اعتاد مدرب آرسنال، أرسين فينغر، على الظهور بأفضل وجه لديه أمام المسرح العبثي الإعلامي الذي يتم نصبه قبل كل مباراة. وبالنظر إلى الأجواء المشتعلة، وصل فينغر وقد بدا على أهبة الاستعداد للمواجهة. وكانت الأمور في مجملها مستقرة، وتبدو في مسارها المتوقع حتى الزيارة التي أجراها خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع لمواجهة ستوك سيتي عندما اتخذت أسئلة الصحافيين فجأة منحى غير متوقع. طرح أحد الصحافيين سؤالا حول وجهة نظر فينغر بخصوص تمهيد الطريق أمام مسعود أوزيل؟ وتبع هذا السؤال فترة من الصمت المطبق.
وبدا فينغر للحظة متحيراً. ما علاقة تمهيد الطريق بالمأزق الذي يواجهه آرسنال؟ وعليه، استطرد السائل في محاولة لتوضيح المقصود من سؤاله، مقترحا أنه ربما يكون التحسن الذي حرص أوزيل على إظهاره يوحي برغبته في الاستمرار مع الفريق لبعض الوقت. وربما يمثل هذا مؤشرا واعدا بالنسبة لتجديد تعاقده مع النادي. وهنا أجاب فينغر بنبرة غلب عليها الشعور بالسعادة: «نعم، هذا ختام جيد».
ومع ذلك، تبقى الحقيقة هنا أن مستوى الأداء العام لأوزيل تراجع إلى نقطة أثارت الجدال حول العرض السخي الذي ظل قائما أمامه لفترة طويلة. في الواقع، فإن آرسنال ليس معتادا على تقديم أجور ضخمة تتراوح ما بين 250 ألف جنيه إسترليني و300 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، لإغراء مسعود أوزيل وأليكسيس سانشيز على البقاء. وعليه، فإنه عندما يقدم على ذلك بالفعل فإن هذا يتطلب أن يكون المقابل يستحق بالفعل هذا الراتب الضخم.
جدير بالذكر أنه في وقت سابق من الموسم بدأ أوزيل أقرب عن أي وقت مضى لدور القائد الفني للفريق ومصدر الإلهام الأول في نفوس رفاقه الذي بدا آرسنال متلهفا لتعليق آماله عليه. في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، سجل أوزيل هدفا رائعا بكل المقاييس كان حديث أوروبا بأكملها، ونجح هذا الهدف في ضمان الفوز لفريقه على ملعب لودوغورتس رازغراد البلغاري في مباراة الإياب ضمن أحداث الجولة الرابعة من دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا. وبدا أن هذا الهدف يمثل بداية حقبة جديدة في مسيرة اللاعب تتميز بتسجيله عددا أكبر من الأهداف وتأثيره على مسار المباريات على نحو أكثر مباشرة من ذي قبل. وبالفعل، تمكن أوزيل من تسجيل تسعة أهداف خلال 20 مباراة خلال الفترة حتى ديسمبر (كانون الأول). وبدا الأمر برمته مختلفاً، وظهر اللاعب في صورة أكثر تصميما وعزما.
وبدأت التساؤلات تتنامى داخل آرسنال حول ما إذا كانت مهارات أوزيل تطورت على النحو الكافي الذي يجعل منه أيقونة الفريق. ومع ذلك، جاءت أحداث الشهور التالية، بما اتسمت به من غياب للفاعلية في أداء اللاعب، في وقت ناضل الفريق بحثا عن قائد ملهم، لتفسح الطريق أمام عودة ظهور التحفظات القديمة حيال أداء أوزيل على السطح.
في الواقع، ثمة شخصيات كثيرة للغاية مثيرة للجدل والانقسامات في الآراء داخل آرسنال هذه الأيام، ومن جديد تحول أوزيل لشخص تنقسم الآراء من حوله. وفي الوقت الذي يشدد فيه فريق المؤيدين على القدرات الكامنة داخل اللاعب، يشير المشككون إلى المباريات الكثيرة التي يشارك اللاعب فيها لمدة 90 دقيقة كاملة دون أن يترك بصمة على الأداء، ويتساءلون حول ما إذا كان هذا الأداء مقنعا بما يكفي لتبرير دفع واحد من أعلى الرواتب التي لم يقدمها النادي لأي من لاعبيه على مدار تاريخه.
في إطار سيرته الذاتية التي حملت عنوان «سحر اللعبة»، أشار أوزيل إلى كيف أن جوزيه مورينيو اتهمه بعدم بذل أقصى جهده خلال الفترة التي عملا فيها معا داخل ريال مدريد، مشيرا إلى أن المدرب قال ذات مرة: «من الواضح أنك تظن أن تمريرك الكرة بصورة رائعة مرتين في المباراة إسهام كاف، ويبدو أنك تظن نفسك شديد البراعة في الوقت الذي تعتقد فيه أن بذل 50 في المائة فقط من طاقتك أمر كاف».
من جانبه، يتفق فينغر حول أن أوزيل يستفيد بالفعل عندما يجري التعامل معه بصرامة بغية إصلاحه وإرشاده. وأضاف: «أجريت بعض المحادثات الطيبة معه أيضاً».
من ناحية أخرى، وجد فينغر نفسه مرارا مضطرا إلى الدفاع عن أوزيل، في وقت يوجه فيه البعض سهام النقد إليه باعتباره شخصا من السهل استهدافه بسبب أسلوبه الكسول. وأعرب فينغر عن اعتقاده أن «اللاعبين الكبار يتعين عليهم تحمل مسؤولية الفريق، خصوصا أن الآخرين ينظرون إلى الأمر على هذا النحو». وأضاف: «بالنسبة لما جرى أحيانا، فإن الاكتفاء بمجرد توجيه النقد إلى أداء مسعود أوزيل لا يعكس حقيقة ما جرى داخل أرض الملعب. من جانبي، أعتقد أنه يناضل بجسارة كبيرة خلال المباريات الأخيرة، وقد أمعنا النظر في مستوى لياقته البدنية وكان مرتفعا للغاية. إلا أنه مثلما كانت الحال مع باقي أفراد الفريق، يحدث في بعض المباريات أن نكون دون المستوى الذي اعتدنا الظهور به في غالب الأحيان. إلا أن العادة جرت على تعرض اللاعبين الكبار لانتقادات أكثر من غيرهم. بالنسبة لأوزيل، فقد جاء أداؤه في مباراة أو أكثر لينا وأقل قوة».
واستطرد بقوله: «في نهاية الأمر، فإن أسلوبه أمر يخصه وحده، بينما تظل الكفاءة المعيار الحقيقي لتقييم أداء مسعود أوزيل. وأرى أن المهارة الأساسية التي يتميز بها أوزيل تتمثل في القدرة على الاحتفاظ بالكرة وخلق فرص لإحراز أهداف». جدير بالذكر أنه حتى في ظل هذا الموسم المتقلب الذي يعانيه أوزيل، فإنه يتصدر لاعبي الدوري الممتاز باعتباره اللاعب صاحب العدد الأكبر من التمريرات داخل نصف ملعب الخصم، مع تحقيقه معدل نجاح في التمريرات يفوق مهاجمي تشيلسي إدين هازارد وتوتنهام كريستيان إريكسن.
اللافت أن فينغر طرح إجابة مراوغة على نحو مثير للاهتمام في رده على سؤال حول ما إذا كان من المناسب تحمل أوزيل نمط المسؤوليات التي عادة ما يعهد بها إلى اللاعبين الأبرز، ذلك أنه قال: «لست واثقا بهذا الأمر. أعتقد أنه جدير بمواجهة التحدي المتمثل في المباريات الكبرى، لكن هل هو جدير بمواجهة تحدي التعرض للنقد؟ لست على ثقة بذلك. هل يتقبل التعرض للنقد؟ لست متأكدا من ذلك». واستطرد قائلاً: «من الطبيعي أنني أرغب في أن يكون جميع اللاعبين في أفضل مستوى لهم في كل مباراة نخوضها. لذا، فإنه عندما لا يتحقق ذلك، ينتابني شعور بالإحباط، لكن هذه هي طبيعة كرة القدم. كما نعلم جميعا أننا لسنا سوى بشر وعلينا تقبل فكرة مرور فترات ازدهار وانحسار».
والتساؤل هنا: هل هذا التراجع في لياقة أوزيل دفع فينغر لإعادة النظر في العقد السخي المعروض على اللاعب؟ عن ذلك، أجاب فينغر: «قبل أن ننفق أموالا ضخمة، نعمد إلى تحليل جميع جوانب التزاماتنا، خصوصا أن مسعود أوزيل وسانشيز ليسا الوحيدين اللذين من المقرر تجديد تعاقدهما، وإنما لدينا الكثير من اللاعبين الذين تتعين دراسة تمديد أجل تعاقداتهم، وينبغي أن نتأكد من توافر الموارد اللازمة لتمديد تعاقدات اللاعبين الآخرين الذين نرى أننا بحاجة إليهم كي ننجح في المستقبل. على سبيل المثال، أليكس أوكسلاد تشامبرلين جزء من هذا الأمر».
الواضح أن الجدال حول أوزيل تحول بمرور الوقت إلى حوار أوسع حول آرسنال يدور حول تساؤل كبير: هل بالإمكان بناء فريق حول أوزيل؟ ينبغي أن تكون الإجابة بالإيجاب، ما دام أن باقي العناصر يجري التعامل معها باعتبارها تكميلية. إلا أن هذا التساؤل الكبير يثير بدوره تساؤلات أخرى: هل كان من الممكن أن يتألق أوزيل في إطار فريق آخر بقيادة فينغر يتمتع في وسط الملعب بقوة ودقة باتريك فييرا وإيمانويل بوتي من خلفه، بدلا من المشقة التي من الواضح أن كلا من غرانيت جاكا وآرون رامزي يواجهها؟
الواضح أن غياب التوازن في صفوف الفريق لم يوفر لأوزيل البيئة المثالية له، حتى وإن كان هو نفسه لم يقدم العون الكافي لنفسه لدرجة دفعت لاعبا قديما مخضرما مثل مارتن كيون لأن يكتب في عموده الصحافي اليومي هذا الأسبوع أن آرسنال «ببساطة يحمل مسعود أوزيل، الأمر الذي لا يملك رفاهية الاستمرار فيه».
وإذا كان كثير للغاية من المباريات المهمة قد مر دونما إسهام حقيقي من جانبه، فإنه ربما يتعين على أوزيل أن يتذكر أن أحد أفضل مستويات أدائه على الإطلاق جاءت في مثل هذا التوقيت من الموسم السابق، عندما نجح آرسنال في هزيمة مانشستر يونايتد بنتيجة 3 - 0. وكان أوزيل الصانع الأساسي للهدف الافتتاحي، بجانب تسجيله الهدف الثاني. كما ترك أوزيل تأثيرا مشابها على أداء آرسنال المتألق هذا الموسم أمام تشيلسي عندما نجح في الخروج منتصرا بالفارق ذاته.
أما تحدي كيفية خوض مزيد من المباريات بمثل هذا الأداء الرفيع فلا يزال معضلة لم يتوصل آرسنال لحل لها. ومن المعتقد أنه ستجري دراسة هذا الأمر خلال الصيف إذا ما ظل اتفاق تمديد تعاقد أوزيل دونما توقيع. ويثير هذا الأمر بدوره التساؤل حول أي من الأندية بمقدوره إبداء استعداده لإنفاق مثل هذا المبلغ الضخم أو أكثر منه على مثل هذه الموهبة الهشة التي لم تقدم الكثير لآرسنال.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت أندية أخرى تقدمت بعروض لشراء أوزيل، أجاب فينغر بوضوح: «لا». وتوقف برهة قبل أن يطرح إضافة غامضة: «ليس بصورة رسمية».
مسعود أوزيل... علامة استفهام أزلية في آرسنال
انقسمت حوله الآراء واعتبره البعض موهبة هشة لم تقدم كثيراً لـ«المدفعجية»
مسعود أوزيل... علامة استفهام أزلية في آرسنال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة