فتح الاقتتال المستمر منذ نحو أسبوع بين فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية وإصرار «جيش الإسلام» على استئصال «هيئة تحرير الشام»، الباب أمام واقع تداخل مناطق المعارضة المعتدلة مع «جبهة النصرة» التي لطالما شكّلت حجر عثرة وحجّة يلوّح بها كل من النظام وموسكو عند أي استحقاق سياسي.
وفي ظل المستجدات وتبدّل الوقائع ولو جزئيا، مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وبدء ظهور معالم خطّته في سوريا، إضافة إلى بدء البحث بـ«خطة روسيا» لإنشاء مناطق خاصة لتخفيف التصعيد، بدأ الحديث عن إمكانية القيام بخطوات تنفيذية للقضاء على «النصرة» في مناطق أخرى على غرار ما حصل في الغوطة، وتحديدا منطقة إدلب، حيث السيطرة الأكبر لـ«هيئة تحرير الشام»، في حين ترجّح مصادر عدّة بقاء الأمر محصورا في الغوطة وعدم توسّعه إلى مناطق أخرى، ولا سيما في غياب أي قرار دولي لغاية الآن حول هذا الأمر.
وتنتشر «هيئة تحرير الشام» التي تضم تحالفا من «النصرة» وفصائل أخرى، في شمال غربي سوريا، وتحديدا مدينة إدلب وريف حلب الجنوبي والغربي، وصولا إلى شمال حماة، وتتقاسم مع «حركة أحرار الشام» النفوذ ضمن الكثير من المناطق المتداخلة فيما بينها.
ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»: إن معركة استئصال «النصرة» على الأقل في المناطق التي تتواجد فيها بشكل محدود، قد انطلقت من «الغوطة»، مشيرا إلى أن «جيش الإسلام» اتخذ قراره النهائي لإنهاء «النصرة» بأي ثمن، في حين يقول العميد في «الجيش الحر» فاتح حسون، أن «معركة إنهاء النصرة تختلف من منطقة إلى أخرى، متوقعا أن يكون هناك إعادة تموضع للفصائل إذا ما تم الاتفاق على الاقتراح الروسي في آستانة، ومستبعدا التصعيد، مضيفا: «معركة الشمال حيث للهيئة نفوذ أساسي تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين واستعداد دقيق».
ويلفت مصدر في «الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الاقتتال بين الفصائل في الغوطة والذي يعود إلى أكثر من سنة حين أدى إلى سقوط عشرات القتلى من «جيش الإسلام»، كان هو السبب الرئيسي في عودة المعارك بين الأخير و«هيئة تحرير الشام» و«فيلق الرحمن»، مشيرا في الوقت عينه إلى أن هناك معلومات تشير إلى أن «النصرة» تحضّر لعملية عسكرية ضدّ الفصائل التي كانت محسوبة على «جيش الإسلام» في الشمال السوري بعدما بايعوا «أحرار الشام». لكنه في الوقت عينه يستبعد أي خطة لإنهاء «النصرة» في الشمال في ظل غياب أي قرار دولي، باستثناء بعض ضربات التحالف التي تستهدف من وقت إلى آخر قيادات معروفة بالنسبة إليهم، مضيفا: «على العكس من ذلك، لا نستبعد أن يتم احتواؤهم عبر إعطائهم خيار فك الارتباط عن القاعدة أو الاندماج في فصائل أخرى، وبالتالي إزالتها عن قائمة الإرهاب لتكون شريكا في أي حل في سوريا».
وبعدما كان «جيش الإسلام» قد تعهد بالقضاء على «هيئة تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها، واصفا إياها بـ«زمرة آثمة»، أعلن 11 فصيلا من «الجيش الحر» في شمال سوريا في بيان، مساندة «جيش الإسلام» في «استئصاله جبهة النصرة» من الغوطة.
ويتفق كل من الخبير في المجموعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج والخبير العسكري أحمد أبا زيد، على ترجيح فكرة اقتصار معركة قتال «النصرة» على الغوطة في المرحلة الحالية. ويقول الحاج لـ«الشرق الأوسط»: «بعد سقوط حلب والذي تتحمل (النصرة) جزءا رئيسيا من مسؤوليته، أصبح هناك انطباع عام بأن (النصرة) عبئا كبيرا على الثورة ويجب التخلص منه، وما يجري في الغوطة الشرقية يعود بجزء رئيسي منه إلى أسباب موضوعية تتعلق بممارسات (النصرة) في الغوطة ودورها في تمزيق المعارضة هناك وفي الاغتيالات، إضافة إلى أن أكثر قيادييها أردنيون، أي أجانب». ويضيف «لكن هذا لا ينفي أن يكون هناك قرار إقليمي من داعمي (جيش الإسلام) بالقيام بتطهير الغوطة الشرقية من (النصرة)، وتزامنه مع المقترحات الروسية يؤشر إلى أنه مرتبط بمخرجات (آستانة) التي تركز على محاربة النصرة و«داعش» داخل وخارج «مناطق تخفيض التصعيد» التي تمثل جوهر المقترح الروسي».
من جهته، يرى أحمد أبا زيد، أنه يصعب الحديث عن قرار واحد يحكم مختلف قيادات الفصائل وارتباطاتها الإقليمية، وبالتالي قرار موحّد في القضاء على «النصرة». ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «في الغوطة يمكن قراءة المعركة انطلاقا من الحساسية القديمة بين (جيش الإسلام) و(النصرة)، ومن ثم اعتداء الأخيرة على الجيش، وبالتالي ذات بعد سياسي ومحلي»، مضيفا: «علما بأن (جيش الإسلام) قد يفكّر بأن عقد اتفاقيات في الغوطة من دون وجود (النصرة) سيكون أسهل بالنسبة إليه، ولا سيما بعدما كانت (الجبهة) قد أفشلت الهدنة السابقة، كما أنها قد تكون ذريعة لروسيا بحكم تصنيفها من قبل بعض الدول على أنها منظمة إرهابية».
أما فيما يتعلق بإدلب، حيث التواجد الأبرز لـ«النصرة»، فيقول عبد الرحمن «موضوع إدلب أعقد بكثير، ومن الصعب تطبيق ما يجري في الغوطة التي تمثل طوقا حول رقبة النظام، عليها، ولا سيما أن إمكانية تطهيرها من (النصرة) ليست صعبة؛ إذ لا يزيد عدد مقاتليها على الـ400 شخص، ومعظم قياداتها أجنبية، هذا يجعلها في موقع ضعيف قياسا إلى القوى الموجودة في المنطقة وطبيعتها».
في المقابل، وفي حين يرى أبا زيد «أنه لا يمكن توقّع سيناريو مشابه للغوطة في إدلب بشكل خاص والشمال بشكل عام»، لا يستبعد «أن تتعرض (هيئة تحرير الشام) لضغوط دولية، ولا سيّما أن هناك بعض التوتّر بينها وبين الفصائل المعارضة، وهي ما قد تتفاقم في المرحلة المقبلة، وصولا بالتالي إلى المواجهة؛ تمهيدا لإنهاء ملفها في هذه المناطق».
معركة استئصال «النصرة» من «الغوطة» يفتح الباب على سيناريو مماثل في إدلب
خبراء لا يستبعدون وقوع المعركة رغم أنها أكثر تعقيداً وتحتاج إلى قرار دولي
معركة استئصال «النصرة» من «الغوطة» يفتح الباب على سيناريو مماثل في إدلب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة