دائما ما يتذكر الجميع اللاعب الذي يسدد الركلة الترجيحية الأخيرة من ركلات الجزاء، فإذا ما أخفق في إحرازها فإنه غالبا ما يقف عند نقطة الجزاء وينظر إلى السماء بحسرة، أما إذا نجح في تحويلها إلى هدف فإنه يركض نحو زملائه رافعا قميصه على رأسه ومغمضا عينيه من فرحة ما حدث. ومساء الثلاثاء الماضي، نجح نادي آينتراخت فرنكفورت في الفوز بركلات الجزاء الترجيحية والتأهل لنهائي كأس ألمانيا، ولم يكن بطل هذه المباراة هو حارس المرمى الذي تصدى لركلة جزاء حاسمة أو حتى اللاعب الذي أحرز ركلة الجزاء الأخيرة، ولكن البطل هذه المرة كان مدافع فرنكفورت، ماركو روس.
سار روس نحو نقطة الجزاء ليسدد ركلة الجزاء العاشرة، مع العلم بأن الركلات التسع السابقة كانت قد أحرزت بنجاح، وكان هدفه واضحا لا لبس فيه، فإما إهدار ركلة الجزاء وخسارة فريقه للمباراة أو إحرازها لتستمر ركلات الجزاء ويعطي فرصة للاعب آخر لكي يحرز الركلة الحاسمة. وتقدم روس ووضع الكرة في الشبكة بينما ذهب حارس مرمى غلادباخ إلى الاتجاه الآخر. وبعدما ضمن أن الكرة قد تجاوزت خط المرمى، عاد روس بهدوء إلى زملائه في الفريق بعدما أدى مهمته على أكمل وجه.
وأصبحت النتيجة التعادل بخمس ركلات لكل فريق، واستمرت ركلات الترجيح وتم إحراز الركلتين التاليتين، قبل أن تضيع ركلتان أخريان. وفي النهاية تأهل نادي فرنكفورت ولاعبه روس إلى المباراة النهائية لكأس ألمانيا، وهو الهدف الذي كان يبدو صعب المنال للغاية قبل عام من الآن.
وبالعودة إلى 30 أبريل (نيسان) 2016، كان نادي آينتراخت فرنكفورت يواجه دارمشتاد في مباراة حاسمة في صراع الهروب من منطقة الهبوط من دوري الدرجة الأولى الألماني (البوندسليغا). وتأخر فرنكفورت بهدف قبل أن يرد بهدفين ويفوز بالمباراة ويحتفل بهذا الانتصار المهم. لكن الدراما الحقيقية بدأت تتكشف بعد انتهاء المباراة، حيث خضع قائد فرنكفورت روس لاختبار روتيني للكشف عن المنشطات، وربما كان لهذا الاختبار دور حاسم في إنقاذ حياته.
وبعد نحو أسبوعين وبينما كان فرنكفورت يستعد للمباراة الأولى ضمن المباريات الفاصلة التي ستحدد الفرق الهابطة لدوري الدرجة الأولى أمام نادي نورنبرغ، تلقى فرنكفورت إخطارا من الوكالة الألمانية لمكافحة المنشطات يشير إلى أن نتائج الاختبار الذي خضع له روس جاءت إيجابية. وأصر اللاعب على أن هناك خطأ في الأمر، لكن الاختبار أشار إلى أن هناك مستويات عالية من هرمون النمو «إتش سي جي»، وهو مؤشر على استخدام عقاقير لتنشيط الأداء. ومع ذلك، كان الشيء المثير للقلق يكمن في أن مثل هذه النتائج قد تكون أيضا مؤشرا محتملا لوجود ورم سرطاني. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، أوصت وكالة مكافحة المنشطات بأن يخضع روس لفحص سريري.
وسرعان ما أصبح واضحا للغاية أن الأمر ليس له علاقة بتناول المنشطات، ولكنه سيكون متعلقا بأطباء الأورام، حيث أكدت الفحوصات وجود ورم حاد. وفي غضون ساعات قليلة، انتقل روس من التركيز على محاولة إبقاء الفريق، الذي يعشقه وقضى بين جدرانه معظم سنوات عمره، في الدوري الألماني الممتاز إلى متهم بتناول المنشطات ثم إلى مصاب بسرطان الخصية.
وكان من الممكن أن يسامح الجميع روس في حال عدم تركيزه في كرة القدم بسبب ما حدث له، لكنه ظل مهتما للغاية بالمباراة المقبلة إمام نورنبرغ. وفي مساء اليوم التالي، وبعدما أعلن النادي رسميا عن إصابته بالسرطان، قاد روس آينتراخت فرنكفورت أمام 51 ألف متفرج في مواجهة نورنبرغ في مباراة حاسمة في إطار الجولة الفاصلة لتحديد الفرق التي ستهبط من الدوري الألماني الممتاز.
وكانت المباراة حماسية وغلب عليها الطابع التكتيكي، كما هو الحال في مثل هذه المباريات المصيرية. وتأخر فرنكفورت بهدف عكسي أحرزه روس في مرماه قبل نهاية الشوط الأول، ورغم أن فرنكفورت عادل النتيجة لتنتهي المباراة بهدف لكل فريق وأبقى على آماله في المباراة الفاصلة التي ستقام بعد أيام قليلة، إلا أن الفريق كان سيسافر لخوض هذه المباراة من دون روس، الذي حصل على بطاقة صفراء في الشوط الثاني، والتي كانت العاشرة له خلال الموسم، وهو ما كان يعني إيقافه عن مباراة العودة.
وغادر روس الملعب ولم يكن يعلم ما إذا كان سيمكنه ممارسة كرة القدم بعد ذلك أم لا. وبعد أيام قليلة، بدأ روس رحلة العلاج وخضع لعملية جراحية لإزالة الورم السرطاني، قبل ساعات قليلة من سفر زملائه بالفريق لمواجهة نورنبرغ في رحلة الصراع من أجل الإبقاء على فرنكفورت في الدوري الألماني الممتاز.
ولحسن الحظ، سارت الأمور على ما يرام بالنسبة للنادي واللاعب، حيث علم المدير الفني لفرنكفورت نيكو كوفاك بنجاح العملية الجراحية التي خضع لها روس، كما نجح الفريق في تحقيق الفوز بهدف دون رد على نورنبرغ ليفوز فرنكفورت بهدفين مقابل هدف في مجموع مباراتي الذهاب والعودة وينجح في البقاء في البوندسليغا.
ومع نهاية هذا الموسم الصعب على فرنكفورت وذهاب اللاعبين لقضاء عطلاتهم، جدد النادي عقد كوفاك، بينما انسحب روس من المشهد العام لكي يركز على شفائه. واعترف روس بأنه لم يترك المنزل لمدة ثلاثة أشهر، وكان ينتقل فقط بين السرير والأريكة وبين دورات العلاج الكيميائي. لقد أعطى روس جهده بنسبة مائة في المائة للنادي، والآن حان الوقت للقيام بالشيء نفسه لصحته وعائلته. وانتهى الصيف، وبعد انتهاء فترة العلاج ظهر روس خلال احتفالات النادي ببداية الموسم الجديد. ونتيجة للعلاج الكيميائي فقد روس شعره لكنه أنقذ حياته. ومن جانبه، لم يعرب النادي عن ثقته في شفاء روس فحسب، لكنه قام بلفتة إنسانية رائعة عندما مدد عقد اللاعب الذي كان في عامه الأخير، حتى عام 2019.
وفي نهاية فصل الخريف، عاد روس للتركيز على كرة القدم وبدأ يعمل من أجل استعادة لياقته البدنية من أجل العودة للمباريات. وبنهاية العام، عاد اللاعب للتدريبات والظهور بين الجمهور وزملائه في الفريق والأماكن العامة.
لقد مر 285 يوما منذ أن ترك روس الملعب نفسه على أصوات الآلاف من جمهور فرنكفورت وهم يتغنون باسمه والدموع تملأ أعينهم، وقد عاد الآن ليقود فريقه للوصول إلى المباراة النهائية لكأس ألمانيا وسط تشجيع كبير من جمهور فريق.
وبعد مرور ما يقرب من العام منذ فشله في اجتياز اختبار المنشطات والمباريات الفاصلة للهروب من الهبوط من الدوري الألماني الممتاز، حقق فرنكفورت فوزا هاما وحاسما الثلاثاء الماضي، وعاد روس للملعب كبديل في الوقت الإضافي بدلا من زميل مصاب. لقد كانت 12 شهرا صعبة للغاية على اللاعب والنادي. وتأهل فرنكفورت للمباراة النهائية لكأس ألمانيا ليلاقي بروسيا دورتموند وهو على وشك إنهاء الموسم في النصف الأول من جدول ترتيب الدوري الألماني الممتاز، ما يعد بمثابة تقدم هائل بالنسبة لناد كان يصارع من أجل الهروب من الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى الموسم الماضي.
وبينما كان روس في طريق عودته لزملائه بعد إحرازه ركلة الجزاء المهمة يوم الثلاثاء وهو مغمض العينين لفترة قليلة من الوقت، فربما كان يفكر في الرحلة التي خاضها على مدى الـ12 شهرا الماضية، أو ماذا لو لم يسجل أو ينقذ ركلة الجزاء الحاسمة، لكن عودته للمباريات ومساهمته في الانتصار تظل هي الأبرز بكل تأكيد.
ماركو روس تحدى السرطان وعاد بطلاً
مر بعام قاس لكنه اجتاز العقبات وقاد فريقه آينتراخت فرنكفورت إلى نهائي كأس ألمانيا
ماركو روس تحدى السرطان وعاد بطلاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة