مع مواصلة القوات العراقية تقدمها بحذر في آخر معاقل تنظيم داعش في غرب الموصل، توقعت الأمم المتحدة، أمس، نزوح مائتي ألف شخص آخرين من المدينة، مشيرة إلى أن أعداد النازحين بلغت مستوى غير مسبوق ومنظمات الإغاثة تكافح لتقديم المساعدات المطلوبة.
وقالت منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ليز غراندي في بيان إن «أعداد الفارين من منازلهم في الجانب الغربي لمدينة الموصل كبير جداً... نتحدث عن عدد كبير من العائلات تركوا كل شيء خلفهم، ويهربون في ظروف صعبة جداً، مع نقص كبير في الغذاء، وليس لديهم منفذ لمياه صالحة للشرب ولا للدواء لأسابيع عدة أو لأشهر».
ونزح نحو 700 ألف شخص منذ انطلاق العمليات، بينهم نصف مليون شخص فروا منذ فبراير (شباط) الماضي، حينما شنت القوات العراقية عملية استعادة غرب الموصل. وأنشأت الحكومة والأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الإغاثية مخيمات للنازحين في محيط الموصل لمساعدة المدنيين الذي تعرض بعضهم إلى مجاعة بعد استخدامهم دروعاً بشرية من قبل «داعش».
لكن غراندي قالت إن المنظمات الدولية تعاني من أجل تقديم المساعدة لموجة النزوح الأخيرة. وأوضحت أن «أعداد الناس الذي يفرون أصبحت كبيرة، وبات من الصعب جداً تأمين تقديم مساعدات للمدنيين أو الحماية التي يحتاجونها». وحذرت من وجود مائتي ألف عالق في المدينة القديمة التي اختارها «داعش» معقلاً أخيراً. ودعت المانحين إلى زيادة دعمهم لمساعدة الموصل التي حصلت على تمويل أقل بكثير من المطلوب. وأضافت أن حياة «مئات الآلاف من الأشخاص على المحك».
وواصل المدنيون الفرار مع تقدم القوات، أمس، في البلدة القديمة، خصوصاً في حي الرفاعي. ورصد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أجواء خروج النازحين من الحي، حيث تعالت أصوات مقاتلين يتحدثون إلى مدنيين يرافقون أطفالاً: «انتبهوا، هناك عبوة... تقدموا من هناك»، ويمتثل المدنيون، يجر بعضهم أكياساً بلاستيكية ويدفع أحدهم امرأة على كرسي متحرك. وفيما يسير هؤلاء قرب العربة المدرعة، يبتسم بعضهم ويرفع آخرون أصابعهم بعلامة النصر، ويعبرون عن امتنانهم للجنود، قبل أن يكملوا طريقهم.
وينظر مقاتلو قوة مكافحة الإرهاب إلى الجموع بنظرات تتفاوت بين الرحمة حيناً والريبة حيناً آخر. ويحاول عناصر «داعش» الهرب من الموت أو الاعتقال الذي ينتظرهم بعد دخول القوات إلى مناطقهم، عبر الاختباء بين المدنيين الفارين الذين يتواصل تدفقهم بلا توقف. وتجد السلطات أحياناً صعوبات في التدقيق الأمني بسبب هذا العدد الكبير. ويقول جندي: «تركَت امرأة (أول من أمس) كيساً بلاستيكياً في الشارع. عندما فتشناه، وجدنا فيه ملابس لـ(داعش) ومسدساً وسكيناً... ربما لم تكن امرأة».
وعلى مقربة من المكان، يجهز مقاتلون من مكافحة الإرهاب يرتدون بزات سوداء أنفسهم للمشاركة في عملية اليوم. ويحضرون صناديق ذخيرة ومنصات صورايخ يسندونها إلى الجدران. ولا يعرف المقاتلون عدد عناصر «داعش» الذين سيواجهونهم. وتشكل قذائف الهاون التي تطلق بين الحين والآخر المؤشر الوحيد على نشاط «العدو» الذي يتحصن بين المباني.
وتتقدم إحدى الوحدات وتدخل إلى باحة منزل من خلال ثغرة كبيرة في جدار مبنى. وتمتنع قوات النخبة عادة عن الدخول إلى المنازل لأنها قد تكون مفخخة، وتسعى إلى الاحتماء بها متقدمة من تجمع سكني إلى آخر ومن شارع إلى آخر ومن منزل إلى آخر.
فجأة، تنتهي الثقوب في الجدران، وتخسر القوات الغطاء، فيبدأ عناصرها بالجري عبر الشارع في محاولة لتجنب نيران القناصة. وبينما ينتظرون الضوء الأخضر من المجموعة التي سبقتهم، تنفجر ضحكة مكتومة إثر إطلاق أحدهم نكتة لتبديد التوتر. في تلك الأثناء يرن هاتف أحد الجنود، فيهمس: «سأتصل بك لاحقاً»، ثم يقفل الخط.
ومع تقدم القوات في الحي، يظهر المدنيون المختبئون في منازلهم، وينزلون إلى الشوارع مع أغراضهم من أجل مغادرة المدينة. وعندما تبدأ العائلات بالابتعاد عن الحي حيث تنتشر جثث لمسلحين انتفخت من حرارة الشمس، فإنها بمعظمها لا تعرف بعد أين ستمضي ليلتها.
على الجانب الآخر من الطريق، يذكر شاب أنه يتردد على الخطوط الأمامية مع عربته اليدوية ليجمع أغلفة الرصاص التي تملأ الطرق. ويقول: «أجمعها وأبيعها إلى تجار الخردة، الكيلو بمائة دينار»، ما يعني أن عليه أن يجمع 12 كيلو ليحصّل دولاراً واحداً. ويضيف: «أعيش على بعد خمسة كليومترات من هنا، آتي إلى الجبهة كل يوم كي أكسب رزقي». وتقوم فتاة صغيرة بإفراغ كيس من أغلفة الرصاص التي جمعتها داخل عربة الرجل. وتقف امرأة مسنة إلى جانب الفتاة، وتحاول المشاركة في جمع الأغلفة الفارغة التي تملأ الشارع. وتقول بحسرة: «أشعر بالخجل من هذا العمل».
الأمم المتحدة تتوقع نزوح مائتي ألف من الموصل
فرار جماعي مع توغل القوات العراقية بحذر في آخر معاقل «داعش»
الأمم المتحدة تتوقع نزوح مائتي ألف من الموصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة