تزايد النزاعات العشائرية في البصرة

تدخلات إقليمية وتنافس حزبي وراء تفاقم الظاهرة

تزايد النزاعات العشائرية في البصرة
TT

تزايد النزاعات العشائرية في البصرة

تزايد النزاعات العشائرية في البصرة

تعاني محافظة البصرة العراقية من صعود لافت لنزاعات عشائرية، كان آخرها مواجهة مسلحة بين عشيرتين في شارع البصرة القديمة قبل يومين، وسبقها بأسبوع نزاع كبير بين عشيرتي «الكرامشة» و«بيت رويمي»، مما دعا رئاسة الوزراء إلى استحداث مجلس خاص لمعالجة الظاهرة المتصاعدة في المحافظة الغنية بالنفط.
ورغم الطابع العشائري لغالبية محافظات العراق ووجود النزاعات العشائرية فيها، فإن وتيرتها اللافتة في محافظة البصرة، تكشف ربما عن أسباب أخرى تتجاوز منطلقات الخلافات العادية بين أفراد العشائر المختلفة.
وتعزو جهات حكومية في البصرة «استفحال» ظاهرة النزاعات العشائرية إلى التضارب في عمل الأجهزة الأمنية وقلة أعدادها. ويقول عضو مجلس المحافظة حيدر الساعدي في تصريحات إن «السبب الرئيسي لنشوب النزاعات العشائرية هو خلو المدينة من عناصر الأجهزة الأمنية وانشغالهم بالمشاركة في العمليات الحربية ضد (داعش)، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل لافت».
واستخدمت جهات محسوبة على «الحشد الشعبي» أسلحتها في النزاعات العشائرية، مما دفع رئاسة «الحشد» في البصرة إلى التبرؤ منها، وإعلان أنها «غير مسؤولة عن الأسلحة المستعملة في النزاعات العشائرية ويتحمل صاحب السلاح المسؤولية القانونية والمالية والإدارية عن استعماله».
لكن تنامي الظاهرة حتى قبل صعود «داعش» في 2014، يكشف أن تقاطع المصالح الحزبية في مدينة تطفو على خزان هائل للنفط (59 في المائة من احتياطي العراق المثبت)، إلى جانب الأطماع والتدخلات الإقليمية، عوامل أساسية في استمرار وتنامي ظاهرة النزاعات في البصرة عموماً، ومنها العشائرية.
ويقول مصدر مقرب من صناعة النفط في البصرة لـ«الشرق الأوسط» إن «العامل الإقليمي» وراء غالبية ما يجري من مشكلات في البصرة. ورأى المصدر الذي رفض نشر اسمه، أن «عوامل إقليمية تتقصد إدامة النزاعات العشائرية، لأن رخاوة الأمن تسمح بمرور المخدرات والحصول على مقاولات وعمولات ضخمة من جراء عمليات الابتزاز، سواء لشركات النفط أو غيرها، الفوضى تسمح للجميع بالعمل في حرية بخلاف القانون».
ورأى أن الخصوصية المالية الاستثنائية التي تتمتع بها البصرة تخضع الصراع فيها لعوامل عدة؛ «منها الدولية التي لا تقبل باتساع رقعة الفوضى لأن الفوضى من شأنها أن تؤثر على بورصة النفط». لكنه يعتقد أن إيران، وهي اللاعب الأبرز في البصرة، تحاول «عبر وكلائها المحليين من ساسة وزعماء عشائر ابتزاز شركات النفط العالمية إن أرادت تحقيق مصلحة سياسية أو اقتصادية معينة». وأضاف: «بإمكان إيران وغيرها الاتفاق مع أحد شيوخ العشائر، وطلب قطع طريق أو اختلاق مشكلة مع هذه الشركة أو تلك».
وروى المصدر المقرب من صناعة النفط حكاية تصب في هذا الاتجاه، عن شيخ عشيرة معروف «كان يقوم بزيارات منتظمة إلى إيران» حاول «ابتزاز شركتين أجنبيتين، وحصل منهما على مبلغ كبير، لكنه لم يكتفِ، فنصحه البعض بالكف عن ابتزازهما، لأنهما شركتان عملاقتان... فقام أحدهم بوضع عبوة لاصقة تحت كرسيه في سيارته المصفحة، مما أدى إلى مقتله».
ويرى المصدر أن ثمة عوامل داخلية أيضاً تقف وراء النفوذ المتنامي للزعامات والنزاعات العشائرية في البصرة، لا تقل أهمية عن العوامل الخارجية، بينها «محاباة الأحزاب السياسية لشيوخ العشائر». ويؤكد أن «جميع الأحزاب تحابي العشائر، وليس بمقدور قوى الأمن أن تردع أي عشيرة، فالأحزاب بمجملها لا تريد خسارة أي عشيرة، مما أدى إلى هشاشة الأمن وانعكاسه على تعاظم قوة العشيرة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.