«تقدّم»... برنامج من المجلس الثقافي البريطاني في 7 دول

طلاب يبحثون عن «الثقة بالنفس»

جوانب من  الدورة
جوانب من الدورة
TT

«تقدّم»... برنامج من المجلس الثقافي البريطاني في 7 دول

جوانب من  الدورة
جوانب من الدورة

في منتجع «ميرامار» الجميل، قريباً من مدينة طرابلس شمال لبنان، وفي صالة زجاجية فسيحة تطل واجهاتها المكشوفة على شاطئ البحر، كان اللقاء بن المدرّبة الإنجليزية أنّا القادمة من بريطانيا وتلامذة لبنانيين من مدرستين رسميتين هما «مواهب أسطة» و«ثانوية بخعون». عشرات التلاميذ يجلسون في خمس مجموعات، وبين وقت وآخر تتعالى أصوات مرحة وهم يشاركون في ألعاب تديرها أنّا باللغة الإنجليزية. بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة يتراوح أعمار هؤلاء المراهقين الذين شدتهم المشاركة في هذه الدورة التدريبية التي ينظمها «المجلس الثقافي البريطاني» بالتعاون مع «وزارة التربية والتعليم» اللبنانية لمنح تلامذة في عمر الورود، الحوافز لأخذ المبادرات واكتساب الثقة بالنفس.
«هؤلاء أولاد يرتادون المدرسة ويكتسبون المعارف الضرورية في الرياضيات والفيزياء والأدب وغيرها من المواد. لكن العمل يبقى أقل على الشخصية وتنمية المهارات الكامنة، وهذا ما نحاوله في برنامجنا» تقول بترا كيوان من «المجلس الثقافي البريطاني» الموجودة مع الطلاب.
وتشرح أن هذا التدريب الذي استمر سبعة أسابيع، طال مدارس من الشمال وبيروت والجنوب، ويتم العمل عليه في سبع دول مختلفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والفكرة طورتها وتقوم بها مؤسسة «غودال» الإنجليزية الخيرية، التي ترسل مندوبيها إلى هذه الدول للالتقاء بالطلاب والعمل معهم.
يتم تدريب الطلاب على استخدام جميع حواسهم، ويطلب منهم المشاركة في ألعاب بسيطة للغاية، باستعمال معدات يستخدمونها يومياً. أوراق، أقلام، لوح، حبال مطاطية وأشياء أخرى.
تطلب أنّا من كل مجموعة، بعد أن توزع عليهم حبلا مطاطياً ربط ليتحول إلى دائرة مغلقة أن يدخلوه من رؤوسهم ويسجنوا أنفسهم داخله ويجدون الوسيلة الأسرع لإخراجه من أرجلهم. تبدو المهمة في البداية بسيطة. لكن التلامذة سرعان ما يعلقون ولا يعرفون كيف يتكاتفون للتخلص من الحبل المطاطي بالسرعة المطلوبة. تطلب أنّا من الأولاد الجلوس من جديد والتفكير في طريقة تجعل كل مجموعة تجد الطريقة التي تجعلها أسرع من المجموعات الأخرى. في المرة الثانية لا يبدو أن المشاركين يأخذون المهمة على محمل الجد. كان لا بد من انتظار المرة الرابعة والخامسة، لتعثر كل مجموعة على أسلوب للتسريع في إنجاز المهمة.
بعد اللعبة تشرح المدربة بأن أي عمل جماعي يحتاج إلى تخطيط ورؤية، حتى أسهل الأعمال لا يمكن تنفيذها مع الآخرين دون تصور وتخطيط مسبقين لما يجب أن نفعله.
على غرار هذه اللعبة، تحاول أنّا أن تجد تجسيداً ملموساً لتعليم الطلاب كيف يرتبون أولوياتهم، أو الوسيلة للتغلب على صعوبة كبيرة، أو حتى الخروج من التفكير السلبي إلى الإيجابي. أن تقرن الفكرة المجردة بعمل محسوس ومرئي دائماً، هو ما تهدف إليه هذه الدورة. «الثقة بالنفس»، «الشجاعة»، «المشاعر الإيجابية»، «الموضوعية»، «الحيوية»، هي الصفات التي تريد أن تزود بها المشاركين، وهم قالوا في غالبتهم في الأسبوع الأخير إن «الثقة بالنفس» هي ما كان ينقصهم، ووجدوه ينمو في داخلهم.
يقول أيمن توتنجي وهو في السنة الثانوية الثانية: «اكتسبت معلومات جديدة. وكوننا نشارك مع بعضنا من مدارس مختلفة تعارفنا على أصدقاء جدد، ووجدنا أنفسنا نعيش أجواء حيوية مختلفة عن التي ارتبطت بالمدرسة وصفوفها التقليدية». يرى أيمن أن غالبية ما تعلمه ليس جديداً لكن ما فعلته أنّا هو أنها جعلت هذه المعلومات أكثر رسوخاً وهم قادرون على الاستفادة منها، بدل أن تبقى مجرد أفكار نظرية غير موظفة في الحياة.
أما الطالب أدهم الشيخ فهو يرى أن أفضل ما يمكن تحقيقه في مثل هذه الدورات «هو التفاعل والمشاركة. شعرنا نفسياً أننا راغبون في التعبير عن أنفسنا، بعد أن كسرنا الروتين. وصار لدينا إحساس بأننا قادرون على تنظيم حياتنا بشكل أفضل من ذي قبل». هناك رغبة من المشاركين في تدريبات أطول، لأن الساعات القليلة التي خصصت لهم، كانت بالكاد كافية لتعليمهم الأصول الأولى دون أن يتمكنوا من الوصول إلى الإشباع الكافي. معلمة اللغة الإنجليزية مها في مدرسة «مواهب أسطا» الثانوية تقول إنها هي أيضاً استفادت وتغيرت تدريجياً طريقة تعاطيها مع طلابها: «صرت آتيهم بفيديوهات تدعم المعلومات التي تعلموها. أصبحت ألتفتُ أكثر إلى بناء شخصياتهم، بدل التركيز فقط على الدروس وتلقين المعلومات».
عبر موقع إلكتروني، لكل المشتركين في الدورة، على مدار الأشهر السابقة كان الطلاب يتبادلون الأفكار، وتقدم كل مدرسة اقتراحات لمشاريع يعتقد الطلاب أن بمقدورهم تنفيذها في محيطهم لإفادة الأهالي. هناك من فكر في مشروع لتشغيل النساء بالاستفادة من بقايا الزيتون بعد عصره، في صناعة الصابون وأشياء أخرى. هناك أيضاً من اقترح مشروعاً لتنظيف شاطئ، أو تنظيف نهر محدد بالقرب من مكان سكنه، وغيرهم أراد تشكيل مجموعة تحضر الطعام وتقدمه للفقراء. كل كان عليه أن يدافع عن مشروعه، وتتبنى لجنة في النهاية الأفضل للمساعدة على التنفيذ.
من ألعاب صغيرة، يمكن لمجموعة من الشبان أن تقوم بها وحدها بهدف التسلية وصولاً إلى تحويل الطاقة الإيجابية حين تتضافر الجهود إلى مشروع جماعي هادف، هو ما يحاول أن يقوم به هؤلاء المدربون الإنجليز في بلاد العرب التي يزورونها هذه الأيام. لكن لا يفوتك أن كل هذا يجري باللغة الإنجليزية، وأن التلاميذ الآتين من مدارس رسمية، يفترض أنهم غير متمرسين في اللغة الأجنبية، باتوا بفضل هذه التمارين الشيقة مرغمين على أن يستخدموا كل ما لديهم من مفردات ومعرفة في القواعد للتعبير عن أنفسهم. من قال إن «المجلس الثقافي البريطاني» يمكن أن يضرب عصفوراً واحداَ بحجر يكون مخطئاً، فلكل برنامج مجموعة من الأهداف يجب أن تتحقق جميعها، وهذا ما يتم إنجازه.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.