ارتفاع مستوى الجريمة يفتح السجال حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في لبنان

المشنوق دعا لتنفيذها ومطالبات بوضع حد للسلاح المتفلت

ارتفاع مستوى الجريمة يفتح السجال حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في لبنان
TT

ارتفاع مستوى الجريمة يفتح السجال حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في لبنان

ارتفاع مستوى الجريمة يفتح السجال حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في لبنان

أعادت جرائم القتل التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة في لبنان السجال حول حكم الإعدام الذي جمّد تنفيذه منذ عام 2004 من دون تعديل القانون أو إلغاء هذه العقوبة. وكانت الجريمة التي أودت بحياة الشاب روي حاموش (23 سنة) قبل أيام على أيدي أحد المسلحين في منطقة جونية، شمال شرقي بيروت، إثر تصادم بين سيارتيهما، قد أدت إلى استنكار شعبي ومطالبة لتطبيق حكم الإعدام. ومن ناحية ثانية، رفض عدد من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان هذا الأمر، مؤكدين أن الحد من الجرائم يكون عبر القضاء على المشكلة الأساسية، وهي السلاح المتفلت الذي يقف حول السبب الأساسي لزيادة مستوى الجريمة.
ويوم أمس طالب وزير الداخلية نهاد المشنوق بإعادة العمل بقانون الإعدام، معتبراً أن «الحل الوحيد لمواجهة تفلت العقل في استخدام السلاح هو تطبيق عقوبة الإعدام بحق من يقتل عمداً»، مضيفاً: «السلاح المتفلت ليس المشكلة، بل تفلت العقل وغياب تحمل المسؤولية لدى المجرمين».
وبحسب إحصاءات «الشركة الدولية للمعلومات» وصل عدد جرائم القتل في لبنان منذ بداية العام الحالي حتى شهر مايو (أيار) الماضي إلى 107 جرائم بعدما كان في الفترة نفسها من العام الماضي 73، و74 جريمة في عام 2015.
وفي هذا الإطار، أوضح وزير العدل السابق شكيب قرطباوي، أن هناك عشرات أحكام الإعدام الصادرة في لبنان، لكن آخر عقوبة نفذت كانت في عام 2004، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «القانون اللبناني لا يزال ينص على عقوبة الإعدام وتنفيذها يحتاج بعد حكم القاضي المعني بالقضية، لقرار تنفيذ من قبل وزير العدل ومن ثم إرساله إلى رئيسي الحكومة والجمهورية لإصدار مرسوم خاص بشأنه، وهو الأمر الذي لم يقم به أي وزير للعدل منذ عام 2009 لغاية الآن». وما يذكر أنه في عام 2000 كان رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص قد رفض توقيع حكمين بالإعدام لعدم اقتناعه بالعقوبة، وواجه حينها انتقادات كثيرة اتهمته بتعطيل القانون وإعاقة تنفيذ الأحكام.
قرطباوي أوضح: «أنا ضد هذه العقوبة انطلاقاً من أسباب عدّة؛ أهمها أنه لا يحق لأي شخص إنهاء حياة شخص آخر، كما أن الإعدام لا يخفف من الإجرام، وهو ما تؤكده الإحصاءات العالمية، كما أن القاضي الذي سيصدر حكماً كهذا معرض للخطأ كأي إنسان، وإذا نفذ هذا الحكم عندها لا يمكن الرجوع عنه». وفيما يتعلّق في لبنان بشكل خاص، يؤكد قرطباوي أن المشكلة الأساسية تكمن في السلاح المتفلت في أيدي الشباب في لبنان، إضافة إلى آفة المخدرات التي باتت منتشرة في المجتمعات اللبنانية، مشيراً إلى أن «الحل يكون عبر إلغاء جميع تراخيص السلاح التي لطالما كانت توزع بشكل عشوائي وتؤدي إلى تهوّر الشباب، وبالتالي ارتكاب الجرائم، وشن (حرب شاملة) ضد آفة المخدرات من خلال مؤسسات الدولة والقضاء والأهل والمرجعيات الدينية، إضافة إلى التشدّد بتطبيق العقوبات وتسريع المحاكمات». وكان في عام 2008، تقدم 10 نواب باقتراح قانون لإلغاء عقوبة الإعدام وتغييرها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، لكن عدم التوافق السياسي حال دون إقراره.
من جهته، يقول عبد السلام سيد أحمد، الممثل الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لـ«الشرق الأوسط» كمنظمة معنية بحقوق الإنسان: «لا شك أننا نشجع الدول على إلغاء عقوبة الإعدام وفق المواثيق الدولية والإعلان الصادر عن الأمم المتحدة المطالب بتجميد وإلغاء هذه العقوبة، التي لا نرى أنها تردع الجرائم والدليل على ذلك أن الدول التي لا تزال تطبق هذه العقوبة لم تشهد انخفاضاً في الجريمة». ويؤكد أنه يمكن محاكمة المجرم عبر أحكام أخرى قد تصل إلى المؤبد من دون اللجوء إلى ارتكاب جريمة مماثلة كالتي ارتكبها المجرم. ولفت سيد أحمد إلى أن «المفوضية» على تواصل دائم مع السلطات اللبنانية في المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان، وهي تشجع المعنيين على الاستمرار في تجميد عقوبة الإعدام تمهيداً لإلغائها.
وفي سياق المطالبات والتحركات الشعبية الرافضة للسلاح المتفلت، أطلق ناشطون لبنانيون حملة تحت عنوان «انتفاضة لأوادم ضد الزعران»، ودعوا إلى تجمع في وسط بيروت ظهر اليوم (السبت). وجاء في بيان لهم «حمل السلاح المرخص وغير المرخص يودي بحياة شاباتنا وشبابنا على الطرقات. وكل ذلك يحصل في ظل حمايات سياسية وطائفية وقبائلية تغطي الارتكابات». وطالبوا بـ«إعلان حالة طوارئ هدفها وضع حد لهذا التفلت. اليوم كان دور روي حاموش وغداً قد يكون دور أبنائنا». وأكدوا: «لن نرتاح ولن ندعو أحداً يرتاح حتى ينام آباؤنا وأمهاتنا مرتاحين مطمئنين إلى سلامة أبنائهم. لن نستكين قبل أن تصبح شوارعنا وأحياؤنا نظيفة من آفة المخدرات والسلاح».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.