يختار 23 مليون ناخب جزائري، اليوم، ممثليهم بـ«المجلس الشعبي الوطني» (غرفة البرلمان الأولى)، في سادس انتخابات تشريعية تنظمها البلاد منذ إقرار التعددية السياسية والحزبية بموجب «دستور الانفتاح الديمقراطي»، الذي زكاه الجزائريون في استفتاء نظم يوم 23 فبراير (شباط) 1989.
ووضع ذلك الدستور حدا لنظام الحزب الواحد الذي كرسته «جبهة التحرير الوطني» منذ الاستقلال عام 1962. ولا تزال «الجبهة» تسيطر على الأغلبية البرلمانية، ورئيس البلاد هو نفسه رئيسها. ويتنافس على 462 مقعدا برلمانيا نحو 12 ألف مترشح، ينتمون لأكثر من 40 حزبا زيادة على بضع عشرات لوائح مرشحين مستقلين تبدو حظوظهم ضئيلة، بالرجوع إلى النتائج الهزيلة التي حققوها في آخر انتخابات جرت عام 2012.
وتشير توقعات المراقبين السياسيين، إلى احتمال قوي أن يحافظ حزبا السلطة «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، على الأغلبية. ويهيمن الحزبان أيضا على «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، وعلى المجالس الشعبية الولائية (48) والبلدية (1541).
ويشارك الإسلاميون في الاستحقاق بواسطة تكتلين، يجمع كل منهما بضعة أحزاب هما: «تحالف العدالة والبناء والنهضة» يضم «جبهة العدالة والتنمية» و«حركة البناء الوطني»، و«حركة النهضة». و«تحالف حركة مجتمع السلم»، يضم حزبا يحمل الاسم نفسه وهو أقوى حزب إسلامي، و«جبهة التغيير». وحصل الإسلاميون مجتمعين في آخر استحقاق على 50 مقعدا، ويأملون في رفع رصيدهم إلى الضعف، بحسب تصريحات قادتهم. وعانت هذه الفئة من الطبقة السياسية الجزائرية، طويلا، من الخلط بين الممارسة السياسية الإسلامية والإرهاب، على خلفية الدمار الذي أحدثته الجماعات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي، والذي خلف 150 ألف قتيل و20 مليار دولار خسائر في البنية التحتية.
ويوجد ضمن المعترك الانتخابي أحزاب محسوبة على التيار الديمقراطي العلماني، أبرزها «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (غاب عن استحقاق 2012) و«جبهة القوى الاشتراكية» (أقدم حزب معارض). والاثنان متجذران في بلاد القبائل بشرق البلاد، التي تعرف في الغالب أدنى مستويات من حيث التصويت. ويمثل اليسار الاشتراكي في الانتخابات «حزب العمال»، التي ترأسه لويزة حنون وهي أول امرأة عربية تترشح لانتخابات الرئاسة عام 2004.
ويغيب عن الاستحقاق «طلائع الحريات» بقيادة رئيس الوزراء سابقا علي بن فليس، و«جيل جديد» برئاسة الطبيب سفيان جيلالي. وقاد الثاني خلال حملة الانتخابات التي انتهت الأحد الماضي، عملا ميدانيا لتشجيع الناخبين على مقاطعة الاستحقاق، بذريعة أن نتيجته محسومة لحزبي السلطة.
ودعت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة إلى العزوف عن الصندوق، وكانت أول حزب إسلامي يفوز بالأغلبية في أول انتخابات تشريعية تعددية جرت نهاية 1991، غير أن الجيش تدخل لإلغاء نتائجها بذريعة أن الإسلاميين «سيؤسسون دولة على الطريقة الأفغانية». وكان رد فعل الإسلاميين عنيفا، إذ تشكلت جماعات متشددة رفعت السلاح ضد السلطات، وما زال الصراع بينهما قائما إلى اليوم.
واللافت أن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، يفوز عادة بانتخابات البرلمان، ففي 1997 فاز «التجمع الوطني» بالأغلبية وهو حزب الجنرال اليمين زروال، الذي ترأس الجزائر من 1994 إلى 1999. ومنذ 2002 تسيطر «جبهة التحرير» على غرفتي البرلمان، ورئيسها هو بوتفليقة.
وأبدت السلطات خلال التحضير للانتخابات مخاوف من نسبة عزوف كبيرة عن الموعد، لخشيتها من أن يوصف البرلمان الجديد بأنه «فاقد الشرعية»، كما كان الحال بعد اقتراع 2012. وقال رئيس الوزراء عبد المالك سلال إن «دعاة المقاطعة يبحثون عن التغيير بطريقة الربيع العربي، الذي جلب الخراب والويلات إلى شعوب المنطقة»، في إشارة إلى الوضع في ليبيا.
أما المعارضة المشاركة في السباق، فعبرت عن خشيتها من التزوير الذي كان، حسبها، ميزة كل الاستحقاقات السابقة. وكتب عبد الرزاق مقري، رئيس «مجتمع السلم» على حسابه في موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي أمس: «ننبه بأن التزوير الانتخابي هذه المرة ستكون عواقبه وخيمة على البلد واستقراره وربما وحدته، بالنظر إلى أن المؤسسات التشريعية معطوبة الشرعية والهيئات التنفيذية المنبثقة عنها لن تستطيع مواجهة التوترات الاجتماعية المتوقعة، التي سترافق الأزمة الاقتصادية التي بات يعترف بوجودها المسؤولون أنفسهم في ظل ظروف إقليمية ودولية خطيرة».
ودعا مقري الحكومة إلى «توفير شروط وضمانات شفافية ونزاهة الانتخابات، وتحملها المسؤولية كاملة تجاه آفة التزوير بكل أشكاله الظاهرة والخفية، وندعو إلى احترام إرادة الشعب وحماية أصواته، كما ندعو جميع المراقبين والمسخرين إداريا وقضائيا وكل مسؤول له علاقة بالانتخابات، إلى الاستجابة لضمائرهم وعدم الخضوع للضغوط أو المصالح والعلاقات الشخصية».
مشيرا إلى أن «هذه الانتخابات تعتبر، رغم كل المخاوف، فرصة تاريخية لتحقيق التوافق بين الجزائريين لمعالجة كل الأزمات وتحقيق هناء الجزائر ونمائها، من خلال انتقال اقتصادي وسياسي ناجح نكون نحن أحد أهم صانعيه إذا اختارنا الناخبون لذلك». وتابع: «ندعو الشعب الجزائري إلى الخروج بكثافة للتصويت يوم 4 مايو (أيار)، أداء للواجب وتحقيقا للتغيير المنشود وضمانا للنزاهة والشفافية وتعزيزا للديمقراطية، من أجل نهضة البلد ورفاه شعبه».
الجزائر تختار اليوم سادس برلمان تعددي
40 حزباً يتنافسون بـ12 ألف مرشح... وهاجس المقاطعة يؤرق الحكومة
الجزائر تختار اليوم سادس برلمان تعددي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة