خفضت وكالة «موديز» الأربعاء التصنيف الائتماني للصين لأول مرة منذ نحو 30 عاما، مبدية مخاوف حيال مخاطر زيادة ديون ثاني قوة اقتصادية في العالم وتباطؤ نموها الاقتصادي، متوقعة تآكل القوة المالية للاقتصاد الصيني في الأعوام المقبلة مع تباطؤ النمو واستمرار زيادة الدين. وهي خطوة اعترضت عليها بكين منتقدة تقرير الوكالة الائتمانية، فيما أشار خبراء اقتصاد إلى أن التقرير «صادم»، لكنهم قللوا من أثره.
وقالت الوكالة، في بيان، إنها خفضت تصنيف الدين الصيني من «إيه إيه 3» إلى «إيه 1» مع توقعات مستقرة لهذا البلد، معتبرة أن «المتانة المالية للصين ستقوض قليلا خلال السنوات المقبلة، مع استمرار ارتفاع الحجم الإجمالي للديون، مقابل تباطؤ إمكانات النمو».
ورفضت وزارة المالية الصينية تصنيف «موديز»، متهمة الوكالة بالمبالغة في تقديرها للمصاعب التي يواجهه هذا البلد، وأنه «من غير المناسب خفض التصنيف استنادا إلى منهج تصنيف دوري (مساير للاتجاهات)»، قائلة إنها قوضت من قدرة الحكومة الصينية على تطبيق الإصلاحات وتعزيز الطلب. وأضافت في بيان أن «رؤية (موديز) بأن الدين غير المالي للصين سيزيد بشكل سريع، وأن الحكومة ستواصل الحفاظ على النمو عبر إجراءات التحفيز، تبالغ في الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، وتقلل من قدرة الحكومة الصينية على تعميق الإصلاح الهيكلي... وتوسيع نطاق الطلب الكلي بشكل ملائم». وتباطأ ارتفاع إجمالي الناتج الداخلي الصيني العام الماضي إلى 6.7 في المائة، وهو أسوأ مستوياته منذ ربع قرن. وكان اقتصاد الصين قد نما بنسبة 6.7 في المائة خلال الربع الأول من عام 2017. ولكن المحللين يتوقعون تباطؤ نسبة النمو بقية العام. كما يذكر أن إجمالي ديون الحكومة المركزية والحكومات المحلية الصينية وصل بنهاية العام الماضي إلى 27.33 تريليون يوان (نحو 3.96 تريليون دولار)، بما يعادل 36.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وفقا للبيانات الرسمية الصينية. ووفقا للتقديرات، فإن ديون الحكومة والشركات والأسر الصينية ستصل معا بنهاية العام الحالي إلى 260 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 160 في المائة في عام 2008.
ومع شيخوخة السكان وتباطؤ الاستثمارات والإنتاجية، قالت «موديز» إنها تتوقع تراجع النمو إلى ما يقارب 5 في المائة سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو رقم أدنى بكثير من التوقعات الرسمية الصينية التي تراهن على متوسط يزيد على 6.5 في المائة خلال الخطة الخمسية الثالثة عشرة لفترة ما بين 2016 و2020.
وبعد عقود شهدت نسبة نمو تزيد على 10 في المائة، يسعى النظام الصيني لدعم الاقتصاد من خلال استثمارات مكثفة في البنى التحتية وإبقاء معدلات الفائدة بمستويات متدنية جدا، لكن هذه السياسة تسببت بفورة مالية لا سيما في القطاع العقاري، ما يثير مخاوف صندوق النقد الدولي. وأخذ الصندوق الشهر الماضي على بكين إعطاء الأفضلية للنمو القريب المدى، على حساب تصحيح نظامها المالي.
ولفتت وكالة «موديز» في بيانها أمس إلى أن الإصلاحات التي يعتزم النظام تنفيذها للتصدي للمخاطر المالية قد «تبطئ ارتفاع الديون من غير أن تمنعه». وتبدي «موديز» مخاوف خصوصا بشأن ديون الشركات الرسمية التي غالبا ما تواجه عجزا ماليا، والتي تمتص قسما كبيرا من القروض المصرفية، على حساب القطاع الخاص.
وتزامن تقرير «موديز» مع إعلان الصين مساء أول من أمس (الثلاثاء) قرارا بتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي، بما فيها زيادة انفتاح قطاعات الخدمات والتصنيع والتعدين وغيرها. وذلك بعد وصول حجم استخدام رؤوس الأموال الأجنبية في الصين خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام إلى 286.4 مليار يوان (نحو 41.6 مليار دولار)، بانخفاض نسبته 0.1 في المائة على أساس سنوي، في حين تأسست 9 آلاف و276 شركة جديدة باستثمارات أجنبية في الصين خلال هذه الفترة، بزيادة نسبة 17.2 في المائة على أساس سنوي، وفقا لإحصاء وزارة التجارة الصينية.
وذكر بيان صدر عقب اجتماع لمجموعة القيادة المركزية لتعميق الإصلاح الشامل برئاسة الرئيس الصيني شي جينبينغ، أنه «يتعين على البلاد المضي قدما في فتح المجالات ذات الأولوية، من خلال توسيع القائمة السلبية التي تحدد القطاعات الاستثمارية غير المتاحة للمستثمرين الأجانب، وتسمح للشركات الأجنبية غير المدرجة في القائمة باتباع نفس القواعد الاستثمارية الجديدة مع الشركات المحلية».
وقال البيان، إن مراجعة التوجيه هذا العام «تعد تدبيرا مهما لدفع الجولة الجديدة من الانفتاح على مستوى عال». وأشار إلى أن هدفها هو الحفاظ على استمرارية سياسة البلاد حول تشجيع الاستثمار الأجنبي.
وإن كانت بكين تبدي عزمها على إصلاح القطاع العام، إلا أن «موديز» تقول في تقريرها: «نعتقد أن هذه الجهود الإصلاحية لن يكون لها تأثير كاف، ولن تتم بسرعة كافية، لتفادي تقويض المكانة المالية الصينية»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ولم يسبق لـ«موديز» أن خفضت تصنيف الدين الصيني منذ عام 1989، فيما واصل هذا الدين الارتفاع منذ ذلك الحين بموازاة بروز البلد كقوة اقتصادية. وانعكس الخبر على الأسواق المالية وعلى اليوان، لكن بورصتي شنغهاي وشينزن عوضتا في منتصف النهار عن خسائرهما، وكذلك العملة الوطنية الصينية. كما تراجعت أسعار خام الحديد والسلع الصناعية بعد تقرير «موديز» أمس، حيث تراجعت العقود الآجلة لخام الحديد في بورصة «داليان» للسلع بنسبة 4.7 في المائة عند 456.50 يوان للطن المتري، وانخفض النيكل بنسبة 2.1 في المائة، ليصل إلى 9 آلاف و150 دولارا للطن في بورصة لندن للمعادن. وكانت السلع قد استفادت العام الماضي من تسهيل الائتمان وارتفاع نشاط أعمال البنية التحتية في الصين، حيث سجلت أسعار حديد التسليح أعلى ارتفاع منذ خمس سنوات هذا الأسبوع، في حين ارتفع مؤشر لندن للمعادن الرئيسية الستة إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع، حتى مع ظهور علامات على تشديد شروط الإقراض. وقال كريستوفر بالدينغ، الأستاذ في كلية التجارة «إتش إس بي سي» في شينزن: «على الصعيد النفسي، إنها ضربة ستضر بالصين، وهي تعكس تصاعد الضغط المالي». لكنه أضاف متحدثا لوكالة «بلومبيرغ»، أنه «في الوقت نفسه، ليس لذلك أهمية كبيرة، لأن القسم الأكبر من الدين الصيني يعود لهيئات رسمية أو شبه رسمية، في حين أن قسما ضئيلا جدا منه مملوك من جهات أجنبية».
وكان مجموع الدين الصيني يمثل 256 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في نهاية العام الماضي. لكن الدين الخارجي لا يزيد على 12 في المائة من المجموع. وتتوقع وكالة «موديز» أن يصل الدين العام وحده إلى 45 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي بحلول نهاية العقد.
وقال لياو كون، الخبير الاقتصادي في مصرف «سيتيك بنك إنترناشونال» في هونغ كونغ، إن «هذا التخفيض سينعكس سلبا بالتأكيد على الصين. ستجد الصين صعوبة أكبر في تمويل دينها. وستواجه الشركات الصينية مزيدا من الصعوبة لجمع أموال في الأسواق الدولية». مضيفا لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا يأتي بمثابة صدمة في وقت يبدي فيه الجميع تفاؤلا حيال اقتصاد الصين». ولفت الخبير إلى تراجع المخاطر التي كانت تحدق بالاقتصاد الصيني في نهاية العام الماضي، خصوصا مخاطر نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب. وقال إن «هذا التخفيض لا معنى له إطلاقا»، على ضوء تحسن أداء الاقتصاد الصيني منذ مطلع العام.
جدل وصدمة بعد تخفيض «موديز» تصنيف الصين الائتماني
الوكالة أبدت مخاوف من مخاطر الديون... وبكين تتهمها بالمبالغة
جدل وصدمة بعد تخفيض «موديز» تصنيف الصين الائتماني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة