بعد عقود على احتكار نظام الأسد للتعليم الديني الرسمي، الذي يعزز سلطة الحاكم، أعلنت وزارة التربية في حكومة النظام نيتها تعديل مناهج التعليم الديني في محاولة للالتفاف على مطالب طرحها نواب في مجلس الشعب العام الماضي بإلغاء مادة التربية الدينية من المناهج المدرسية والاستبدال بها مادة تعليم الأخلاق، باعتبار مادة التربية الدينية «تكرس الطائفية» وتتناقض مع «علمانية» الدولة التي يدعيها نظام البعث الحاكم، علماً بأن مناهج الديانة الإسلامية في مدارس النظام كانت تضمن أقوال الرئيس حافظ الأسد إلى جانب الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة.
وقال وزير التربية هزوان الوز بحسب ما نقلته أمس (الأحد) جريدة «الوطن» المحلية المقربة من النظام، إنه سيتم طرح مناهج تربية دينية جديدة بداية العام المقبل، و«البداية ستكون من المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ومن بعدها الثانوية، وذلك على مدار 4 سنوات»، معلنًا أنه يجري «تطوير لمادة التربية الدينية وليس إلغاءها»، باعتبار أن «التطرف لا ينشأ من الدين بل الجهل به»، بحسب تعبير الوزير هزوان الوز.
إعلان وزير التربية تزامن مع تصريحات لمستشارة الأسد الإعلامية بثينة شعبان، عبرت فيها عن قلق النظام مما سمته «المناهج الظلامية» التي يتم تدريسها للطلاب في مناطق المعارضة. وقالت على هامش مؤتمر «الحرب في سوريا» الذي عقد بدمشق أخيراً: «إن التعليم حالياً هو الشغل الشاغل، خصوصاً أن لدينا جيلاً في المناطق الساخنة بحاجة إلى تحصين». وأضافت موضحة: «إن ما يتم تدريسه في المناطق الساخنة هي مناهج ظلامية وهذه مشكلة يجب أن نواجهها»، داعية إلى «الاهتمام في مرحلة ما قبل الابتدائي لخطورة هذه المرحلة».
إلا أن رئيس الجمعية السورية البريطانية فواز الأخرس والد زوجة الأسد الذي كان مشاركاً في المؤتمر إلى جانب بثينة شعبان وعدد كبير من أعضاء حكومة النظام في دمشق، سأل عن إمكانية رفع وزارة التعليم العالي نسبة المعدل الجامعي لقبول الطلاب في اختصاص الشريعة كبقية الاختصاصات ذات المعدل الأعلى. وطالب باهتمام أكبر بدور الحضانة لأنها «تمثل عاملاً أساسيًا في تربية الطفل في ظل تدهور التربية الأسرية الحاصلة نتيجة الظروف الراهنة»، حسب قوله.
يشار إلى أنه خلال حكم الأسد الأب ولعدة عقود تم تشجيع التعليم الديني الإسلامي بصيغته الرسمية المتوافقة مع سياسة طاعة الحاكم وعدم الخروج عنه، وفي عهد الأسد الأب بلغ عدد مدارس الأسد لتحفيظ القرآن نحو 120 مدرسة ونحو 600 معهد لتحفيظ القرآن، في سوريا، كما سمح الأسد الابن لجماعة دينية نسائية معروفة باسم «القبيسيات» نسبة لمؤسستها منيرة القبيسي بالنشاط في سوريا وأن تصبح أقوى تنظيم نسائي اجتماعي ينشط في أوساط الطبقات الثرية ومحدثة النعمة. وبعد اندلاع الثورة ضد نظام الأسد عام 2011 تم افتتاح قناة دينية (نور الشام) التي تعرف نفسها بأنها «قناة ثقافية اجتماعية بثوب إسلامي»، ناطقة باسم «الوسطية التي تمتاز بها بلاد الشام»، وتعكس «الخطاب الديني الذي يمثله علماء سوريا لمواجهة الفكر المنحرف والتيارات الدينية المتعصبة والمتشددة».
إلا أن محاولات النظام لاحتكار تعليم الدين والتحكم بمفاصله خرجت عن سيطرته، بعد اندلاع الثورة ضده، ولجوء المتظاهرين إلى الخروج من الجوامع التي تكاد تكون الأماكن الوحيدة المتاحة للتجمعات الشعبية الحاشدة، مما وضع النظام في مواجهة خطيرة مع نتائج ما أسس له عبر عقود، وتحول الغالبية العظمى من المتدينين الإسلاميين إلى بيئة معادية للنظام الذي أجاد استخدام الدين وسيلة لتعزيز بقائه، تمثلت في اعتماده على ميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية مدعومة من إيران وذات طابع ديني في حربه التي أعلنها على مناهضيه، في الوقت الذي كان عليه توطيد تحالفه مع روسيا التي قامت بدورها بطرح مسودة للدستور السوري العام الماضي تسقط منه لفظ الجلالة من قسم الرئيس، وتلغي المادة التي تشير إلى دين الرئيس.
النظام السوري يعلن تعديل مادة التربية الدينية
النظام السوري يعلن تعديل مادة التربية الدينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة