تركيا تحتجز ممثل العفو الدولية بدعوى الارتباط بغولن... وترحل صحافياً فرنسياً

المعارضة تنتقد التضييق على حرية التعبير واستمرار الطوارئ

المصور الصحافي الفرنسي ماتياس ديباردون الذي رحلته تركيا يعقد مؤتمرا صحافيا في مطار شارل دو غول (أ.ف.ب)
المصور الصحافي الفرنسي ماتياس ديباردون الذي رحلته تركيا يعقد مؤتمرا صحافيا في مطار شارل دو غول (أ.ف.ب)
TT

تركيا تحتجز ممثل العفو الدولية بدعوى الارتباط بغولن... وترحل صحافياً فرنسياً

المصور الصحافي الفرنسي ماتياس ديباردون الذي رحلته تركيا يعقد مؤتمرا صحافيا في مطار شارل دو غول (أ.ف.ب)
المصور الصحافي الفرنسي ماتياس ديباردون الذي رحلته تركيا يعقد مؤتمرا صحافيا في مطار شارل دو غول (أ.ف.ب)

قررت السلطات التركية احتجاز تانر كليتش ممثل منظمة العفو في تركيا للاشتباه في علاقته بحركة الداعية فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو (تموز) 2016، وأصدرت السلطات التركية في ساعة مبكرة من صباح أمس السبت قرار احتجاز كليتش، الذي كان أوقف مساء الثلاثاء الماضي مع 22 محاميا آخرين في مدينة إزمير غرب البلاد.
واتهم كليتش باستخدام تطبيق التواصل الاجتماعي «بايلوك» المشفر للرسائل القصيرة على هاتفه الجوال في أغسطس (آب) 2014، وهو التطبيق الذي تقول السلطات التركية إنه كان وسيلة التواصل الرئيسية بين المشاركين في محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي.
وأصدرت منظمة العفو الدولية بيانا انتقدت فيه توقيف كليتش لاتهامه بـ«الانتماء إلى منظمة إرهابية»، معتبرة أنه «تزييف للعدالة يظهر التأثير المدمر للقمع الذي تنفذه السلطات التركية»، ورفضت الاتهام الموجه إليه نافية أن يكون استخدم تطبيق بايلوك.
في الوقت نفسه، رحلت تركيا، الليلة قبل الماضية المصور الفرنسي الفرنسي ماتياس ديباردون (37 عاما)، الذي أوقف في 8 مايو (أيار) الماضي في قرية حسن كيف التاريخية في بطمان جنوب شرقي تركيا أثناء إعداده تقريرا لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك» التي يعمل لحسابها، وذلك بتهمة الترويج لمنظمة إرهابية.
وأودع ديباردون مركزا للهجرة في غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا قرب الحدود السورية بعد صدور قرار بترحيله إلا أن ترحيله تأخر ما أثار القلق في إمكانية إحالته إلى المحاكمة، فدخل في إضراب عن الطعام ثم عدل عنه بعد أن أكدت القنصلية الفرنسية أنها تبذل جهودا مع السلطات التركية لترحيله. وعقب إنهاء إجراءات الترحيل بحقه، تم نقله من غازي عنتاب، إلى إسطنبول حيث غادر من مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول عائدا إلى باريس.
وجاء ترحيل المصور الصحافي الفرنسي عقب زيارة والدته له في غازي عنتاب حيث أمضى طيلة فترة احتجازه.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من نظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال لقائهما في بروكسل على هامش قمة الناتو في 25 مايو (أيار) الماضي العمل على عودة الصحافي المحتجز بـ«أسرع وقت ممكن» إلى فرنسا.
وكان ديباردون الذي يعمل مصورا صحافيا مستقلا يقيم في تركيا منذ 5 سنوات، ولم تجدد السلطات التركية بطاقته الصحافية بعد انتهائها العام الماضي وهو ما يستوجب ترحيله من البلاد.
وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ليل الجمعة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن السلطات التركية أطلقت ماتيس ديباردون بعد احتجازه لأكثر من شهر.
وفرضت السلطات التركية حالة طوارئ العام الماضي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة واعتقلت نحو 55 ألف شخص كما أقالت نحو 155 آخرين من وظائفهم في مختلف أجهزة الدولة، وتم إغلاق مؤسسات إعلامية وحبس نحو 150 صحافيا وإغلاق عدد من الجامعات علاوة على ألف مدرسة بدعوى انتمائها لحركة غولن المتهمة بتدبير الانقلاب.
وترفض تركيا انتقادات من الاتحاد الأوروبي والغرب بشأن الصحافيين المسجونين وانتهاكات حقوق الإنسان، واتهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي أجهزة المخابرات في أوروبا بتوظيف الصحافيين كعملاء لها في تركيا بعد مطالبة نظيره الألماني زيغمار غابرييل بالإفراج عن الصحافي الألماني من أصل تركي دنيز يوجال مراسل صحيفة «ديفلت» الألمانية المحتجز منذ فبراير (شباط) الماضي بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية.
وفي السياق نفسه، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، إن بلاده تحولت إلى سجن شبه مفتوح وأصبحت الديمقراطية معلقة. وانتقد كليتشدار أوغلو سجن البرلمانيين والصحافيين والأكاديميين قائلا: «إذا تحولت تركيا إلى سجن مفتوح اليوم، وإذا حكمت بقوانين الطوارئ، فلا يمكن الحديث حينها عن الديمقراطية».
وانتقد زعيم المعارضة التركية كليتشدار عقب لقائه، الجمعة، الرئيس المشارك الجديدة لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، سربيل كمال باي في أنقرة الجمعة أحكام السجن للتعبير عن الفكر في تركيا، مضيفا أنها أضرت بـ«سنوات من النضال من أجل الديمقراطية».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».