مخاوف من عودة هجمات «داعش» إلى العاصمة الجزائرية

مقتل جنديين في ثاني هجوم يستهدف قوات الجيش في رمضان

مخاوف من عودة هجمات «داعش» إلى العاصمة الجزائرية
TT

مخاوف من عودة هجمات «داعش» إلى العاصمة الجزائرية

مخاوف من عودة هجمات «داعش» إلى العاصمة الجزائرية

عرفت منطقة المتيجة، جنوب العاصمة الجزائرية، عودة لافتة لأنشطة المتطرفين المسلحين بعد سنوات من الهدوء والسكينة، تغلب بفضلها خلالها السكان المحليون على رعب فرضته عليهم «الجماعة الإسلامية المسلحة»، التي قتلت الآلاف منهم. فيما تتوجس السلطات الأمنية من محاولات «داعش» الاستقرار بالمناطق التي كانت تسيطر عليها «الجماعة المسلحة» في تسعينات القرن الماضي، والتي تقع بالضاحية الجنوبية للعاصمة.
وأعاد هجوم إرهابي استهدف ليل الخميس الماضي دورية للدرك بمنطقة وادي جمعة (35 كلم جنوب)، إلى أذهان سكان المتيجة صور المجازر الجماعية والاغتيالات التي وقعت في أحياء الرملي ومراكشي وأولاد سلامة، وحتى وسط مدينة بوقرة معقل عبد القادر الشبوطي، «مؤسس» العمل الإرهابي في الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي.
وأمس قتل جنديان وأصيب أربعة آخرون بجروح في انفجار لغم في دورية للجيش الجزائري في الساعات الأولى من الصباح بمنطقة فركان ببلدة بئر العاتر بولاية تبسة (700 كيلومتر شرق العاصمة)، وعلى الفور أطلق الجيش عملية واسعة لملاحقة العناصر الإرهابية المسؤولة عن هذه العملية، التي تعد هذه الثانية من نوعها والتي تستهدف قوات الجيش الجزائري منذ بداية شهر رمضان الحالي.
وقال علي بوقطاية، رئيس بلدية أولاد سلامة سابقا، لـ«الشرق الأوسط»، إن العملية الإرهابية التي أسفرت عن جرح أربعة دركيين جاءت بعد سنوات طويلة من الهدوء، موضحا أن قطاعا من سكان وادي جمعة وأولاد سلامة «متخوفون من عودة محتملة للإرهاب بعد الذي حدث قبل أيام، غير أنني أعتقد بأننا دحرنا الإرهاب بمنطقتنا، ولا يمكن أن يعود لعدة أسباب، أهمها أن الجيش ومختلف مصالح الأمن منتشرون بكثافة، وتمكن السلطات من القضاء على أشهر الإرهابيين، كما أن عددا كبيرا من عناصر التنظيمات الإرهابية سلموا أنفسهم»، مشيرا إلى أن الاعتداء الأخير كان من تنفيذ متطرفين جاءوا من ولاية عين الدفلى المجاورة، وأن العملية «تعكس إرادة في البحث عن صدى إعلامي وليست دليلا على استعادة قوة».
وكانت «أولاد سلامة» مركز قيادة «الجماعة الإسلامية» في عهد زعيمها جمال زيتوني (1995)، الذي كان يأخذ من أهاليها «ضريبة الجهاد» لشراء الأسلحة. وتتوفر المنطقة على جبال وغابات كثيفة، ما جعل منها قاعدة خلفية للإرهاب ومنطلقا لإعداد أعمال إرهابية لتنفيذها بالعاصمة خاصة وفي المدن القريبة. ومنذ مطلع عام 2000 نقل الإرهابيون نشاطهم إلى ولاية بومرداس المجاورة، حيث معاقل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي خرجت من عباءة «الجماعة الإسلامية»، وتحولت في 2007 إلى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».
وتعد المتيجة، وهي أشهر المناطق الزراعية، بوابة العاصمة، حيث توجد أهم مؤسسات الدولة مثل رئاسة الجمهورية وقصر الحكومة والبرلمان، ومقار الأجهزة الأمنية والأحزاب والبنوك، وكل المرافق العمومية. وكانت هذه الهيئات هدفا لتفجيرات مدمرة منتصف تسعينات القرن الماضي، تم تحضيرها بأولاد سلامة وبوقرة والأربعاء ومفتاح، ويطلق على هذه الأماكن «مثلث الموت». ومن أخطر العمليات كانت عملية تفجير مبنى الأمن المركزي بقلب العاصمة في 1995 (40 قتيلا)، ولاحقا تفجير «دار الصحافة» عام 1996 الذي خلف 5 قتلى كلهم صحافيون.
وأفاد مصدر أمني بأن الاعتداء الأخير على الدرك «فتح أعين أجهزة الأمن على احتمال استيقاظ خلايا إرهابية من نومها الطويل»، في إشارة إلى تجنيد متعاطفين مع المتطرفين لتنفيذ أعمال إرهابية، خصوصا أنه يعيش بهذه المنطقة عدد كبير من أفراد عائلات وأقارب متشددين، قتلهم الجيش والبعض منهم يوجد بالسجن بتهمة الإرهاب.
وأوضح المصدر أن تنظيم داعش يبحث له عن سند بأحياء المتيجة، وهو ما يقلق السلطات العسكرية.
وتقول السلطات إنها قضت على «ما بقي من إرهاب»، لكن أحداثا أمنية وقعت في الأشهر الأخيرة أظهرت أن تفاؤل السلطات بالانتصار على المتطرفين مبالغ فيه. فقد تبنى «داعش» عمليات مسلحة كثيرة في شرق البلاد ووسطها، لم تخلف خسائر بشرية ولكنها كانت مؤشرا على وجود مخطط لتنشيط العمل الإرهابي بالجزائر. ونقلت «مجلة الجيش» عن رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، أن الخطر يأتي أساسا من ليبيا الحدودية، حيث يحاول «داعش» نقل أنشطته إلى الجزائر. وقد تم منذ سقوط نظام القذافي عام 2011. تسريب شحنات كبيرة من السلاح عبر الحدود، صادر الجيش كميات منها. وحسب خبراء في الأمن، فإن كميات أخرى انتشرت في البلاد مما يهدد أمن البلاد القومي.


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».