يتجه حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوسطي، نحو الفوز بغالبية ساحقة في الجمعية الوطنية، ما سيعطيه تفويضا حاسما لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية وعد بها خلال حملته الانتخابية.
واكتسح حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي أسسه ماكرون الحزبين التقليديين الأكبرين بحصوله على 32.3 في المائة من الأصوات، متقدما بفارق كبير عن حزب الجمهوريين اليميني (21.5 في المائة) وحزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبن (13.2 في المائة) واليسار المنقسم بين تيارات مختلفة، بحسب النتائج النهائية.
ولعل المؤشر الأبلغ الذي يلخص الجولة الأولى من الانتخابات النيابية الفرنسية، يتمثل في هزيمة أمين عام الحزب الاشتراكي جان - كريستوف كمبادليس وعجزه عن التأهل للدورة الثانية. في المقابل، فاز مرشح حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، منير المحجوبي، وزير الاقتصاد الرقمي وأصغر أعضاء الحكومة البالغ من العمر 34 عاما الذي يخوض أولى منافساته الانتخابية، بالمرتبة الأولى وبمقعد نيابي أكيد يوم الأحد القادم.
عكست نتائج الدورة الأولى عمق التحول الذي أحدثه ماكرون في المشهد السياسي الفرنسي. فبعد شهر واحد من وصوله إلى قصر الاليزيه، ها هو الرئيس الجديد يتسبب بـ«تسونامي سياسي» لم تعرفه الجمهورية الخامسة منذ تأسيسها في عام 1958، ويرجح أن يحصل «فرنسا إلى الأمام» مع نهاية الجولة الثانية على أكثرية ساحقة في البرلمان الجديد ما بين 400 إلى 455 مقعدا، من أصل 577 مقعدا، وهي الأوسع منذ ستين عاما. ذلك أن حزب ماكرون، المتحالف مع حزب «الحركة الديمقراطية» التي يرأسها وزير العدل فرنسوا بايرو حصل على 32.3 في المائة من الأصوات متقدما، بنسبة 11 في المائة على منافسه الأقرب، وهو حزب الجمهوريون المتحالف مع حزب اتحاد الديمقراطيين والمستقلين، فيما انهار الحزب الاشتراكي بشكل مريع.
وتفيد آخر الأرقام بأن الاشتراكيين وحلفاءهم من الراديكاليين اليساريين حصلوا على أقل من 10 في المائة من الأصوات، حيث تراجعوا إلى الموقع الخامس بين القوى السياسية الفرنسية، وهي أضعف نسبة لهم منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. والحال أن الاشتراكيين كانوا يشغلون 284 مقعدا في البرلمان السابق. وإضافة إلى أمينه العام، فقد خرج من المنافسة منذ الدورة الأولى، مرشح الاشتراكيين للرئاسة بونوا هامون ووزراء سابقون بينهم أورلي فيليبي، وباسكال لامي، وإليزابيت غيغو، وماتياس فيكيل، وكريستيان أيكيرت.
جدير بالذكر أن الكثير من وجوه الحزب الاشتراكي، مثل رئيسي الحكومة السابقين برنار كازنوف وجان مارك أيرولت، امتنعوا عن الترشح بسبب الخوف من الهزيمة من جهة، وبسبب دخول قانون منع تراكم المناصب حيّز التنفيذ. وحدهم نجوا من العاصفة الوزراء الذين امتنع ماكرون عن ترشيح منافسين لهم من حزبه، أمثال وزيرة التربية السابقة نجاة فالو بلقاسم، ووزير الزراعة ستيفان لو فول، ورئيس الحكومة السابق مانويل فالس. لكن ليس جميع هؤلاء واثقين من العودة إلى الندوة البرلمانية. ووصف كمبادليس ما أصاب حزبه بأنه «تراجع لليسار لم يسبق له مثيلا».
ما يصح على الاشتراكيين، يصح أيضا على الأحزاب الأخرى التي لم تنج من مخالب «الجمهورية إلى الأمام». فاليمين المعتدل الذي كان يعتقد أنه سيفوز بالانتخابات بعد قلب صفحة مرشحه الرئاسي فرنسوا فيون، أصيب هو الآخر بنكسة كبيرة، حيث من المقدر له أن يخسر نصف عدد نوابه في البرلمان السابق. ولكن بحصوله على 21.5 في المائة من الأصوات، عاد «الجمهوريون» ليحتل الموقع الثاني على الخريطة السياسية بعد أن خسره لصالح حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف). وإذا ما حصل الأحد القادم على ما يتراوح ما بين 100 إلى 120 مقعدا، سيشكل نواب «الجمهوريون» قوة المعارضة الأساسية في البرلمان الجديد. لكن تمتع الرئيس ماكرون بالأكثرية الساحقة سيجعل دور هذه المعارضة هامشيا، ويدعها عاجزة عن التأثير على قرارات الحكومة وتدابيرها.
وفي أي حال، ليس من المؤكد أن يبقى «الجمهوريون» على حاله كحزب بسبب التشظي الداخلي الذي يعاني منه والتيارات المتجاذبة بين راغب في «الانفتاح» على العهد الجديد، وبين تيار عازم على المواجهة المباشرة معه لا بل التقرب من اليمين المتطرف.
عند الحديث عن اليمين الفرنسي المتطرف، ترد إلى ذهن مباشرة صورة «السقف الزجاجي» الذي يعني في التقليد السياسي الفرنسي أن الجبهة الوطنية لن تكون قادرة على الوصول إلى السلطة، لأن «التركيبة» الفرنسية لن تتيح لها ذلك ولأن المزاج العام لم يصبح بعد متقبلا لإيلائها المسؤولية. وتأكدت هذه النظرية مع الانتخابات الرئاسية، حيث عجزت مارين لو بن عن اختراق سقف الـ34 في المائة من الأصوات في الجولة الثانية. أما في انتخابات الأحد، فإن حزبها عاد للتراجع ولم يحصل إلا على 13.2 في المائة من الأصوات، وهو ما حصل عليه في عام 2012، وبالتالي فإن نواب الجبهة سيتراوح عددهم ما بين 2 إلى 10 نواب. وما أصاب اليمين المتطرف، ضرب أيضا اليسار المتشدد الذي يمثل ربما تقدمه على الحزب الاشتراكي في نسبة الأصوات عزاءه الوحيد. ذلك أن ميلونشون الذي اعترف الجميع بأن أداءه في الانتخابات الرئاسية كان «استثنائيا»، وحصل على أكثر من 19 في المائة من الأصوات، تراجعت حركته «فرنسا المتمردة» إلى 11 في المائة. ويرجح أن يتراوح عدد نوابه، مع النواب الشيوعيين، ما بين 10 إلى عشرين نائبا. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن حزب الخضر المنقسم أصلا إلى تيارات متناحرة فقد رؤوسه المعروفة منذ الجولة الأولى.
بيد أن الزلزال السياسي لا يتناول فقط تغير موازين القوى. ذلك أن الظاهرة المهمة كذلك تمثلت في نسبة مقاطعة الانتخابات، التي زادت على 51 في المائة، وهي نسبة لم تعرفها فرنسا في تاريخها الحديث.
وكان واضحا في الجدل السياسي الذي أعقب إذاعة النتائج، أن خصوم العهد الجديد سعوا لاستغلال المقاطعة المرتفعة للتقليل من أهمية انتصار حزب ماكرون، وللإشارة إلى أنه عمليا لم يحصل على أكثر من ستة ملايين صوت من أصل 47 مليون ناخب مسجل. وبالتالي، فإن الناخبين لم يمنحوه «شيكا على بياض».
أما التحذير الآخر فتركز على التنبيه من تحول «الجمهورية إلى الأمام» إلى حزب أوحد، كما في الدول الشيوعية السابقة، حيث تختفي المعارضة ويتحول المجلس النيابي إلى غرفة غرضها الموافقة على مشاريع القوانين والسياسات التي تقررها الحكومة. وقال الوزير اليميني السابق بريس هورتفو إن ناخبا واحدا من أصل سبعة ناخبين أعطى صوته لحزب ماكرون، ما يعكس ضعف قاعدته الشعبية.
هذه التحذيرات لم تمنع الصحافة الفرنسية مجتمعة من إبراز الظاهرة الاستثنائية التي تعيشها البلاد، إذ إن حركة سياسية أطلقت قبل 15 شهرا فقط وتحولت إلى حزب بعد الانتخابات الرئاسية نجحت في قلب الوضع السياسي في فرنسا رأسا على عقب. إنه عهد جديد وعالم جديد. لكن الامتحان الكبير سيبدأ بعد الجولة الثانية والأخيرة، والاختبار سيكون في قدرة العهد الجديد الذي سيتمتع باستقرار سياسي لمدة خمسة أعوام على تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفي إعادة الأمل إلى الفرنسيين.
الانتخابات النيابية الفرنسية «تسونامي سياسي» يعزز حزب ماكرون
نسبة المقاطعة الأعلى في تاريخ الجمهورية الخامسة... والمعارضة تتخوف من هيمنة «الحزب الواحد»
الانتخابات النيابية الفرنسية «تسونامي سياسي» يعزز حزب ماكرون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة