الشيف تيري باماس: «صانعو الحلويات مهندسون من نوع آخر»

تأثر بطعم حلويات جدته المغربية فحصد لقب التميز في فرنسا

حلوى لذيذة وجميلة - حلويات تشبه الأعمال الهندسية - الشيف تيري باماس مع حلوياته المميزة
حلوى لذيذة وجميلة - حلويات تشبه الأعمال الهندسية - الشيف تيري باماس مع حلوياته المميزة
TT

الشيف تيري باماس: «صانعو الحلويات مهندسون من نوع آخر»

حلوى لذيذة وجميلة - حلويات تشبه الأعمال الهندسية - الشيف تيري باماس مع حلوياته المميزة
حلوى لذيذة وجميلة - حلويات تشبه الأعمال الهندسية - الشيف تيري باماس مع حلوياته المميزة

التحدث مع شيف الحلويات الفرنسي تيري باماس هو بمثابة رحلة سفر تتنقل فيها ما بين المغرب وفرنسا. فباماس، الحائز على لقب التميز من قبل الدولة الفرنسية في عام 2011، المعروف عالمياً بـ«أفضل عامل فرنسي» (meilleur ouvrier de France)، مضى على مشواره في هذا المجال نحو 30 عاماً. إلا أنه، وكما ذكر لنا، ما زال يشعر بأنه هاو مبتدئ حريص على تقديم الأفضل، من خلال وصفات حلويات قديمة قام بتجديدها مرتكزاً على نكهات حلويات مغربية كانت تصنعها له جدته، عندما كان في العاشرة من عمره.
«هي حلويات بسيطة وشهية في الوقت نفسه، وكانت جدتي تصنعها على طريقتها بتقنيتها الغريزية. لم أكن أراقبها يوماً أثناء تحضيرها لتلك الحلويات، التي عادة ما كانت تتألف من البسكويت مع العسل، أو الكيك بالليمون واللوز. ولكن طعمها حفر في ذاكرتي حتى اليوم، وكان حافزاً غير مباشر لأقوم بتحديث حلويات فرنسية معروفة عبر التاريخ». يقول الشيف تيري باماس، الذي التقيناه في ملتقى «هوريكا» استضافته بيروت أخيراً، إنه على الرغم من كونه فرنسي الجنسية، فإنه لم يستطع أن يتخلى يوماً عن أصوله المغربية، ويضيف: «هي قصة حب وطن لا نستطيع أن نمحوها بين ليلة وضحاها، أحمل الكثير من الذكريات لبلد جذوري المغرب. وخلال زيارتي إلى بلدكم لبنان، لمست هذا التقارب الكبير بين البلدين، لا سيما تلك الخاصة بصناعة الحلويات».
عاش الشيف الفرنسي في مدينة مرسيليا الفرنسية، إلا أن أولى انطلاقاته في عالم الحلويات كانت من منطقة بيرينيه، وبالتحديد في مدينة جيرو لي بان، في مطعم يعود لجان بول هارتمن، أحد أشهر الطهاة الفرنسيين، الحائز على «نجمة ميشلان» العالمية. وعن ذلك، يقول: «هناك، كونت خبرتي الحقيقية في عالم صناعة الحلوى، فمهما جاهدنا ودرسنا في مهنتنا، تبقى ممارسة العمل في المطاعم هي الأهم للتزود بخبرة حقيقية نابعة من الأرض مباشرة، وليس من الكتب الكلاسيكية التي يدرسوننا فيها في المعاهد والجامعات».
وأضاف إلى خبرته هذه أخرى أمضاها إلى جانب طاه فرنسي آخر مشهور، باتريس دي مانجيل، مما عزز لديه هذه الموهبة، وساهم في تطورها. «لقد تعلمت الكثير من وقوفي إلى جانب أشخاص كالذين ذكرتهم لك، فالعمل في المطاعم لا يشبه أبداً ذلك الذي نمارسه في محل صغير لبيع الحلوى، فالآفاق تكون أوسع، وقدرتنا على الابتكار تأخذ حيزاً أكبر، مما يدفعنا إلى تقديم الأفضل»، يقول الشيف باماس.
ويضيف: «من الجيد جداً أن نطور في وصفاتنا، ونعطيها طابعاً حديثاً شرط المحافظة على أصولها وهويتها. فنحن نمارس نوعاً من لعبة معينة، ونقوم بعملية تتبيل الخلطات ونسيج الأطباق، ويبقى الطعم هو سيد الموقف دائماً».
تقول إن الطعم هو الأهم، ولكننا نلاحظ اليوم اهتماماً كبيراً بالشكل الخارجي لطبق الحلوى، فما رأيك؟ «لا شك أن مجال صناعة الحلويات تطور بشكل لافت، إلى حد جعلنا نخفف من طعم السكر، ونكثر من المذاق الأسيدي في المقابل. كما أن استخدام الألوان والأشكال الجميلة هما أيضاً من عناصر تطور الحلويات الحديثة. شخصياً، لا يزعجني هذا التطور ما دام يدور في فلك الحلوى الخفيفة غير الدسمة، كما أننا نشعر بتجددها هذا من خلال ارتدائها زياً مغايراً تماماً عن الذي عرفناها فيه في الماضي، والذي تعبنا من مشاهدته لسنوات طويلة. فصار يحمل في طياته كثيراً من النضارة والأناقة معاً، وهما بمثابة مرآة الشيف الذي يحضرها. فهذا الأخير أصبح يتمتع بمستوى تعليمي أهم، وبثقافة عالية، وحتى بخطوط عريضة هذبت أعماله، وزادت من تألقها».
تجربة هذا الشيف، الحائز على بطولة العالم لصناعة الحلويات مع المثلجات خلال مسابقة أقيمت في إيطاليا (ريميني) عام 2010، ورغم النجاح الكبير الذي حقّقه فيها، يرى أن وصفات الحلوى التي ابتكرها هي التي تسبق اسمه، ويوضح: «أنا أقف دائماً وراءها، فهي التي صنعت اسمي. وعندما أجدد في وصفاتي، تكون هي ملهمتي، من خلال مواد ومكونات أصادفها يومياً في عملي».
علم تيري باماس أجيالاً جديدة من طلاب الجامعات الخاصة في هذه المهنة، وحالياً يملك محلاته الخاصة «التي تحمل اسم تيري باماس للحلوى»، في منطقة بيرينيه (مدينة Anglet) الفرنسية، وهي تلقى إقبالاً شديداً من قبل الزبائن الذين يقصدونه خصيصاً لتذوق حلوياته المستحدثة، من «ماكارون» و«تورتة الليمون الحامض» و«إيكلير بالشوكولاته»، المشهور بصنعها.
أما قواعد صناعة الحلوى، حسب رأيه، فترتكز على أمرين مهمين: السماكة والأوزان. «هي قصة خليط متكامل من الكريمة والسكر الخفيف والنسيج المتجانس تطرز الرسائل التي أرغب في إيصالها إلى الزبون في طبق حلوى ما، وأن يتلذذ في تذوقها».
إذن هو عمل يشبه إلى حد ما مهنة الكيميائي؟
«لا، بل أجده قريباً، إلى حد كبير، من الهندسة. فالحلواني يضع هيكلية خاصة بأطباقه، لتكون متماسكة بحيث لا تفقد أيا من عناصرها. هي عمل هندسي من نوع آخر، يتعلق بالمذاق أولاً، الذي من شأنه أن يروي قصصاً صغيرة ورسائل حلوة نتلقاها بواسطة حاسة الذوق، فإما نتأثر بها، وإما العكس».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».