التعدد العرقي يدخل في خضم الحملة الانتخابية بألمانيا

المحافظون يحيون الجدل حول «الثقافة السائدة» والمجتمع «التعددي»

مظاهرة لمجموعات يسارية في الأول من مايو بعيد العمال في برلين أُلقِيَت خلالها قنابل دخانية (رويترز)
مظاهرة لمجموعات يسارية في الأول من مايو بعيد العمال في برلين أُلقِيَت خلالها قنابل دخانية (رويترز)
TT

التعدد العرقي يدخل في خضم الحملة الانتخابية بألمانيا

مظاهرة لمجموعات يسارية في الأول من مايو بعيد العمال في برلين أُلقِيَت خلالها قنابل دخانية (رويترز)
مظاهرة لمجموعات يسارية في الأول من مايو بعيد العمال في برلين أُلقِيَت خلالها قنابل دخانية (رويترز)

يعود الجدل حول «الثقافة السائدة» و«التعدد الثقافي» في ألمانيا إلى العقد الأخير من القرن العشرين. وأثار فريدريش ميرتز، السكرتير العام للحزب الديمقراطي المسيحي، هذا الجدل في مطلع القرن الحادي والعشرين، أثناء فترة حكم المستشار الاشتراكي السابق غيرهارد شرودر الثانية، التي توجت بانتخابات مبكرة انتهت لصالح المستشارة الحالية أنجيلا ميركل.
ويبدو أن العزف على وتر «الثقافة السائدة»، ودغدغة المشاعر القومية للألمان، لعبت دوراً لا يُستهان به في عودة المحافظين إلى الحكم ببرلين على نهر الشباير سنة 2005، وهذا ما دفع وزير الداخلية الاتحادي توماس ديميزير لنفخ الجمرات تحت هذا الموضوع في نهاية الأسبوع الماضي. واعتبر الوزير، في مقال له نشرته صحيفة «بيلد آم زونتاغ»، الثقافة الألمانية السائدة «بندول وحدة المجتمع الألماني، وعلى المهاجرين الالتزام به».
دعا دي ميزيير المواطنين الألمان إلى التمسك بممارسة ثقافتهم السائدة من أجل الحفاظ على الوحدة الداخلية، وأضاف: «هذا ما يكوّننا، وما يفرقنا عن الآخرين». وتحدث الوزير عن 10 نقاط في الدستور تنسجم مع أطروحة «الثقافة السائدة».
وكتب دي ميزيير «لسنا برقعاً»، لأن الألماني يمد يده للمصافحة مع الآخرين. وأضاف أن ألمانيا أمة مسيحية، لكن دولتها محايدة، وهي أمة فخورة بثقافتها وباستعدادها لمساعدة الآخرين. واعتبر الشعب الألماني واعياً لمسؤولياته التاريخية والسياسية والثقافية التي تكشف انتماءه إلى الغرب.
والألمان «وطنيون واعون»، بحسب رأيه، وهذا يعني أنهم يحبون وطنهم، لكنهم لا يكرهون الآخرين. و«الذين يأتون إلى البلد ويبقون فيه، نمد لهم يد المساعد، لكن من لا يعترف بالثقافة السائدة، أو ينكرها، سيفشل في الاندماج، لأنه لا يشعر بالانتماء ولا بالاحترام لثقافتنا».
وتحول الجدل من موضوع طرحه دي ميزيير إلى مادة يلتزمها الحزب الديمقراطي المسيحي بعد أن أعلن ارمين لاشيت، نائب رئيسة الحزب ميركل، عن ترحيبه بالجدل حول الثقافة السائدة. وقال لاشيت: «لا بد من الحفاظ على وحدة مجتمعنا عبر مبادئ معينة تنسجم مع الدستور».
وكان النقاش حول الثقافة الإسلامية والاندماج والحجاب قد احتدم في ألمانيا بفعل الاعتداءات التي تعرَّضَت لها المساجد، والجالية المسلمة عموماً في هولندا، في أعقاب اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوخ سنة 2004. وزادت نبرة المعارضين لمجتمع «الثقافات المتعددة» حِدّة، التي يطرحها الحزب الديمقراطي الاشتراكي والخضر واليسار، بعد ظهور أولى بوادر امتداد أعمال العنف ضد المسلمين من هولندا إلى ألمانيا.
وسارع وزير داخلية بافاريا المتشدد غونتر بيكشتاين آنذاك للتهديد بالتسفير الفوري للمسلمين المتشددين، والتنديد بمفهوم المجتمع المتعدد الثقافات. ووصف بيكشتاين «المجتمع المتعدد الثقافات» بـ«وهم» يلاحقه الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحليفه حزب الخضر.
وأجج أدموند شتويبر، زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والمرشح السابق لمنافسة شرودر على كرسي المستشارية، الجدل حول سياسة دمج الأجانب من خلال طرحه لمفهوم «الثقافة السائدة»، في خطابه أمام مؤتمر حزبه لسنة 2004. ورد وزير الداخلية الأسبق فولفغانغ شويبلة، من الحزب الديمقراطي المسيحي «الشقيق» ووزير المالية الحالي، محاولاً تخفيف لهجة شتويبر، فقال إن مفهوم الثقافة السائدة لا يعني سوى قبول الأجانب بتقاليد الحياة الألمانية وعاداتهم.
وزاد عليه فولفغانغ بوسباخ، نائب رئيس الكتلة المسيحية في البرلمان الألماني، فقال إن على الأجانب أن يتقبلوا قيم المجتمع الألماني، وأن يعترفوا بالمساواة بين الرجل والمرأة، وأن يقروا بمبدأ الفصل بين الدولة والكنيسة.
وجاء الرد الأول على دي ميزيير من قبل كريستيان ليندنر، زعيم الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، الحليف التاريخي للحزب الديمقراطي المسيحي في حكومات القرن العشرين. واعتبر ليندنر إطلاق موضوع «الثقافة السائدة» من قبل وزير الداخلية مناورة هدفها صرف الأنظار عن الفشل على صعيد مكافحة الإرهاب.
وقال ليندنر إن الحزب الديمقراطي يفشل في رسم سياسة جديدة للهجرة على أساس حفنة من القوانين، لكنه يعيد إحياء موضوعات قديمة.
وقالت كاتيا سونديغ، نائبة ليندنر في الحزب، إنها تنتظر من الوزير دي ميزيير أن يهتم بعمله أكثر. وطالبت سونديغ بألا تتكرر الأخطاء التي حصلت في التعامل مع الإرهابي التونسي أنيس العامري، الذي قاد عملية الدهس الإرهابية ببرلين قبل أعياد الميلاد.
ومن المعروف أن هذه العملية أودت بحياة 12 شخصاً، ونفذها العامري بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه، رغم وجود مبررات كثيرة لحبسه في مراكز التسفير.
رالف تشيغنر، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وهو الحزب الحليف في حكومة برلين للحزب الديمقراطي المسيحي، تحدث عن مناورة ذات هدفين يلاحقهما دي ميزيير من وراء طرحه موضوع «الثقافة السائدة».
وأردف تشيغنر أن دي ميزيير يحاول كسب أصوات حزب البديل لألمانيا اليميني الشعبوي من جهة، ويحاول التغطية على ما يجري من أخطاء في وزارته، من جهة أخرى.
واعتبر تشيغنر الثقافة السائدة هي الدستور نفسه بتنوعاته الثقافية والحريات التي يمنحها «ولا أحد بحاجة إلى ثقافة سائدة محافظة». وذكر أن الجدل حول «الثقافة السائدة» يقسم المجتمع الألماني ولا يوحده.
بل إن روبرشت بولينتز، السكرتير العام السابق للحزب الديمقراطي المسيحي، عَبَّر عن امتعاضه من طرح الموضوع للجدل الآن. وقال بولينتز لراديو «دويتشة فونك» إن موضوع الثقافة السائدة معقد، وإنه ثبت في الماضي أن الجدل حوله لا يؤدي إلى نتيجة.
وربطت إيدان أوزغوز، مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج، بين طرح موضوع الثقافة السائدة والانتخابات أيضاً. وقالت التركية الأصل، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، إن المحافظين أخرجوا «الثقافة السائدة» من قبعة الساحر الانتخابية لأسباب دعائية بحتة.
وشارك الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في الجدل حول «الثقافة السائدة»، وقال إن الموضوع كما يطرحه دي ميزيير لا ينسجم مع مبادئ الدستور. وقال هابرماس لصحيفة «راينشة بوست»، تعليقاً على قول دي ميزيير «لسنا برقعاً»: «لا مسلمة مجبرة على مصافحة السيد دي ميزيير».
كما هو متوقَّع، وقف الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب البافاري الشقيق للحزب الديمقراطي المسيحي، إلى جانب دي ميزيير. وقال زعيم الحزب هورست زيهوفر: «أخيراً وصل الجدل إلى برلين، لأن موضوع (الثقافة السائدة) حُسِم في بافاريا منذ زمن».
وكتب المحرر السياسي في صحيفة «دي فيلت» المعروفة: «لسنا برقعاً، لكننا لسنا أحذية»! في إشارة إلى تاريخ ألمانيا العسكري.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».