للمرة الأولى بعد أشهر من التوتر والخلافات والتصريحات النارية المتبادلة التي صاحبت فترة الاستفتاء على تعديل الدستور في تركيا الذي أجري في أبريل (نيسان) الماضي، عقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سلسلة من اللقاءات مع عدد من قادة دول أوروبا وكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي على هامش اجتماع قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل أمس.
وبحسب ما أكدته مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»، تمحورت اللقاءات التي عقدها إردوغان مع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ورئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، حول الوضع الراهن للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. كما ناقش الخطوات التي يمكن اتخاذها مستقبلا في هذا الشأن، والقضايا الحقوقية واتفاق اللاجئين الموقع مع الاتحاد الأوروبي ومكافحة الإرهاب.
واحتلت المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي وصفه إردوغان خلال فترة التعديلات الدستورية بـ«العدو»، جزءا كبيرا في أجندة لقاءات إردوغان مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي، التي حضرها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير شؤون المفاوضات كبير المفاوضين الأتراك عمر تشيليك. ووصف المباحثات مع توسك ويونكر بأنها كانت «جيدة وبناءة»، وجرت في جو إيجابي.
وقال المتحدث باسم يونكر، إن المفوض الأوروبي أكد خلال المباحثات أن «الاتحاد الأوروبي وتركيا يجب أن يعملا معا». وأضاف أن القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك نوقشت بالتفصيل في جو جيد وبناء. كما سلط توسك الضوء على ضرورة التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي مع التأكيد على الخلافات حول ملف حقوق الإنسان.
وكان برلمان المجلس الأوروبي أعاد تركيا إلى وضع المراقبة والرصد السياسي في أبريل (نيسان) الماضي، بسبب وضع حقوق الإنسان والتعبير واستمرار حالة الطوارئ والتوسع في الاعتقالات والفصل والوقف عن العمل في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة والتضييق على المعارضة في تركيا. وقد ناقش إردوغان هذا الملف مع رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني. وقال تاسك عقب لقائه إردوغان في تغريدة على «تويتر»: «ناقشنا ضرورة التعاون»، مضيفا أنه «وضع مسألة حقوق الإنسان» في قلب المناقشات.
ولم تصدر تعليقات عن الرئيس رجب طيب إردوغان، إلا أن مصادر برئاسة الجمهورية التركية أكدت أن إردوغان وتوسك ويونكر أكدوا ضرورة الاستمرار في تنفيذ اتفاق اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016.
وبموجب الاتفاق، وافقت أنقرة على استعادة جميع السوريين الذين عبروا إلى الجزر اليونانية بشكل غير قانوني من تركيا، ووعد الاتحاد الأوروبي بأن يأخذ في المقابل العدد نفسه من اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا. بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية لتركيا قيمتها 3 مليارات يورو وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتحاد الأوروبي بعد تحقيق بعض الشروط، وهو البند الذي اعتبرت تركيا أن الاتحاد الأوروبي أخل به.
وقبيل توجهه إلى بروكسل أول من أمس قال إردوغان إن الاتحاد الأوروبي ينتظر أن تقرر تركيا بنفسها الانسحاب من مفاوضاتها معه، مضيفا: «لكن عليكم أنتم اتخاذ القرار. إذا اتخذتم هذا القرار فلن نعقد عليكم مهمتكم».
وتابع: «لا يحق للاتحاد الأوروبي أن يعامل تركيا كمتسول عند أبوابه»، كما أكد أن تركيا لا تسعى للدخول في شقاق مع الاتحاد الأوروبي، ولكن على الاتحاد أن يفي بمسؤولياته.
وفي لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر إردوغان له عن تهانيه بفوزه برئاسة فرنسا وتعهد بأن يبحث سريعا قضية المصور الصحافي الفرنسي المعتقل في تركيا ماتياس ديباردون. وبحسب منظمة «مراسلون بلا حدود» فإن ديباردون، الذي احتجز في تركيا منذ أكثر من أسبوعين، بدأ إضرابا عن الطعام.
وكان ديباردون الذي يعمل لقناة «ناشيونال جيوغرافيك» أوقف أثناء تصويره فيلما وثائقيا حول قرية حسن كيف، وهي منطقة تاريخية ستغمرها المياه قريبا بسبب مشروع سد إليسو الذي تقيمه الحكومة في إطار مشروع لتنمية جنوب شرقي تركيا. وأمرت السلطات بترحيله لكنه ما زال محتجزا في غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا.
وقالت مصادر الرئاسة التركية إن إردوغان وماكرون اتفقا على العمل لرفع حجم التجارة السنوية بين البلدين إلى 20 مليار يورو (22 مليار دولار)، وتحسين علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي التي توترت في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو (تموز) 2016، وازدادت سوءا خلال حملة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حيث أعلن إردوغان أنه سيصادق على إعادة فرض عقوبة الإعدام إذا وافق عليها البرلمان، على الرغم من أن هذه الخطوة ستوقف تلقائيا محاولة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي لقاء حظي بالكثير من الترقب والاهتمام، بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل العلاقات المتوترة بين البلدين والملفات محل الخلاف.
وجاء اللقاء بين إردوغان وميركل عقب فترة من التوتر الحاد في العلاقات بين البلدين وصل إلى تبادل الاتهامات والتراشق الحاد، ووصف إردوغان لألمانيا بممارسة النازية ودعم الإرهاب بسبب منع سلطاتها وزراء ومسؤولين أتراكا من تنظيم لقاءات مع الجالية التركية للدعاية للتعديلات الدستورية، ثم إقدام ألمانيا على منح حق اللجوء لنحو 40 من العسكريين الأتراك من العاملين السابقين في الناتو في بروكسل وأسرهم فروا إلى ألمانيا، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة بعد اتهامهم بالتورط فيها.
أنقرة تفتح صفحة جديدة «مرنة» مع الاتحاد الأوروبي
يونكر أكد ضرورة احترام حقوق الإنسان في محادثاته مع إردوغان
أنقرة تفتح صفحة جديدة «مرنة» مع الاتحاد الأوروبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة