ترقب إخلاء القابون بعد تهجير برزة

تجدد القتال بين فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية

طفلة تنتظر ضمن المهجرين من المعارضة والأهالي في حي برزة شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
طفلة تنتظر ضمن المهجرين من المعارضة والأهالي في حي برزة شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

ترقب إخلاء القابون بعد تهجير برزة

طفلة تنتظر ضمن المهجرين من المعارضة والأهالي في حي برزة شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
طفلة تنتظر ضمن المهجرين من المعارضة والأهالي في حي برزة شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)

دخلت الحافلات التي سيتم استخدامها في عمليات التهجير المستمرة في سوريا، أمس، إلى حي برزة في العاصمة دمشق، وأقلت ما يزيد على ألف شخص من مقاتلي المعارضة والمدنيين إلى محافظة إدلب شمال البلاد. ومن المتوقع، أن ينسحب الاتفاق الذي أدى إلى تهجير سكان حي برزة على حي القابون المتاخم الذي شهد تصعيداً عسكرياً من قبل النظام ما لبث أن تحول إلى هدنة لإتاحة المجال أمام توقيع اتفاق جديد لانسحاب مقاتلي الفصائل وعوائلهم منه، مما يمهد لتخلي المعارضة عن كل أوراقها في العاصمة.
وفيما أفاد محافظ دمشق بخروج 1022 شخصاً، بينهم 568 مقاتلاً معارضاً، بالإضافة إلى أفراد من عائلاتهم بإطار الدفعة الأولى من عملية الإجلاء في حي برزة، قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن نحو 1100 شخص خرجوا من برزة على أن يصل إجمالي عدد الخارجين في الأيام المقبلة إلى 8 آلاف بين مقاتلين ومدنيين، مرجحاً أن تطال عمليات التهجير حي القابون الملاصق في وقت لاحق بعيد التصعيد العسكري الذي يشنّه النظام لممارسة ضغوط على الفصائل والسكان للموافقة على المصالحة. وأشار عبد الرحمن إلى أن خطة النظام تقضي حالياً بجعل العاصمة خالية من كل من يرفض المصالحات، ليتفرغ بعدها لقتال «داعش» في مخيم اليرموك والحجر الأسود.
من جهته، كشف قيادي في «جيش الإسلام» فضّل عدم الكشف عن هويته، تفاصيل الاتفاق الذي تم توقيعه في برزة، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الصفقة تمت بسرعة وبالتحديد خلال 48 ساعة وقضت بخروج مقاتلي (اللواء الأول)، وهو الفصيل الوحيد المقاتل في الحي ويتبع للجيش الحر ومجمل عناصره من أبناء برزة». وأوضح المصدر أن «عدد المقاتلين الذين سيخرجون نحو 1500 إلى جانب عوائلهم ومن يرغب من المدنيين في التوجه إلى إدلب أو حتى إلى الغوطة الشرقية».
وتزامنت عملية تهجير سكان برزة مع عودة الاقتتال إلى الغوطة الشرقية بين «جيش الإسلام» من جهة، و«هيئة تحرير الشام» و«فيلق الرحمن» من جهة أخرى. وأعلن «جيش الإسلام» استئناف عملياته ضد «جبهة النصرة» (المنضوية في هيئة تحرير الشام)، في الغوطة الشرقية. وقال في بيان إن «الحملة لملاحقة فلول العصابة المجرمة (النصرة) في أوكارها مستمرة». واعتبر محمد الشامي، الناشط المعارض أن الاقتتال الداخلي بين الفصائل، كما الحصار الذي فُرض على برزة إضافة إلى التصعيد العسكري من قبل النظام في الأيام الماضية وعدم تضمين المنطقة بإطار «مناطق تخفيف التصعيد»، كلها عوامل سرّعت من عملية تهجير برزة التي ستشمل 8 آلاف شخص. وأضاف الشامي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من المرجح أن ينسحب اتفاق المصالحة أيضاً على القابون التي تشهد حالياً هدنة ومفاوضات في هذا الإطار، فلا يعود للمعارضة في دمشق إلا حي جوبر، ومناطق جنوب دمشق لا نستبعد أن تخضع أيضاً للتهجير القسري».
وخلال مؤتمر صحافي في دمشق، اعتبر وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم أن المصالحات هي البديل عن العملية السياسية التي لم تفضِ عن أي تقدم خلال 6 سنوات من النزاع. وقال: «اليوم بدأت مصالحة برزة ونأمل القابون تليها وهناك مخيم اليرموك الذي تجري حوارات بشأن تحقيق إخلائه من المسلحين».
وشهد حي برزة معارك عنيفة بين الفصائل المعارضة وقوات النظام السوري في عامي 2012 و2013 مع اتساع رقعة النزاع المسلح في سوريا، إلى أن تم التوصل إلى هدنة في عام 2014 حولته إلى منطقة مصالحة. وشهدت دمشق خلال الأشهر الماضية تصعيداً عسكرياً في محيط الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، وتمكنت قوات النظام في بداية أبريل (نيسان) من محاصرة حي برزة وعزله عن باقي الأحياء الشرقية. ويتبع النظام منذ عام 2013، استراتيجية التصعيد العسكري الذي تليه اتفاقات لإنهاء وجود الفصائل المعارضة حول العاصمة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الباصات الخضراء تدخل برزة، كانت حافلات أخرى تغادر منطقة الفوعة وكفريا الواقعة في الريف الشمالي الشرقي لإدلب التي يقطنها مواطنون من الطائفة الشيعية، وعلى متنها نحو 20 شخصاً هم عدد من المرضى والمصابين مع مرافقين لهم، مقابل إخراج عدد مماثل من مخيم اليرموك الواقع في جنوب العاصمة دمشق، وذلك ضمن تنفيذ خطوة جديدة في اتفاق «التغيير الديموغرافي» الموقع مسبقاً الذي يشمل مضايا والزبداني وكفريا والفوعة وجنوب دمشق وريف العاصمة الجنوبي.
وعلق أحمد رمضان، الناطق باسم «الائتلاف السوري المعارض» على المستجدات في برزة واليرموك، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «استمرار عمليات التهجير يؤكد أن الحديث عن وقف إطلاق النار أو تخفيف التصعيد ليس سوى عملية خداع وتضليل تمارسها روسيا وإيران، وهدفها الاستمرار في سياسة التغيير القسري وترحيل السوريين من ديارهم لحساب مشاريع استيطانية تنفذها إيران بغطاء من روسيا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.