مع ازدياد أزمة فنزويلا السياسية والاقتصادية أصبح جليا أن كوبا التي ارتبط مصيرها دائما بكاراكاس في وضع لا تحسد عليه؛ مما دفع بتكهنات لدخول هافانا على خط الوساطة وإيجاد حلول لأزمة الدولة الحليفة التي ارتبط مصيرها بمجريات الأحداث هناك.
هافانا لم تنكر أن مصيرها الآن أصبح معلقا بالوضع الحالي في فنزويلا، وجاء ذلك على لسان رئيسها راؤول كاسترو، البالغ من العمر 85 عاما، والذي قال إن «فنزويلا ليست وحدها؛ فهي تخوض معركة حاسمة لبسط نفوذها والبقاء»،«على حد وصفه في إشارة إلى أن بلاده ستقدم أي دعم تحتاج إليه كاراكاس.
في السنوات الأخيرة، وتحديدا عام 2000، قامت كاراكاس بقيادة الرئيس الراحل هوغو تشافيز بمساندة كوبا ودعم سياساتها عبر ضخ النفط ودعمها في مشروعات للطاقة وصلت إلى حد إرسال كميات هائلة من براميل النفط المدعمة، وذلك لحل أزمة الطاقة في الجزيرة الكوبية ودعم مشروعات هافانا، إلا أن هذا الأمر تغير بعد سنوات، وبخاصة أن كاراكاس التي كان يتزعمها هوغو تشافيز في ذلك الوقت كانت تدعم الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، أما الآن فقد تبدلت الزعامات، وتغيرت الوجوه؛ فكوبا يحكمها راؤول كاسترو وفنزويلا يحكمها نيكولاس مادورو وسط تغيرات وتحديات سياسية ضخمة عاصرها الحليفان التقليديان.
في عام 2016، بدأت هافانا تدرك تماما أن الدعم الفنزويلي لن يبقى طويلا بعد تقليل إرسال شحنات البترول، وذلك بعد أن دخلت فنزويلا في حالة من الركود مع بداية تفجر أزمتها الاقتصادية، وارتفاع التضخم وانخفاض أسعار النفط وتعرض كاراكاس إلى هزة سياسية إثر التطورات السياسية الحالية التي تشهدها من احتجاجات ومظاهرات دفعت إلى المواجهات بين المعارضة السياسية التي تسيطر على البرلمان وحكومة الرئيس مادورو، التي تسيطر على مفاصل الدولة العميقة.
كوبا تدرك تماما أن بقاء حكومة الرئيس نيكولاس مادورو هو صمام أمان لكوبا، وضمان لاستمرار السياسات الكوبية لتمرير عمليات الإصلاح بشكل بطيء ومتأنٍ، دون دفعها إلى تغير تحركاتها الجيوسياسية في المنطقة، وبخاصة أن العلاقات الأميركية الكوبية الآن تمر بحالة من الجمود بعد وصول إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة وتوقف عملية التطبيع بين البلدين، وذلك بعد أن كانت الأمور وصلت إلى وضع جيد في عهد الرئيس أوباما وإزالة عقبة القطيعة بين واشنطن وهافانا التي استمرت لعقود.
ويبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة لا ترحب بانفتاح على هافانا إلا بشروط، من ضمنها تحسين الأوضاع الإنسانية في كوبا وضمان سجل نظيف من المعاملة الإنسانية لمواطني كوبا؛ حتى يتسنى للإدارة مد يد العون والوفاء بالتعهدات الانتخابية التي أشارت إلى أن التطبيع والانفتاح على الجزيرة الكوبية مرهون بتحسن الأوضاع هناك، وإلا سيتم التعامل مع كوبا بشكل مختلف؛ وهو ما دفع أوباما قبل رحيله من البيت الأبيض بسن تشريعات حاول فيها تحصين الاتفاق التاريخي مع كوبا بعد إذابة سنوات الجمود والانفتاح على هافانا سياسيا واقتصاديا.
في هذه، الأثناء أشارت وسائل إعلام كوبية إلى أن حاوية روسية سلكت طريقها إلى هافانا محملة بنحو 250.000 (مائتين وخمسين ألف) برميل نفط في إطار تعاقد الشركة الوطنية الفنزويلية وكوبا وروسيا في إطار اتفاق تحالف ثلاثي؛ وذلك لإنقاذ البلاد إثر أزمتها في نقص الطاقة وسد متطلباتها وحاجتها من النفط التي كانت تحصل عليه سابقا من فنزويلا، وهو ما أثار الشكوك حول الدور الروسي الجديد، وتجدد التذكير بدور الاتحاد السوفياتي القديم للدخول على الخط. إلا أنه حسب محللين سياسيين، فإن كوبا الحالية تختلف تماما عن كوبا في عهد الاتحاد السوفياتي، فلن تقبل كوبا أن تعود إلى ذلك العهد والذي إثر عليها بشكل كبير أما الآن ومع الانفتاح على العالم ولو بشكل بطيء سيكون على هافانا تقديم تفسيرات كثيرة لشعبها إذا ربطت أمورها بروسيا، كما سيبقى عليها الإجابة عن تساؤلات كثيرة لشعبها حول انقطاع التيار الكهربي، وانخفاض دخول الأفراد وغيرها من المشكلات التي تواجها الآن وتبحث لها عن حلول لمحاولة تمرير الإصلاحات السياسية، وبخاصة أن الجيل القديم من الثوريين بدأ يتلاشى مع رحيل كاسترو، كما أن تأكيدات راؤول كاسترو بعدم قيادة البلاد بعد انتهاء ولايته وإتاحة الفرصة لأجيال أخرى هناك سيضع الجزيرة في وضع مثير للتكهنات.
كوبا بدأت تشعر بحجم الأزمة الفنزويلية
إمدادات النفط إلى هافانا تضاءلت واستمرار صمودها يتوقف على كاراكاس
كوبا بدأت تشعر بحجم الأزمة الفنزويلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة