرثر». هذه المجموعة الأخيرة مجرد أفلام ناجحة في أوقاتها تم تحقيق أفلام عنها لهذا السبب وحده ومعظمها فشل في إيجاد جمهور مكترث. النجاح لا علاقة له بمستوى الفيلم السابق وإذا ما كان كلاسيكياً بالفعل أو لا. الفيلم الديني الذي حققه ويليام وايلر سنة 1959 بعنوان «بن حور» أنجز (بتعديل الدولار لسعر اليوم) مليارا و229 مليون و732 ألف دولار. نسخة السنة الماضية التي حققها المهاجر الروسي تيمور بكمامبيتوف أصيبت بإيراد لم يتجاوز 95 مليون دولار، أي أقل بنحو 40 مليون دولار من كلفته.
في المفاد أن لا أحد في الواقع يستطيع أن يثق مسبقاً بأن إعادة تفليم عمل سينمائي سينجز أرباحاً تبرر قيامه بالالتفات إلى المصدر وإعادة صنعه. بعض الأفلام المعادة حققت أكثر مما حققته الأفلام الأصلية («الجميلة والوحش»: «روبوكوب» مثلاً)، لكن الغالبية سقطت في التجربة وأحدثت أصواتاً مدوية (كبعض ما سبق ذكره).
لكن الملاحظ أنه من بين مئات الأفلام الأميركية التي تمت إعادة صنعها، فإن النسبة الغالبة منها هي لأفلام فشلت فنياً في أن تتماثل والفيلم الأصلي.
إعادة صنع الأفلام تصيب وتخيب والأسباب متعددة
أفرزت الكثير من الأوضاع المحرجة
إعادة صنع الأفلام تصيب وتخيب والأسباب متعددة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة