النظام يحتكر رحلات السياحة الدينية إلى سوريا

المزارات الشيعية هي المورد الأكبر للسياحة التي تضررت خلال 6 سنوات

سكان احدى بلدات الغوطة الشرقية في دمشق يتفحصون تداعيات قصف طيران النظام على مستشفي محلي قبل أيام (إ ف ب)
سكان احدى بلدات الغوطة الشرقية في دمشق يتفحصون تداعيات قصف طيران النظام على مستشفي محلي قبل أيام (إ ف ب)
TT

النظام يحتكر رحلات السياحة الدينية إلى سوريا

سكان احدى بلدات الغوطة الشرقية في دمشق يتفحصون تداعيات قصف طيران النظام على مستشفي محلي قبل أيام (إ ف ب)
سكان احدى بلدات الغوطة الشرقية في دمشق يتفحصون تداعيات قصف طيران النظام على مستشفي محلي قبل أيام (إ ف ب)

وضعت حكومة النظام يدها على حركة قدوم السياح الشيعة إلى دمشق، بهدف تنظيم حركة تدفق القطع الأجنبي إلى سوريا، وشهد فندق (السفير) في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، لقاءً تشاورياً للتنسيق بين الجهات المتخصصة في حكومة النظام والمكاتب السياحية، لتنفيذ قرار سبق وأصدره مجلس الوزراء ويقضي باحتكار الشركة السورية للنقل والسياحة عملية استقدام المجموعات السياحية الدينية من إيران والعراق وباكستان والبحرين والكويت ولبنان وأفريقيا وأوروبا.
وصدر هذا القرار عقب تعرض حافلتي نقل سياح شيعة عراقيين لتفجير وسط دمشق عند مقبر باب الصغير منتصف شهر مارس (آذار) الماضي وراح ضحيته أكثر من أربعين قتيلاً ومائة جريح. ولفتت الشعارات التي طرحتها حكومة النظام في اللقاء التشاوري إلى أهمية ضمان أمن وسلامة السياح. وحملت ملصقات ومنشورات تم توزيعها على المشاركين ووسائل الإعلام عبارة «ضمان لأمنك وسلامتك من المطار إلى المطار». وذلك لتبرير احتكار عملية استقدام السياح الشيعة ووضع اليد على الدولار السياحي الذي ينفقونه.
يشار إلى أن مكاتب السياحة في العراق تقدم عروضاً تشجيعية لرحلات أسبوعية للمجموعات الدينية من العراق إلى السيدة زينب بدمشق، بتكلفة لا تتجاوز الـ450 دولاراً أميركياً للشخص الواحد لمدة 8 أيام، متضمنة أجور النقل والإقامة بفنادق منطقة السيدة زينب، الخاضعة لسيطرة الميليشيات الشيعية الإيرانية واللبنانية والعراقية الموالية للنظام. وتتضمن العروض التشجيعية ثلاث وجبات طعام يومية، مع حسم خاص للشركات، وجدول لزيارة الأماكن الدينية مثل السيدة زينب والسيدة رقية والفواطم والجامع الأموي، وجولات سياحية بسوق الحميدية وأسواق دمشق القديمة إضافة لزيارة منطقة الربوة السياحية.
علماً أن المقامات الدينية في العاصمة دمشق تحولت خلال العامين الماضيين إلى مناطق تمركز لمقاتلي الميليشيات الشيعية وعائلاتهم، وخصوصاً من إيران والعراق.
ويرى متابعون في دمشق أن إجراءات النظام باحتكار حركة القادمين الشيعة إلى سوريا، مؤشر على تململ النظام من استفحال نفوذ إيران وفرض هيمنتها شبه الكاملة على دمشق، والتي يمكن استشعارها من عدم اهتمام وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية الشيعية باللقاء التشاوري الذي عقد في السيدة زينب بين الحكومة والمكاتب السياحية. واقتصرت تغطية المؤتمر على وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام. كما لوحظ أيضاً استياء بعض أصحاب المكاتب من الإجراءات التي تقضي بإيداع الدولار السياحي في بنوك الحكومة السورية والإنفاق من خلالها، خصوصاً وان هناك فارقاً في سعر الصرف بين البنوك الحكومية والسوق السوداء ما يقارب ثلاثين ليرة للدولار، فالسعر الرسمي 520 ليرة بينما يتجاوز السعر في السوق السوداء الـ550 ليرة سورية للدولار الواحد، مما يخفض هامش ربح المكاتب السياحية إلى ما دون الحد الأدنى.
مدير عام الشركة السورية للنقل والسياحة ناصر قيدبان، قال في تصريح لوسائل الإعلام المحلية، بأن «حصرية استقدام المجموعات السياحية الدينية بمؤسّسة سياحية وطنية، سيحسّن من مستوى الخدمة المقدمة، ويساعد على توجيهها في الاتجاهات الصحيحة بعيداً عن الفوضوية».
هذا ناهيك بكون السياحة الدينية والتي تتمثل اليوم فقط بالسياح الشيعة، تكاد تكون المورد الأهم والأكبر لقطاع السياحة السورية الذي تضرر بشكل كبير خلال السنوات الست الماضية. وبحسب تصريحات قيدبان، أن الحصرية تحقق عدة أهداف، منها «تنظيم حركة تدفق القطع الأجنبي إلى سوريا، والعمل على إيداع الدولار السياحي في البنوك الحكومية، وتفويت الفرصة على المكاتب التي تتعامل حالياً مع المجموعات السياحية التي تستخدم السوق السوداء»، الأمر الذي يعني عدم وجود أية فائدة من الدولار السياحي لحكومة النظام.
وتشير إحصائيات وزارة السياحة في سوريا، إلى أن حصيلة ليالي السياحة الدينية خلال عام 2015 وصلت إلى 300 ألف ليلة، بينما بلغ عدد الليالي السياحية المحقّقة العام الماضي 2016 نحو 500 ألف ليلة، وقدر مجموع الإنفاق بحوالي 500 ألف دولار، الأمر الذي أدى إلى تنشيط الاقتصادات المحلية في مناطق المزارات الدينية لا سيما منطقة السيدة زينب التي تعد من المناطق البائسة في دمشق.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.