قطر... ودورها في دعم التطرف

من منطقة الخليج إلى ليبيا مروراً بسوريا ولبنان وفلسطين

قطر... ودورها في دعم التطرف
TT

قطر... ودورها في دعم التطرف

قطر... ودورها في دعم التطرف

سُلِّطت خلال الأسبوع الماضي كما لم تسلط من قبل الأضواء على دور دولة قطر في دعم مختلف الفصائل الإرهابية والمتشددة على امتداد العالم، منها «جبهة النصرة» و«الجماعة الليبية المقاتلة» و«الإخوان» وحركة حماس. والمثير في الأمر أن الدعم والاحتضان يتوازيان مع تنمية الدوحة علاقاتها المثيرة والمتناقضة مع كل من إسرائيل وإيران. وفيما يلي نسرد سجلاً للدعم القطري لقوى دأبت منذ سنين على إضعاف الاستقرار في العالم العربي، بما في ذلك الدول الخليجية المجاورة.
كشف البيان السعودي الحاسم بشأن الإجراءات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها الرياض ضد دولة قطر، وقطع العلاقات معها، عن دور تحريضي تمارسه الدوحة في دعم الإرهاب بالقطيف (شرق السعودية)، التي تشهد نشاطاً متفاوتاً لخلايا إرهابية تعمل لحسابات إيران. إلا أن هذا الدور لا ينفصل عن دور قطر في لبنان إبان «حرب» يوليو (تموز) 2006، حين دخلت على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أو دعمها «جبهة النصرة» وقوى متشددة شقت وحدة قوى الثورة السورية، وأنهكتها بمعارك جانبية، أو محاولتها إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الفلسطينية عبر دعم حركة حماس المعارضة. وهذا، بالإضافة إلى دورها المساند للجماعات المتطرفة في كل من مصر وليبيا وللانقلابيين الحوثيين في اليمن.

انتهاكات سراً وعلانية
وصف البيان السعودي «انتهاكات جسيمة» تمارسها السلطات القطرية، في السر والعلن، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، وذلك عبر دعم تنظيمات متطرفة منها الإخوان المسلمين و«داعش»، كذلك دعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وفي مملكة البحرين، وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً.
وللعلم، فإن الخلايا الإرهابية في القطيف، تعمل وفقاً لأجندات إيرانية، تهدف إلى إثارة البلبلة وشق الصف السعودي بافتعال الأزمات والخروج ضد سلطة الدولة، والاعتداء على المراكز الحكومية ورجال الأمن. ولم تكن تلك النشاطات الإرهابية بمعزل عن أحداث البحرين، التي عانت خصوصاً في عام 2011 من حراك طائفي ترافق مع الثورات العربية التي دعمتها وسائل إعلام قطرية، قبل أن تخمد فتنتها دول الخليج، عدا قطر، التي استمرت في خلق حالات الاستعداء بين الشيعة والسنّة في أوطانهم الخليجية. وشهد العام ذاته، نشاطا لخلايا إرهابية، بعضها كان في قطر، وتزامن حراكها مع جماعات الإرهاب في المنامة والقطيف، كانت الدوحة أعلنت القبض عليها، وكان الهدف من مكوثها في قطر أسوة بمن سبقوها أن قطر أساساً نقطة العبور نحو إيران.
أيضاً أرادت قطر أن تلعب دوراً إقليمياً، بمساندة من هم خارج حدودها لا سيما بين جيرانها الخليجيين، بدوافع لا تخرج عن استثمار علاقتها وتحالفها مع القيادة الإيرانية في طهران، التي تربطها معها اتفاقيات أمنية واقتصادية. وتسهم هذه الاتفاقيات في إغداق مالي وفير يسهّل لها أن تلعب على حبال المراوغة بوجهي الدعم للحركات بغية إسقاط والتأثير على الأنظمة الحاكمة، ووجه يتودد البراءة ببيانات شجب لم تُكتب إلا قليلاً.

التأجيج في اليمن
وفي اليمن، كشفت التطورات التي شهدتها البلاد، طوال السنوات الثلاثة الماضية، أن قطر لعبت دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات الداخلية تحت يافطات وشعارات مختلفة. ووفق متابعين مطلعين، توزع الدور القطري على محورين رئيسيين: الأول دعم قديم - جديد لحركات الإسلام السياسي المتمثلة في الإخوان المسلمين (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، والثاني دعم حركة التمرد الحوثية منذ بداياتها الأولى تحت غطاء الوساطات لإيقاف النزاع المسلح الذي كان محدوداً، في بدايته، بمحافظة صعدة. ومن أبرز الشواهد، رعاية الدوحة أول اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين مطلع عام 2008، وهو الاتفاق الذي مهّد لإخراج الحركة الحوثية من المحلية إلى المحيط الإقليمي، وفقاً للمتابعين.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، يشرح المحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل أن الموقف القطري اتسق مع الحركات الآيديولوجية وأهدافها، ولدينا في اليمن كان الأمر أشد وضوحاً في تحركها مبكراً لصالح الحوثيين وتحويلهم إلى معادلة ضد الدولة ودعم «الإخوان» لاختطاف التحرك الشعبي بعد ثورة الشباب في 11 فبراير (شباط) 2011.
ويرى إسماعيل أن الدور القطري في اليمن «هو ما يبرز الآن في تبني هذه الحركات جانب قطر في مقابل الانتصار للشرعية والتحالف، واختيار التضحية بمعركة استعادة الدولة لصالح الانتقام السياسي».

وسيط بين «حزب الله» و«النصرة»
ولدى الانتقال إلى لبنان وسوريا، نجد أنه إبان حرب يوليو 2006، دخلت قطر على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وبدا أن الدور القطري مقبولاً لدى حزب الله الذي رحب فيما بعد بالدعم القطري المالي لإعادة إعمار الجنوب، إذ قدمت قطر ما يقارب 300 مليون دولار أميركي خصّصت لإعادة إعمار مناطق في الجنوب بعد الحرب.
هذا الدور سمح للدوحة بأن تكون لاعباً على خط التسويات الداخلية، وتمثل الدور الأبرز لها في استضافة «مؤتمر الدوحة» الذي تلا هجوم حزب الله العسكري على مناطق في بيروت والجبل في مايو (أيار) 2008، وعرف بـ«غزوة 7 »، وخلف أزمة سياسية كبيرة.
وفي أواخر الشهر نفسه، عقد «مؤتمر الدوحة»، الذي أنتج ما يشبه التسوية مع الحزب، وبدا أن الغاية منه الحلول محل «اتفاق الطائف» الذي غدا جزءاً من الدستور اللبناني. ولكن، في أي حال حال، انتهى بالاتفاق على قانون جديد للانتخابات البرلمانية التي أُجريت في العام 2009، كما أسفر عن إيصال قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان إلى سدة الجمهورية، ولكن في ظل احتفاظ حزب الله بسلاحه ونفوذه.
كذلك تُرجم قبول الدور القطري بالنسبة لحزب الله، بزيارة أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة جنوب لبنان ليفتتح مشاريع في مدينة بنت جبيل الحدودية، بعدما أعادت إعمار 12000 وحدة سكنية في أربع بلدات جنوبية حدودية. ورفع له الحزب لافتات حملت شعار «شكراً قطر» الذي بقي مرفوعاً إلى حين اندلاع الأزمة السورية، وتنافر الحزب والدوحة حول الموقف من رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ازدواجية في محنة سوريا
لكن التباين بالموقف السياسي في سوريا، لم يُفقد الدوحة دورها كوسيط غير مباشر بين الحزب أو النظام السوري من جهة، وجماعات متشددة في المعارضة السورية كانت تدعمها في سوريا، وأخرى مصنفة إرهابية على قوائم الإرهاب العربية والدولية، من جهة ثانية، فيما بدا أن خطوط الدوحة كانت مفتوحة عليها.
وتمثل هذا الدور في التوصل إلى تسوية أدت إلى الإفراج عن الزوّار اللبنانيين المخطوفين في مدينة أعزاز (شمال غربي سوريا) في العام 2013، الذين زاروا الدوحة، حيث التقوا أميرها الشيخ تميم بن حمد آل خليفة الثاني، الذي أقام حفل تكريم لهم بعد الإفراج عنهم.
وإذا كانت الصفقة أدت إلى الإفراج عن عشرات المعتقلات والمعتقلين في السجون السورية بجانب الإفراج عن الطيارين التركيين اللذين خُطِفا في لبنان في أغسطس (آب) من العام نفسه، فإن جهود الدوحة للإفراج عن راهبات معلولا الذين كانوا محتجزين لدى «جبهة النصرة» في ربيع 2014، تمت بعد تكفُّل قطر بدفع فدية مالية للتنظيم المصنف إرهابياً، قدّرت بنحو 16 مليون دولار، إلى جانب إطلاق سراح سجى الدليمي، طليقة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، التي كانت موقوفة في لبنان، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية آنذاك.
الدور نفسه، لعبته الدوحة في الخريف الماضي، حين أسفرت «الوساطة» القطرية بين جبهة النصرة والسلطات اللبنانية إلى الإفراج عن 15 عسكرياً لبنانياً كانوا مختَطَفِين لدى الجبهة منذ أغسطس 2014.

شق الصف الفلسطيني
بالنسبة لفلسطين، لم تكفّ قطر يوماً عن محاولاتها إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الفلسطينية، مستخدمة أولاً أدوات سياسية ومالية كحال دعمها حركة حماس المعارضة التي سيطرت على قطاع غزة منقلبة على السلطة عام 2007، وثانياً إعلامية عبر قناة «الجزيرة»، التي بذلت كل جهد لتشويه السلطة وفعلت كل ما يمكن لتمجيد حماس.
وحقاً، منذ سيطرت حماس على غزة، حصلت الحركة على دعم قطري ضخم لم يوازِهِ في مراحل محددة إلا الدعم الإيراني، بينما كانت السلطة تحاول استرجاع القطاع. وليس سرّاً أن هذا الدعم القطري - الإيراني مكّن حماس من الهيمنة على غزة وساعدها على مواجهة السلطة الفلسطينية، ما خلف انقساماً دامياً أضر بالقضية الفلسطينية كلها.
كذلك دخلت قطر على خط حماس بشكل مباشر عام 2008، حين بدأ حمد بن جاسم، رئيس الحكومة القطرية ووزير الخارجية (في حينه) التوسط بين إسرائيل وحركة حماس، متجاهلة بطبيعة الحال السلطة الفلسطينية. ولم يقف هذا الدعم القطري عند حدود تقوية حماس وإضعاف السلطة، بل تعداه إلى محاولة فرض حماس بديلاً للسلطة.
وبعد عام واحد فقط، انفضحت النيات القطرية، حين دعا أمير قطر عام 2009 رئيس حماس خالد مشعل لحضور قمة عربية مفترضة في قطر، ضارباً عرض الحائط شرعية الرئيس عباس، الذي خرج عن «دبلوماسيته»، آنذاك، واتهم قطر بالمس الخطير بالشرعية والتمثيل الفلسطيني.
وهذا المس بشرعية عباس أتبعه حمد بن جاسم، آنذاك، بمحاولة المس بشخص عباس نفسه وإظهاره تابعاً وضعيفاً، حين قال إن عباس أخبره أنه لم يحضر لأنه «خاف أن يذبح من الوريد للوريد»، وهو ما ردت السلطة عليه بتكذيبه فوراً مطالبة قطر الكف عن العبث، والتدخل في الشأن الفلسطيني.
وبموازاة الهجوم السياسي، عمدت قناة «الجزيرة» إلى تشويه عباس والسلطة فيما كانت تبث أفلاماً بطولية عن حماس. وفي 2011 بثت القناة نفسها وثائق سرية عن اجتماعات بين السلطة وإسرائيل اتهمت فيها السلطة «بالتنسيق مع إسرائيل من أجل قتل فلسطينيين»، وهو الأمر الذي عده كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بمثابة «نشر الفتنة في الأراضي الفلسطينية»، وأضاف: «إنهم يفتحون أبواب الثارات الشخصية والعائلية».
وبلغت ذروة الاستهداف القطري لعباس، عام 2012 حين زار الأمير السابق حمد بن خليفة قطاع غزة متجاهلاً الرئيس الفلسطيني الشرعي ومتعاملاً مع رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية كممثل شرعي للفلسطينيين. وبطبيعة الحال أغدق الأمير القطري الأموال والثناء على حماس بطريقة جعلت السلطة تتهمه بالعمل على فصل غزة وليس فقط تعزيز الانقسام.
وهنا يقول بكر أبو بكر، القيادي في حركة فتح، عن علاقة قطر بالسلطة «لقد عملت قطر بعد سوريا عام 2012 جاهدةً على تخريب جسدنا عبر المؤتمرات، بأن تسحب التمثيل الفلسطيني من المنظمة لصالح الانقلابيين في حماس». وتساءل على صفحته على موقع «فيسبوك»: «من أين تم تمويل الأسلحة والمعدات والتجييش الإعلامي الملفَّق والكاذب ضدنا الذي به انقلبت ميليشيات (حماس) على غزة عام 2007؟».
واتهم أبو بكر، قطر بـ«تنقيط» الأموال على غزة «بهدف زعزعة الشرعية الفلسطينية»، كما اتهم قناة «الجزيرة» بأنها «فتحت منبرها لكل مشكك وطاعن وحاقد ومكفّر ومخوّن للقيادة الفلسطينية تحت عنوان الرأي والرأي الحاقد». وتابع أن الرئيس عباس «صبر عليها كثيراً وحمل على كتفيه ظلمها، ووهن السنين، ولم ينطق ضدها بكلمة لعلها تفهم وتدرك وترعوي وتحترم ولكن هيهات؟».

معاناة مصر... المستمرة
في مصر، المعروف أنها شهدت العديد من العمليات الإرهابية، في سيناء ومدن أخرى، راح ضحيتها مسؤولون وجنود من الجيش والشرطة ومواطنون، خصوصاً بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي كان مدعوماً من قطر. وكان من آخر العمليات الإرهابية استهداف كنائس وأقباط، حيث اتهم السيسي دولاً لم يُسمِّها برعاية الإرهابيين، واستغلال الفوضى في ليبيا لتصدير المتطرفين عبر الحدود الغربية لمصر.
وهنا يُعتبر العميد أركان حرب، عادل العمدة، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن منافع مقاطعة قطر أكبر من أضرارها، بالنسبة لمصر وباقي الدول العربية، مشيراً إلى وجود كثير من الأدلة على رعاية الدوحة للإرهاب. وأوضح أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أشار إلى هذا المعنى، بشكل غير مباشر، في كلمته في القمة العربية الإسلامية الأميركية التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في الرياض، قبل أسبوعين.
ووصف العمدة توقيت القرار المصري بقطع العلاقات مع قطر، بأنه جاء في وقته، بعد وضع تقدير للموقف من كل جوانبه، خصوصاً أن الدول العربية المحيطة بدولة قطر، تأثرت هي الأخرى بدعم الدوحة للإرهاب، مشيراً إلى أن القرار المصري «يؤتي ثماره، ويعطي مردوداً إيجابياً».
وعما إذا كان يعتقد بوجود أدلة عن أن قطر كانت وراء أعمال العنف في مصر، وتأييد الإرهابيين وتمويلهم، قال العمدة: «بالتأكيد... ولولا يقين القاهرة والدول العربية من هذه المعلومات، لما قطعوا العلاقات معها. لقد ظهرت أدلة دامغة على تورط عناصر إرهابية مدعومة من قطر داخل عدد من الدول العربية، منها مصر. ولهذا كان لا بد من وقفة مع قطر». وتابع قائلا إن قطر تأوي عناصر من جماعة الإخوان المصنفة بمصر ودول أخرى «منظمة إرهابية»، مشيراً إلى تحذير الرئيس السيسي، في كلمته بـ«قمة الرياض» من خطورة الملاذات الآمنة التي تتخذها بعض العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى توفير التمويل المباشر إلى بعض العمليات الإرهابية التي وقعت على الأراضي المصرية.
ووفق العمدة، فإن مثل هذه الأعمال الإرهابية «استهداف لمصالحنا ولأمننا القومي... الرئيس السيسي وضع العالم أمام مسؤولياته، لمعاقبة كل من يرعى مثل هذه التصرفات»، وأشار العمدة إلى أن قطر «دعمت الفوضى التي وقعت في ليبيا، وهذا كان له تأثير على الأمن القومي المصري». وتابع موضحاً أن التهديد الإرهابي لم يقتصر على الحدود الغربية فقط، ولكن من الحدود الجنوبية ومن شبه جزيرة سيناء، ومن غزة التي تسيطر عليها حركة حماس.
وعن توقعه احتمال وجود تأثير سلبي على العمالة المصرية في قطر أو على الاستثمارات القطرية في مصر، قال العميد العمدة إن القطيعة مع قطر لو كانت اقتصرت فقط على مصر، لكان الضرر كبيراً، لكن «حينما تتحد عدة دول عربية في اتخاذ مثل هذا القرار، فإن الإيجابيات تكون أكثر من السلبيات».

تهديد الدولة في ليبيا
أما فيما يخص ليبيا، فقال الدكتور محمد الزبيدي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، إن «محاور النشاط القطري في ليبيا أربعة كلها تسببت في القضاء على فرص عودة الدولة، من بينها دعم التيارات المتطرفة بالمال والسلاح، والوقوف مع قبائل ضد أخرى».
وتابع الزبيدي موضحاً أن المحور الأول انصَبَّ على العمل الإعلامي، حيث كان هدف مجموعة القنوات التلفزيونية المموَّلَة من قطر، إثارة الفتنة في ليبيا، وفبركة الأخبار وتزييف الحقائق ونشر ادعاءات باطلة. أما المحور الثاني فكان يتعلق بخلق أرضية قانونية لما حصل في ليبيا، منذ البداية، وذلك من خلال جلب المساندة الدولية للتنظيمات المتطرفة التي كنت تحارب القذافي. وأضاف: «حين كانت الدول العربية منشغلة بمواجهة ما يعرف بـ(الربيع العربي)، استغلت قطر الفرصة، ومررت قرارات ضد ليبيا، منها تجميد عضويتها في الجامعة العربية، ووقوفها وراء تقديم طلب من الجامعة لمجلس الأمن، ما ترتب عليه تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا وتدمير المؤسسات ومقدرات الشعب».
وأما عن المحور الثالث للنشاط القطري في ليبيا، وفقاً للزبيدي، فهو التسبب في «تخريب وتمزيق النسيج الاجتماعي بواسطة شراء الذمم بالمال القطري»، إذ ذكر إن الدوحة استدعت وفوداً قبلية ليبية لزيارتها، و«أعطتها هدايا، منها سيارات فاخرة وساعات ذهبية، وأموال سائلة، وهناك من اعترف بهذا علانية بعد عودة هذه الوفود من قطر». وأردف أن هذا أدى لأن يكون هناك دعم قطري لمجموعة من القبائل ضد قبائل أخرى، الأمر الذي ترتب عليه دخول ليبيا في حرب قبلية ما زالت نتائجها ماثلة للعيان، إلى الآن.
واختتم، قائلاً، وفي ما يخص المحور الرابع الذي عملت عليه قطر، فهو دعم الميليشيات المؤدلجة التابعة لما يعرف بالتيار الإسلامي، بالمال والسلاح. «وهذا موثق بالصوت والصورة.. وأسهم في زعزعة الاستقرار والتأثير بالسلب على دول الجوار». وأعلن البرلمان الليبي والجيش، موقفاً واضحاً ضد قطر، بعكس المجلس الرئاسي. وتابع الدكتور الزبيدي إن تأخر «الرئاسي» في تحديد موقفه، يرجع إلى أنه ما زال في قبضة المتطرفين، مضيفاً أن تنظيم القاعدة، و«الجماعة الليبية المقاتلة» وجماعة الإخوان، كلهم يدينون بالولاء لقطر، وهم المهيمنون على المجلس الرئاسي حتى الآن.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.