الخلاف على ترتيب الأولويات يعرقل مسار «جنيف 6»

دي ميستورا يسحب وثيقة آلية الدستور بعد تحفظات المعارضة

دي ميستورا ونائبه رمزي عز الدين رمزي في إحدى جلسات «جنيف 6» أول من أمس (رويترز)
دي ميستورا ونائبه رمزي عز الدين رمزي في إحدى جلسات «جنيف 6» أول من أمس (رويترز)
TT

الخلاف على ترتيب الأولويات يعرقل مسار «جنيف 6»

دي ميستورا ونائبه رمزي عز الدين رمزي في إحدى جلسات «جنيف 6» أول من أمس (رويترز)
دي ميستورا ونائبه رمزي عز الدين رمزي في إحدى جلسات «جنيف 6» أول من أمس (رويترز)

اضطر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إلى سحب ورقته التي أعلنت آلية تشاورية تمهد لصوغ دستور لسوريا، بعد اعتراضات قوية من وفد المعارضة المشارك في مفاوضات «جنيف 6». غير أنه تمسك بتشكيل مجموعة لمناقشة الدستور، فيما أصرت المعارضة على مناقشة الدستور والانتقال السياسي بالتزامن.
ولم تنجح هذه المبادرة المفاجئة التي طرحها دي ميستورا في اليوم الأول من اجتماعات «جنيف 6»، أول من أمس، في تحقيق الخرق المطلوب لإعطاء دفع لعملية التفاوض التي لا تزال تدور حول حلقة مفرغة، من جراء تمسك فريقي الصراع بشروطهما المسبقة. وفاقم الطرح من مخاوف المعارضة التي تصر على إعطاء الأولوية لملفَّي الانتقال السياسي والمعتقلين.
وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة من ورقة «ملاحظات الفريق الاستشاري حول الآلية التشاورية للمبعوث الدولي حول المسائل الدستورية والقانونية»، التي تقدم بها وفد المعارضة لدي ميستورا وتضمنت 3 ملاحظات، و7 أسئلة، و3 اعتراضات بالإضافة إلى توصيات. وقال مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط»، مساء أمس، إن دي ميستورا قرر سحب مبادرته نتيجة الاعتراضات الكبيرة عليها، لكن مسؤولاً إعلامياً في «الائتلاف الوطني السوري» المعارض نفى ذلك.
واعترض الوفد الاستشاري المعارض على ترؤس مكتب المبعوث الدولي للآلية والاكتفاء بدور «الميسر»، على تسمية خبراء آخرين من خارج المعارضة المشاركة في جنيف، كما على وجود خبراء فنيين من الدول المعنية لمراقبة ومساندة الآلية التشاورية وعلى صلاحية إجراء المراجعة الدورية. وأبرز ما جاء في الملاحظات، الخشية من أن تكون هذه الآلية بديلاً عن مسار المفاوضات السياسية، أو أن تكون ورقة دي ميستورا تراجعاً عن المفاوضات إلى مستوى أدنى هو المشاورات. واعتبر وفد المعارضة أن التخوف من الفراغ الدستوري المشار إليه في الورقة غير مبرَّر، وسيتم سدّه من بداية المرحلة الانتقالية من خلال إعلان دستوري يتم تضمينه في اتفاق الحل السياسي.
أما في الاستفسارات، فسألت المعارضة عن المقصود بالتفويض، وحدوده وآليات التصويت على توصيات الآلية المشتركة، وما إذا كانت الآلية قادرة على تحديد أسس لمسائل الحكم قبل الاتفاق عليه. واقترح الوفد الاستشاري أن تتم خلال محادثات «جنيف 6» مناقشة الرؤية الأولية للمعارضة حول أوراق تتضمن سلاّت الدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، إضافة لرؤية هيئة المفاوضات حول هيئة الحكم الانتقالي. ووصف مصدر في وفد المعارضة في جنيف ورقة دي ميستورا التي طرحت «آلية تشاورية» حول الدستور، بـ«غير المقبولة»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الخطوة التي قام بها دي ميستورا «صادمة، وأعادتنا خطوة إلى الخلف». وأضاف المصدر: «هو يبعدنا عن هدفنا الرئيسي من محادثات جنيف ويحاول تضييع البوصلة».
أما الرائد عصام الريس، المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض الموجود في جنيف فأشار إلى أن المعارضة سترد على طرح دي ميستورا بـ«ورقة استفسارات»، مشدداً على إصرارها التعاطي مع مسألة الدستور كجزء من الانتقال السياسي الذي تعطيه الأولوية على ما عداه من ملفات. واعتبر الريس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التركيز على موضوع الدستور الجديد يثير كثيراً من التساؤلات والاستفسارات، لافتاً إلى أن المعارضة ستصر على الدفع بأوراق أخرى لتصدر جدول الأعمال وأبرزها ورقة المعتقلين. وإذ استبعد الريس تماماً أن يؤثر مسار «آستانة» على مسار «جنيف»... «باعتبارهما مختلفين تماماً ولا يتناقضان»، أشار إلى أن «عدم التفاؤل بتحقيق الخروقات اللازمة في (جنيف 6) مرده أن الوفد المفاوض من قبل النظام ليس صاحب قرار، ويجب أن يعود لدمشق، والأهم لطهران لاتخاذ قراراته، وهو ما يعقّد العملية ككل».
من جهتها، أكدت مرح البقاعي، مستشارة الهيئة العليا للمفاوضات في ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب، الموجودة أيضاً في جنيف، أن وفد المعارضة «لن يقبل أبداً أن تكون الأولوية لبحث الدستور باعتبار أن مشكلتنا ليست دستورية على الإطلاق، كما أن هذه المهمة يتولاها الشعب السوري بعد تحقيق الانتقال السياسي المنشود».
وقالت البقاعي لـ«الشرق الأوسط»: «يحق لدي ميستورا أن يقدم من أوراق ما يراه مناسباً، ويحق لنا أن نقبل أو نرفض، فهو ليس وصياً علينا، بل هو وسيط مع النظام». وأوضحت البقاعي أن وفد المعارضة «سيُقدم لدي ميستورا برنامجه للمفاوضات، الذي يتضمن وبشكل رئيسي الإصرار على تطبيق القرار الدولي (2245)، ملف المعتقلين والانتقال السياسي، أما إذا أصر على السلال الأربع، فالأولوية بالنسبة لنا لمكافحة الإرهاب وهي أولوية دولية أيضاً، خصوصاً بعد ما كشفته واشنطن عن محرقة في سجن صيدنايا».
وتنص الوثيقة التي تقدم بها دي ميستورا، وتتعلق بالآلية التشاورية لإعداد الدستور، على ضمان غياب أي فراغ دستوري أو قانوني في أي مرحلة خلال عملية الانتقال السياسي المتفاوض عليها. ويترأس الآلية مكتب المبعوث الأممي الخاص مستعيناً بخبراء تابعين له، إضافة إلى خبراء قانونيين تسميهم الحكومة والمعارضة المشاركتان في مباحثات جنيف.
ويعقد أعضاء هذه الآلية اجتماعاتهم بين الجلسات الرسمية للمباحثات بين أطراف الأزمة السورية أو أثناءها، كما تشير الوثيقة إلى أن المبعوث الأممي بإمكانه التشاور مع خبراء فنيين من أجل مراقبة أو مساندة عمل الآلية التشاورية.
وقال رياض نعسان آغا، متحدثاً باسم الهيئة العليا للمفاوضات إن لوفد المعارضة ملاحظات على اقتراح دي ميستورا، وما زال بصدد دراسته، ولا سيما لجهة إشارة الاقتراح إلى تنظيم الآلية الاستشارية لمؤتمر للحوار الوطني «وهو ما قد يعني تقويض مجمل العملية السياسية».
وأعرب آغا في تصريح عن خشيته من أن يكون دي ميستورا متأثراً بالطروحات الروسية، لافتاً إلى أن وفد المعارضة سيقدم قبل نهاية هذه الجولة وثيقتين للمبعوث الدولي إلى سوريا، تتعلق الأولى بحال المعتقلين في سجون النظام، والثانية بشأن رفض المعارضة أي دور لإيران في سوريا.
وعقد دي ميستورا يوم أمس (الأربعاء) لقاءين؛ الأول مع وفد النظام والثاني مع وفد المعارضة، كذلك أفيد بلقاء جمع وفد الهيئة العليا بغينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي.
ومن المتوقع أن يلتقي رئيس الائتلاف المعارض رياض سيف، دي ميستورا، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، اليوم (الخميس). ويبحث سيف الذي يرافقه كل من عضوي الهيئة السياسية هادي البحرة وحواس خليل مع المبعوث الدولي، العملية السياسية الحالية في جنيف، وفق بيان صادر عن الائتلاف.
وقال سيف في تصريح إن الوصول إلى الانتقال السياسي «هو أهم ما نطمح إليه، وذلك من أجل الخلاص من الحكم المستبد الذي يمارسه نظام الأسد منذ أكثر من أربعة عقود». كما شدد على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها بشكل كامل، وأن يكون دورها شاملاً وكاملاً في عملية وقف إطلاق النار، والسعي لأن تكون جميع المناطق السورية آمنة وخالية من القصف بكل أشكاله. ولفت سيف إلى أن قضية المعتقلين من أهم القضايا التي ستتم إثارتها خلال الاجتماع مع المبعوث الدولي، مؤكداً أن هناك «جرائم حرب» يمارسها النظام داخل السجون، تظهر أدلتها كل يوم، مضيفاً: «يجب أن يكون للأمم المتحدة موقف واضح من تلك الجرائم وفي محاسبة مرتكبيها».
وبالتزامن مع مفاوضات السلام السورية، نظّم ناشطون سوريون يوم أمس (الأربعاء)، وقفة أمام مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، شارك فيها أعضاء من الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض والائتلاف المعارض.
وحملت الوقفة التي شارك فيها عدد من أمهات وزوجات المعتقلين عنوان «عائلات من أجل الحرية»، وطالب الناشطون بالضغط على النظام السوري لـ«الكشف الفوري عن جميع الأسماء المعتقلة لديه وعن أماكن وجودهم ومصائرهم، إضافة إلى وقف التعذيب وسوء المعاملة». كما دعوا للسماح للمنظمات الإنسانية الدولية بإدخال المساعدات العاجلة من دواء وغذاء إلى السجون والمعتقلات، إضافة إلى دخول طواقم المنظمات الحقوقية الدولية إلى تلك السجون والاطلاع على أوضاعهم عن كثب. وشدد المتظاهرون على أهمية إلغاء كل المحاكم الاستثنائية وفي مقدمتها المحاكم الميدانية ومحكمة الإرهاب والمحاكم الحربية. وكانت الخارجية الأميركية كشفت أخيراً عن أدلة على وجود محرقة للجثث أقامها نظام الأسد في سجن صيدنايا، وأشارت إلى أن رجال المخابرات يحرقون نحو 50 جثة كل يوم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.