روسيا تطرح «المناطق الهادئة» بديلاً للمناطق الآمنة في سوريا

الخطة تشمل 4 مناطق وتضم معابر للمدنيين... ووحدة رصد للخروقات

طفلة سورية نازحة إلى بلدة أعزاز (شمال حلب) تحتضن دميتها أمام جدار دمرته المعارك (أ.ف.ب)
طفلة سورية نازحة إلى بلدة أعزاز (شمال حلب) تحتضن دميتها أمام جدار دمرته المعارك (أ.ف.ب)
TT

روسيا تطرح «المناطق الهادئة» بديلاً للمناطق الآمنة في سوريا

طفلة سورية نازحة إلى بلدة أعزاز (شمال حلب) تحتضن دميتها أمام جدار دمرته المعارك (أ.ف.ب)
طفلة سورية نازحة إلى بلدة أعزاز (شمال حلب) تحتضن دميتها أمام جدار دمرته المعارك (أ.ف.ب)

فاجأت روسيا المعارضة السورية باقتراحها 4 «مناطق هادئة» مع قوات فصل، تمهيدا لمعركة «طرد» تنظيمي «داعش» و«النصرة» من المناطق السورية، كما تنص الورقة التي ستكون طبقا أساسيا على طاولة مؤتمر «آستانة» الذي سينعقد غدا في العاصمة الكازاخية.
وأعطت الفصائل المسلحة الـ15 التي ستشارك في المؤتمر «موافقة مبدئية» على المقترح، لكنها طالبت بتوضيحات حول احتمال مشاركة إيران في قوات الفصل، فيما بادرت قوى معارضة أخرى إلى محاولة سحب فتيل المواجهة مع «النصرة» بمحاولة وضع اسم «القاعدة» بدلا منها. وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماعا تحضيريا عقد في أنقرة بين الفصائل المسلحة ومبعوثين روس، بحضور تركي، طرحت فيه الورقة التي قدمتها موسكو إلى الجانب التركي أولا، ثم إلى الفصائل المعارضة التي أعلنت «موافقة مبدئية»، بانتظار مباحثات جديدة بين الفصائل. وقال المصدر إن أنقرة لم تبد رأيا في المقترح، لكنها تؤيد «كل ما يمنع قتل مزيد من الأشقاء السوريين».
وقال مصدر في المعارضة السورية شارك في الاجتماع إن الروس والأتراك «طلبوا موافقة فورية على النص المقترح»، مشيرا إلى أن الجانب التركي ترك الخيار للمعارضين، لكنه رأى أنه ليس هناك ما يخسرونه من الموافقة، باعتبار أن المقترح قد يكون إيجابيا إذا ما طبق. وأشار المصدر إلى أن ثمة ملاحظات يتم تدارسها بين الفصائل لتعديل المقترح من بينها استبدال اسم «النصرة» باسم «القاعدة» في محاولة من الفصائل على ما يبدو لمنع تفجر قتال معها قبل أوانه («جبهة النصرة» فكت ارتباطها عن «القاعدة» العام الماضي). وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن المعارضة تريد توضيحات بشأن قوة الفصل ومن سيشارك فيها، مؤكدا أنها لن تقبل أبدا بقوات إيرانية.
وعشية انطلاق الجولة الرابعة من مفاوضات آستانة، تم تسريب الورقة الروسية التي تتضمن خطة لإنشاء «مناطق تخفيف التصعيد في سوريا بين المعارضة والنظام» بما يبدو أنّها محاولة واضحة من موسكو لسحب بساط «المناطق الآمنة» من تحت أقدام واشنطن، وهو ما تدركه تماما قوى المعارضة السورية التي لا تزال تتعاطى بريبة مع المقترح الجديد.
وأعلن أكثر من طرف في المعارضة، أمس، أن عددا كبيرا من الفصائل قرر المشاركة في «آستانة 4»، وقد توجه لهذه الغاية، يوم أمس الاثنين، وفد إلى كازاخستان. وتحدث مصدر معارض معني بالملف لـ«الشرق الأوسط» عن تغيير في خريطة الفصائل المشاركة في المفاوضات، لافتا إلى أن الفصائل الرئيسية التي ستشارك في «آستانة 4»، هي تلك المنضوية في «درع الفرات» وبالتالي المقربة من تركيا، كما تلك المنضوية في «الجبهة الجنوبية» والمقربة من الأردن. وأكد أحمد رمضان، عضو الائتلاف المعارض لـ«الشرق الأوسط» مشاركة محمد علوش ممثل «جيش الإسلام» بإطار وفد يضم كلا من: أحمد بري، وأحمد عثمان، وياسر الفرحان، ويحيى العريضي، وممثلين عن فصائل الجبهة الجنوبية، فيما لم يعرف موقف «حركة أحرار الشام» التي حضرت اجتماع أنقرة.
وكشف المصدر أن «موسكو بعثت يوم الأحد الماضي بورقة إلى فصائل المعارضة سيتم بحثها في الجولة الجديدة من المفاوضات في آستانة، بهدف التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بعدما فشل بنظر الروس الاتفاق الأخير وأثبت عدم فعاليته»، لافتا إلى أن الورقة تتضمن 9 بنود تلحظ وبشكل أساسي إنشاء مناطق سمتها «مناطق تخفيف التصعيد» وتشمل محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا، على أن يُمنع فيها استخدام أي من أنواع الأسلحة، بما فيها طائرات النظام. وتلحظ الخطة الروسية الجديدة، إنشاء خطوط فاصلة على طول حدود المناطق المذكورة: «مع إمكانية إنزال المجموعات العسكرية للدول الضامنة لأجل الإشراف على مراعاة وقف الأعمال القتالية». وفي الجانب الإنساني، تتحدث الورقة عن تأمين مرور المدنيين بين المناطق المختلفة وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة تهيئة البنى التحتية، وتوفير متطلبات الحياة اليومية للناس.
ونقل موقع «روسيا اليوم» عن فاتح حسون عضو وفد الفصائل المسلحة ووفد الهيئة العليا للتفاوض، قوله: «لم يتم تحديد الدول التي ستشارك في تلك القوات التي سيتم نشرها على خطوط التماس بين طرفي الصراع في سوريا»، لكنه أكد أن الدول المشاركة بقواتها ستكون «محايدة وغير مشاركة بالمعارك الجارية حاليا في سوريا».
وإذ أكد حسون أنّه «في حال تمت الموافقة من قبل أطراف الصراع على اقتراح موسكو، فسيتم إنشاء مجموعة عمل، وهي التي ستختار بدورها الدول التي ستشارك في تشكيل تلك القوات»، عدّ أن «روسيا ضامن لبدء العملية السياسية والاتفاقات التي تم التوصل إليها مع النظام السوري، وذلك يتطلب من المجتمع الدولي تدخلا أكبر في محادثات آستانة».
وأوضح عبد الرحمن الحاج، المعارض السوري المطلع على تفاصيل الورقة والحركة المستجدة على هذا الصعيد، أن أنقرة اقترحت أن تكون منطقة الفصل التي تتحدث عنها الخطة من اثنين من الكيلومترات، كما أن يتم ضم مناطق أخرى إلى المناطق المذكورة، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الفصائل لا تقبل ببند أساسي وارد في الورقة لجهة اعتماد القوات الإيرانية، باعتبار إيران إحدى الدول الـ3 الضامنة، كقوات فصل، وأضاف: «هذه القوات قوات عدوة ووجودها في مناطق الفصل سيؤدي لعزل مناطق المعارضة وتثبيت مبدأ التقسيم والكونتونات فعليا على أرض الواقع».
وعدّ عبد الرحمن أن ما تسعى إليه موسكو من خلال مقترحها الجديد، هو «القيام بعملية استباقية للإطاحة بفكرة المناطق الآمنة والتي هي حاليا مشروع أميركي»، لافتا إلى أن الروس «قد يكونوا أعدوا ورقة تفصيلية أخرى سيتم تقديمها خلال الاجتماعات في كازاخستان».
من جهته، عدّ أحمد أبا زيد، الباحث والكاتب السوري، أن روسيا تحاول ومن خلال خطتها الجديدة التي أطلقت عليها عنوان: «إنشاء مناطق تخفيف التصعيد في سوريا بين المعارضة والنظام»، «سحب ملف المناطق الآمنة من الأميركيين من خلال وضعه استباقيا على طاولة البحث في آستانة»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «احتمالات التوصل لاتفاق بشأنه ضئيلة جدا، بخاصة أن الفصائل تراهن على تغيير أكبر بالموقف الأميركي، أضف إلى أن الانقسامات داخل كيان الفصائل والصراعات الداخلية فيما بينها، كبيرة، وتقلل فرص الوصول إلى اتفاق على مخرجات آستانة 4».
أما أبو علي عبد الوهاب، القيادي في «جيش الإسلام» في إدلب، فاستغرب طرح ملف بهذه الأهمية على طاولة «آستانة» التي تقاطعها معظم قوى المعارضة، لافتا إلى أنه وبعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون وبعدها الفيتو الروسي في مجلس الأمن، كان هناك قرار واضح من قبل الفصائل بأن «آستانة انتهت». وقال عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نتعاطى في آستانة مع موسكو كطرف ضامن وهي بالحقيقة إلى جانب إيران تقتل الشعب السوري؟». وأوضح أن التعويل اليوم هو على «عودة الأميركيين إلى الملف السوري، ما سيؤدي حتميا لتغيير بموازين القوى القائمة حاليا على الأرض».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».