سكان الموصل وأطرافها يتزودون بالمياه باستخدام وسائل بدائية

أسعار الحمير ارتفعت مع ازدياد الاعتماد عليها في نقل الماء

سكان الموصل وأطرافها يتزودون بالمياه باستخدام وسائل بدائية
TT

سكان الموصل وأطرافها يتزودون بالمياه باستخدام وسائل بدائية

سكان الموصل وأطرافها يتزودون بالمياه باستخدام وسائل بدائية

تحمل رقيّة ابنة السنوات الخمس بيديها الصغيرتين المتسختين قارورة بلاستيكية فارغة، وتسلك بحذائها الرياضي الزهري الطريق نزولا إلى النهر، لتأتي بالماء إلى عائلتها القاطنة في قرية الصيرمون على ضفاف نهر دجلة في أطراف الشطر الغربي لمدينة الموصل التي استعادتها القوات العراقية أخيرا من تنظيم داعش.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن رقية ليست الوحيدة التي تسلك طريق النهر لجلب المياه المقطوعة عن المنطقة. فمنذ 19 فبراير (شباط)، تاريخ بدء هجوم القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي لمدينة الموصل، انقطعت المياه بالكامل عن الصيرمون وعن ثلاث قرى أخرى مجاورة، بسبب تضرر الشبكة الكهربائية التي كانت تزود محطة التكرير بالكهرباء، وتعرض المولد الكهربائي التابع لمحطة التكرير إلى السرقة، بحسب مختار القرية أحمد فتى أحمد.
وترفع مريم التي غطت شعرها بمنديل أزرق سروالها الزهري، بينما تتقدم في الماء برفقة والدها الخمسيني المريض على خطى رفيقتها رقية، حتى الوصول إلى جزيرة صغيرة في وسط النهر. ويوضح غانم سلطان (35 عاما)، أن «المياه على الشاطئ المحاذي للقرية ضحلة، وتلك التي أمام الجزيرة أكثر نظافة نسبيا».
وعلى مقربة من المكان، تمر شاحنة عسكرية تنقل جنودا إلى جبهة القتال غير البعيدة في غرب الموصل، بينما تحلق طائرة في سماء المنطقة، من دون أن يثير ذلك اهتمام أحد. فقد اعتاد سكان الموصل الحرب، وما يهمهم هو الحصول على الأمور الحياتية الأساسية.
وأصبحت طريق النهر اليوم تعج بالمارة، بشرا... وحيوانات. وقفز سعر الحمار من مائتي ألف دينار قبل شهرين إلى 500 ألف اليوم. «وماكو حمير للبيع»، أي لا حمير للبيع، كما يقول حسين محمد إبراهيم (47 عاما)، لأن من لديه دابة في قرية الصيرمون يعتبر اليوم محظوظا. ويشير إبراهيم بسبابته إلى حمار صغير يشق طريقه صعودا وعلى ظهره قارورتان ضخمتان معبأتان بالمياه، وخلفه حمار آخر وحصان ينقلان أحمالا مماثلة.
ولا يعاني سكان الصيرمون والجوار من انقطاع المياه فحسب، بل الكهرباء مقطوعة أيضا والخدمات الأساسية معدومة. وتكاد هذه القرى تكون معزولة عن العالم، تجوبها آليات القوات الحكومية القادمة من خارجها. لكن المنطقة عسكرية ولا يمكن لأي سيارة مدنية أن تعبرها «ولا حتى سيارات المنظمات الإغاثية»، بحسب إبراهيم.
وفي المناطق التي تم «تحريرها» في غرب الموصل، فرضت القوات الحكومية حظرا على سير العربات المدنية، والسبب الأساسي في ذلك هو الخشية من الانتحاريين والسيارات المفخخة. لذلك، يقوم الجيش في الصيرمون وغيرها من القرى بإيصال مياه الشرب إلى السكان بواسطة صهاريج. كما يوزع عليهم مواد غذائية.
ويبلغ عدد أهالي الصيرمون والجوار نحو 2500 شخص.
ويقول المختار أحمد فتى أحمد: «مياه النهر ليست صالحة للشرب، ولدينا حالات تسمم كل يوم. أما عن حالات الإسهال فحدّث ولا حرج». ويرى أن «الحل بسيط»، مناشدا «كل من بإمكانه مساعدتنا أن يفعل، سواء عبر توفير مولد كهرباء لمحطة التكرير أو عبر ربط القرية بمحطة الطاقة الكهربائية التي تبعد ستة كيلومترات تقريبا».
وقد تسببت المعارك المتواصلة بتدمير البنى التحتية وبحرمان المدنيين في المناطق الواقعة قرب جبهات القتال في الشطر الغربي من ثاني كبرى مدن العراق من كل شيء. في أحياء غرب الموصل، مبان مهدمة وطرق تجوبها عربات يجر بعضها دواب، والبعض الآخر رجال وفتية وأطفال. ويقول أبو محمد (سبعيني)، وقد بدا عليه التأثر: «حتى قبل ستين عاما، لم تكن حالنا هكذا. لقد عدنا إلى الوراء عشرات السنوات». وفي المخيمات التي تستضيف نازحين في محيط الموصل، فإن الحصول على الماء ليس سهلا أيضا. ولا تكفي قناني المياه الموزعة حاجات النازحين الذين بلغ عددهم أكثر من أربعمائة ألف. أما الماء التي يتم استقدامها بالصهاريج فلا تخضع لأي تكرير.
في مخيم حمام العليل، أحد أكبر المخيمات في المنطقة، يملأ ياسر أحمد غالون ماء من خزان مشترك.
ويقول رب العائلة، البالغ من العمر 37 عاما: «يعطوننا عبوات مياه، لكنها لا تكفينا للشرب وللطبخ، لذلك نستخدم هذه المياه بعد تصفيتها وغليها». مع ذلك، لا ينوي ياسر العودة إلى حي المأمون في القسم الغربي من الموصل الذي انسحب منه التنظيم المتطرف، لأن «الناس فيه يشربون الماء من آبار ملوثة». ويروي كثير من العائدين إلى مناطق استعادتها القوات العراقية المعاناة بسبب نقص المياه.
وتعبر منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليز غراندي عن خشيتها من أزمة أكبر مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة التي يمكن أن تصل إلى خمسين درجة. وتقول: «الناس بحاجة إلى مياه للشرب، وسيكونون بحاجة أكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة». ويبذل برنامج الأمم المتحدة للتنمية «كل جهده لتصليح محطات تكرير المياه لتعود وتعمل بسرعة. إننا نتقدم، لكن لا يزال هناك عمل كثير».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».