الطريق الصعب لتطوير «مثلث ماسبيرو» في قلب العاصمة المصرية

قيمة أرض المشروعات المقترحة 12 مليار دولار و26 شركة على القائمة

منطقة «مثلث ماسبيرو» وسط العاصمة المصرية  («الشرق الأوسط»)
منطقة «مثلث ماسبيرو» وسط العاصمة المصرية («الشرق الأوسط»)
TT

الطريق الصعب لتطوير «مثلث ماسبيرو» في قلب العاصمة المصرية

منطقة «مثلث ماسبيرو» وسط العاصمة المصرية  («الشرق الأوسط»)
منطقة «مثلث ماسبيرو» وسط العاصمة المصرية («الشرق الأوسط»)

تقرأ ابتسام، وهي بائعة خضراوات وربة منزل، الصحيفة؛ بحثا عن أخبار جديدة حول هذه القضية. هنا، في ضاحية «مثلث ماسبيرو» في قلب العاصمة المصرية القاهرة، يدور صراع بين السكان الفقراء البالغ عددهم نحو 4.5 ألف نسمة، في مواجهة طموحات لأكثر من 26 شركة استثمارية محلية وأجنبية. وتختصر المرأة الكلام، وهي تطالع الأخبار من ظهر الصحيفة: «الشركات تريد أن تستثمر على الأرض التي فيها بيوتنا، ونحن نريد تعويضا مناسبا، إنها تساوي ثروة».
تبلغ مساحة الأرض التي يوجد بها مئات عدة من العمارات القديمة، نحو 72 فدانا، وتقدر قيمتها بنحو 12 مليار دولار، وتقع على كورنيش النيل، جوار منطقة الفنادق والمؤسسات الكبرى. وتدخلت الحكومة لحل المشكلة، من خلال خطة لتعويض السكان من جانب، وفتح المنطقة للتطوير والتحديث من جانب آخر، إلا أن الأمور لم تحسم بعد.
وتقع الأرض ضمن ضاحية «بولاق أبو العلا» التاريخية، ذات الحواري الضيقة والبيوت الآيلة للسقوط، والسكان المعوزين. ويوجد فيها أيضا، لكن على الجانب المطل على كورنيش النيل، مقرات ثرية، مثل مبنى التلفزيون، ووزارة الخارجية، والقنصلية الإيطالية، ومجموعة أبراج حديثة.
ويقول النائب في البرلمان المصري، محمد المسعود، لـ«الشرق الأوسط»: يوجد اقتراح لحل مشكلة السكان القدامى لـ«مثلث ماسبيرو» وهو أن تقوم الحكومة بتخصيص 11 فدانا من إجمالي الأرض التي سيجري الاستثمار عليها، وذلك لبناء أبراج لأهالي المنطقة... «تتكفل الحكومة بإقامة السكان في مكان آخر، حتى تنتهي من إعادة تخطيط (مثلث ماسبيرو) وبناء العقارات فيه، ثم تعيد تسكينهم في الأبراج. هذا لن يكلف الحكومة كثيرا من الأموال، حيث يمكن استقطاع هذه المبالغ من قيمة الأموال التي ستستثمر من جانب رجال الأعمال في عموم الموقع».
من جانبها، تحاول حكومة المهندس شريف إسماعيل، حاليا، إقناع السكان بالحصول على تعويضات مالية، والانتقال إلى مناطق جديدة، وتخصيص نحو أربعة مليارات جنيه (نحو 220 مليون دولار)، من أجل «الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم» في «مثلث ماسبيرو». إلا أن السكان لديهم شروطهم الخاصة، مثل زيادة قيمة التعويضات، وضمان العودة للسكن في المنطقة نفسها بعد تطويرها. كما تسعى الحكومة، وفقا لمصدر في مجلس الوزراء، للضغط على المستثمرين من أجل الانتظار قليلا حتى تتم معالجة المشكلة مع سكان «مثلث ماسبيرو».
ويقول محمد أشرف، من شباب اللجنة الشعبية لأهالي بولاق أبو العلا: إن «زحف المباني العصرية، وبخاصة من جهة كورنيش النيل، جعل المنطقة برمتها مغرية للمستثمرين العقاريين». وتقدم المسعود باعتباره نائبا عن دائرة «بولاق أبو العلا» ببيان عاجل للحكومة، بعد أن سقطت أربعة عقارات في المنطقة ذات المباني الآيلة للسقوط أصلا. ودعا الحكومة إلى ‏الكشف عن خطتها لتطوير منطقة «مثلث ماسبيرو» بما يضمن تحقيق العدالة.
وتمتاز المنطقة بالعبق التاريخي، حيث كانت قديما مركزا للجيوش الفرنسية أيام حملة نابليون بونابرت على مصر، وفيما بعد أصبحت مقرا مفضلا للكتاب والموسيقيين والفنانين. وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جرى إقامة مبنى التلفزيون الحكومي المعروف باسم «ماسبيرو» نسبة للمنطقة، وتوسيع طريق الكورنيش المواجه له. وفي المقابل، ضربت يد الإهمال الحواري الخلفية بجدرانها العتيقة. وفي العقود الأخيرة، أضاءت الأبراج الحديثة كورنيش «مثلث ماسبيرو»، بينما ظلت الخلفية كئيبة.
«مثلث ماسبيرو» هو جزء من ضاحية «بولاق أبو العلا» التي كانت أثناء الحملة الفرنسية على مصر، عام 1798 مكانا استراتيجيا لجيش نابليون بونابرت للانطلاق إلى محافظات الشمال والشمال الغربي. وخلال إقامتهم القصيرة فيها، أثَّر الفرنسيون على حياة أبناء الضاحية فظهرت المسارح ومنتديات اللهو وصالونات الأدب والثقافة، إلى جانب المباني الضخمة ذات النوافذ الطويلة والطرز المماثلة لتلك الموجودة في المستعمرات الفرنسية.
وثار أهل «بولاق أبو العلا» ضد الفرنسيين باستخدام النبابيت، وسقط من أبناء الضاحية أعداد كبيرة من القتلى بسبب اعتماد الفرنسيين على قوة نيران الأسلحة. وتمكنت «بولاق أبو العلا» من العودة للحياة مرة أخرى من خلال حركة كبرى لإقامة المسابك والمصانع وورش النجارة الحديثة بمقاييس ذلك الزمان. وظهرت فيها مطبعة فريدة ومصنع للورق ومبان حكومية ومركز ضخم لتبييض الأقمشة.
وما زالت الكثير من المنشآت القديمة قائمة حتى اليوم، بما فيها «متحف المركبات» و«سينما علي بابا»، بينما يبحث الأهالي عن مخرج وهم يتلمسون المستقبل تحت أضواء المقاهي ودكاكين الملابس وضجيج الوِرش. ومن خلال اجتماعات عقدت في داخل الضاحية، ولقاءات أخرى جرت داخل مكاتب حكومية، بدا أن هناك تفهما من أطراف المشكلة، من أجل التوصل إلى حل.
ويرتكز هذا التفهُّم على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر منذ تخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن سلطاته تحت ضغط المظاهرات الشعبية في 2011، وخرج جانب من هذه المظاهرات من هذه المنطقة الفقيرة نفسها؛ أملا في غد أفضل.
والتوافق على حل لا يعني أنه من السهل الوصول إليه. وبكل بساطة يقول المحامي محمد جمال، الممثل لأحد المستثمرين المتطلعين لبناء أبراج سكنية وإدارية في «مثلث ماسبيرو»: «نريد المشاركة في تطوير هذا المكان، وهذا سيؤدي إلى إنعاش الاقتصاد المصري». لكن في المقابل يوضح أيمن أبو العلا، وهو محاسب من رابطة الشباب المدافعين عن حقوق سكان المنطقة، قائلا: «لا مانع لدينا من التطوير، إلا أنه لا بد من الوفاء بمتطلبات أربعة آلاف من أهالي مثلث ماسبيرو قبل أي تسوية مع المستثمرين».
من جانبها، تسعى الحكومة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وإقناع السكان بعدالة التعويضات المعروضة لإخلاء البيوت المتهالكة التي يستأجرونها أو يملكونها منذ زمن طويل. وتبدو الحكومة مرنة في هذا الشأن أكثر من أي وقت مضى. وتقول، وفقا لبيان صدر مطلع الشهر الماضي، إنه ليس لديها مانع من النظر في بدائل عدة، من بينها تعويض شاغلي الوحدات ماديا، والحصول على وحدات بديلة، سواء كان ذلك داخل المنطقة أو خارجها.
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، بدأت آلة العمل في فتح الكثير من المشروعات، سواء المشروعات الجديدة، مثل مد الطرق وتوسيع قناة السويس، وإقامة عاصمة إدارية، أو تلك التي كانت موجودة على الورق منذ سنين، ومنها خطة تطوير «مثلث ماسبيرو»، وإعادة النظر في منظومة الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه. ويجلس المحاسب أيمن في المساء على مقهى في مواجهة واحد من أقدم المساجد في مصر، وهو مسجد السلطان أبو العلا، الذي جرى تشييده عام 1485م، ويقع بجواره الآن برج وزارة الخارجية المطل على النيل. ويقول: «لم نصل لاتفاق بعد مع الجهات المسؤولة بشأن قيمة التعويضات التي ترضي الأهالي».
وبين حين وحين تترك ابتسام الخشبة التي تعرض عليها الخضراوات، وتنتقل لجيرانها لتقرأ خبرا جديدا عن مجريات التسوية. وفي أجواء يبدو أنه يهيمن عليها الإرهاق من ارتفاع الأسعار والركود، مع الشعور بقلة الحيلة، بعد نحو ست سنوات من خروج مبارك من الحكم، يحاول أهالي بولاق أبو العلا، عدم الدخول في صدام مع السلطات أو مع ممثلي المستثمرين، كما كان الحال في عام 2007.
على جدران ورشة في داخل الضاحية من ناحية شارع الجلاء وميدان عبد المنعم رياض الشهير، ما زالت توجد آثار لكتابات قديمة تعود لعشر سنوات مضت، تقول: «لا للتهجير»، ما يعني أن مشكلة تطوير المنطقة قديمة وليست وليدة اليوم.
ويقول جمعة، الذي ورث الورشة عن والده: «في السابق كنا نعتمد على أحزاب المعارضة وصحف المعارضة في إثارة القضية للحفاظ على حقوقنا، لكن اليوم الأوضاع تغيرت... حتى الوقفات الاحتجاجية التي كنا نقوم بها ضد خطط ترحيلنا من هنا، في عهد مبارك، لم نعد نقوم بها. نحن انتخبنا الرئيس السيسي، والعروض التي تقدمها لنا الحكومة أفضل مما كان عليه الحال في السابق، لكنها ما زالت غير كافية».
ويفكر الكثير من أرباب الحرف والعمال والموظفين، ممن يعيشون هنا منذ عشرات السنين، بالطريقة نفسها تقريبا. ويقترن الحديث عن تعويضات الحكومة المقترحة، بشكوى أهالي «بولاق أبو العلا»، أو بالأحرى «مثلث ماسبيرو»، من ارتفاع أسعار السلع والخدمات في عموم البلاد، مع مشاعر تعكس مدى ارتباط الناس هنا بمنطقتهم، حتى لو كانت البيوت التي فيها أصبحت آيلة للسقوط.
من بين المقترحات الحكومية أن يتم نقل السكان إلى ضاحية جديدة أقامتها الحكومة في عهد السيسي، تسمى «الأسمرات»، وتقع بجوار هضبة المقطم جنوب شرقي العاصمة. بيد أن تغيير محل الإقامة يرتبط عادة بمقار العمل وبالحنين إلى مكان الصبا وبالجيران... فمن يدير ورشة لإصلاح السيارات في قلب القاهرة، لن يتمكن من ذلك في أطراف العاصمة. ومن كان قد اعتاد على جيران سيبدأ في التعرف إلى جيران جدد.
ويقول النائب المسعود: إن «سكان مثلث ماسبيرو موجودون في أهم وأغلى منطقة في القاهرة. ومن أجل تغيير مكان سكن أحدهم، لا بد من توفير الحياة نفسها التي يعيشها في قلب العاصمة... الأمر لا يتعلق بتغيير الحجارة أو بتغيير المكان، لكنه يتعلق بحياة وبتاريخ». ويعود قائلا: «لهذا أرى أن الحل ليس في نقل الأهالي، ولكن في إقامة خمسة أو ستة أبراج رأسية لإعادة توطينهم في هذا المكان نفسه».
وترتبط المفاوضات بين الحكومة، والمستثمرين، وأهالي «مثلث ماسبيرو»، أساسا بقانون إيجارات العقارات في مصر، والمعروف باسم «القانون القديم» الذي لا يضع حدا أقصى لمدة الإيجار، ويعطي الحق لمؤجر العقار في توريثه لأبنائه. ويعد هذا القانون من الأعباء التي ورثها السيسي من عهود الحكم السابقة. ولم يتمكن مبارك من إلغاء قانون الإيجارات القديم تحاشيا للغضب الشعبي، وقام في المقابل باستحداث قانون جديد في أواخر تسعينات القرن الماضي، ويعرف باسم «قانون الإيجارات محددة المدة».
ويمنع القانون القديم طرد المستأجر. ولهذا ما زالت توجد عقارات في القاهرة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، ولا تزيد قيمة إيجارها الشهري عن بضعة دولارات. كما أفرزت هذه الحالة وجود ملاك عقارات في ضواحٍ ثرية، لا يتقاضون إلا مبالغ زهيدة بسبب تأجيرها منذ زمن طويل، ومن بينها ضاحية الزمالك التي لا يفصلها عن «مثلث ماسبيرو» إلا نهر النيل.
وتحاول الحكومة في العهد الحالي، بالتشاور مع عدد من نواب البرلمان، إدخال تحسينات على مشكلة القانون القديم بتخصيص نسبة زيادة سنوية على الإيجارات، لكن يبدو أن هذا غير كاف وغير قادر على مجاراة التحولات الكبيرة التي شهدتها سوق العقارات، مقارنة بما كان عليه الحال أيام العمل بالدستور ذي الطابع الاشتراكي والقوانين المنبثقة عنه، بما فيها قانون الإيجارات الصادر في سبعينات القرن الماضي.
وجرى إلغاء المواد الاشتراكية من الدستور في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، لكن الكثير من القوانين التي تعبر عن روح الدستور القديم، ما زال لها أثر. وتراوح نسبة الإيجار في معظم المساكن العتيقة في ضاحية «بولاق أبو العلا»، ما بين خمسة جنيهات وخمسة عشر جنيها (أقل من دولار) في الشهر، بينما أصبحت القيمة السوقية للمتر المربع في هذه المنطقة، كما يقول النائب المسعود: «لا تقل عن 100 ألف جنيه (نحو 5.5 ألف دولار)، فأنت تتحدث اليوم عن منطقة حيوية ومهمة جدا».
وتكمن مشكلة التسوية التي ترعاها الحكومة بين المستثمرين من جانب، والسكان من جانب آخر، في هذه «العقدة»؛ أي عقدة الإيجارات القديمة. وباع معظم الملاك الأصليين للأراضي والعمارات عقاراتهم العتيقة لشركات كبرى من الخليج ومن مصر، وهي الشركات التي سيقع عليها عبء تطوير المنطقة.
إلا أن بقاء المستأجرين الفقراء في هذه المباني المتهالكة، تحت حماية من «قانون الإيجار القديم»، ما زال يمنح السكان ورقة تفاوض قوية، وبالتالي يعيق انطلاق العمل للهدم، وإعادة التخطيط، وإقامة الأبراج السكنية الجديدة، والمراكز التجارية، والمباني الإدارية العصرية. ويقول النائب المسعود: «توجد 26 شركة ومستثمرا غير قادرين على بدء العمل بسبب قضية المستأجرين».
وتستأجر ابتسام شقة عبارة عن غرفة وصالة في الطابق الثاني، بسبعة جنيهات في الشهر... «استأجرتها منذ 35 سنة». ويقع منزل ابتسام في عمارة متهالكة، من طابقين. ويعود تاريخ بناء هذه العمارة، مثل غالبية العقارات التاريخية في «مثلث ماسبيرو» إلى أكثر من مائة سنة. ويمكن أن ترى من شرفتها، برج وزارة الخارجية الفخم. ويقول أشرف وهو يستعرض مكاتبات مع جهات عدة على هاتفه المحمول: «نريد تسوية عادلة... نحن متحمسون للتطوير، لكن بعد ضمان حقوق السكان».
ومنذ مطلع تسعينات القرن الماضي بدأت الحكومة خطة لتطوير منطقة «بولاق أبو العلا»، إلا أن معظم أعمال التطوير هنا اقتصرت على المواقع المطلة على الكورنيش. وحين تعرضت القاهرة لهزة أرضية في عام 1992، كانت المنطقة القديمة من أكبر المتضررين، بيد أن أعمال الترميم لم تتمكن من إعادة المباني إلى ما كانت عليه. ومن جانبه، يقول المحاسب أيمن: «رابطة شباب مثلث ماسبيرو تشكلت عام 2008، وتمثل السكان أمام الجهات الحكومية. ونحن نوافق على التطوير، لكن بما يحفظ حق الأهالي».
وبينما هاجر المقتدرون، طواعية، إلى أماكن أخرى، ظل المكان ملجأ للفقراء والمعوزين، رغم تهالك المباني وتشقق جدرانها. ويقول صالح الذي يدير متجرا صغيرا تحت بيته المسقوف بالخشب والمطلي بالجير: «نحن نعيش في رعب. أخاف من انهيار البيت على رأسي إذا شعرت بزلزال، وأخاف إذا جاء المطر. وأخاف إذا مرت طائرة من فوقي».
ويستأجر جابر، المتخصص في إصلاح الدراجات الهوائية، غرفتين وصالة، بتسعة جنيهات في الشهر. والمنزل يقع في عمارة من طابقين. وورث الشقة عن والده. ويمكنك، من النافذة، أن ترى رأس فندق هيلتون رمسيس المطل على الكورنيش. ويقول: «كل سنوات عدة تخرج الأخبار عن مساع لتطوير هذه المنطقة... نحن على هذا الحال من القلق منذ عشرين سنة ويزيد. واليوم نرى الموضوع يطرح مرة أخرى. وإذا نقلوني من هنا إلى ضاحية الأسمرات، فمن أين أدبر كلفة الإيجار الباهظة، ربما تصل إلى 300 جنيه في الشهر، مقارنة بما أسدده من إيجار هنا. ثم إن زبائني من أبناء المنطقة. الخلاصة أنا كالسمكة إذا خرجت من هنا أموت».
وتعتمد الأسر الفقيرة في المنطقة على إعانات شهرية من الحكومة تبلغ في المتوسط نحو 600 جنيه. وتقول «رابطة الدفاع عن أهالي بولاق أبو العلا، ومثلث ماسبيرو»: إن الحكومة إذا كان لديها نوايا للتطوير فلا بد أن تراعي الحالة الاجتماعية للمواطنين؛ لأن 89 في المائة من السكان هنا يعيشون بمتوسط إيجار للسكن، سبعة جنيهات في الشهر، ونحو 90 في المائة من الـ4600 أسرة من أبناء المنطقة يعيش كل منهم في غرفة واحدة. ويقول النائب المسعود: «نأمل من الحكومة، وهي تعالج هذا الموضوع، أن تراعي البعدين الاجتماعي والمادي للسكان».
ومن آخر التفاهمات التي يجري البحث فيها بين جهات حكومية ومستثمرين وأهالي «مثلث ماسبيرو»، بناء 64 عمارة للسكان المتضررين على أن تكون في جهة شارع 26 يوليو (تموز)، أي في جانب من الضاحية نفسها، بينما يحصل المستثمرون على المنطقة المواجهة لكل من شارع الجلاء وكورنيش النيل.
وتقول رابطة الدفاع عن أهالي «مثلث ماسبيرو»: هذا من آخر الحلول المطروحة، لكنه يتوقف على موافقة جميع الأطراف على اللجنة التي ستضع تقييما لقيمة الأرض، وحصة السكان منها، والتزاماتهم فيما يتعلق بتملك الشقق في العمارات التي سيتم بناؤها لهم، أي كما يقول أيمن، في المنطقة الممتدة من الفالوجة حتى مبنى القنصلية الإيطالية، ومن آخر شارع 26 يوليو، حتى ما بعد متحف المركبات وسينما على بابا.
ويوضح ممثل لأحد المستثمرين، أن «إحياء المنطقة سيعود بالخير على الجميع. سنخصص أماكن للحدائق وسنفتح شوارع واسعة، وسنقيم برجا إداريا تحته مرآب واسع للسيارات». وتقول ابتسام وهي تطوي الصحيفة وتعود لطاولتها: «سأنتظر لأرى ما يكتبونه غدا».



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».