طرح تحول عدد من القوات الأميركية المنتشرة في سوريا في الفترة الأخيرة إلى «قوات ردع»، سواء في مدينة منبج في الشمال السوري أو أخيراً على الحدود السورية - التركية بهدف استيعاب الصدام بين أنقرة والأكراد، أكثر من علامة استفهام حول مهمة هذه القوات وأولوياتها في سوريا، خصوصاً مع ورود معلومات عن تحركات عسكرية أميركية واسعة تشهدها المنطقة الشمالية تحضيراً لانطلاق عملية تحرير مدينة الرقة، معقل تنظيم «داعش».
وكشفت قياديون أكراد لـ«الشرق الأوسط» أن ثلاثة أرتال من القوات الأميركية انتشرت في اليومين الماضيين على طول الحدود السورية - التركية «كقوات ردع بين الجيش التركي ووحدات حماية الشعب» الكردية. ولفتوا إلى أن رتلاً انتشر من عين العرب (كوباني) إلى تل أبيض، ورتلا من تل أبيض إلى رأس العين، ورتلا من رأس العين إلى قامشلو حتى حدود العراق.
ووضع قيادي كردي «التحرك الكبير» للجيش الأميركي في إطار «التحضير لمعركة الرقة»، مشيراً إلى أن «قوات التحالف، وعلى رأسها القوات الأميركية، تعمل مع قواتنا تحضيراً للمعارك المرتقبة داخل أحياء الرقة، وتلك المتوقعة بعد تحرير المدينة. كما يتم التحضير لإنشاء مراكز للشرطة ومجالس محلية وتدريب العناصر التي ستكون جزءاً من هذه المؤسسات».
وليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها القوات الأميركية الموجودة في سوريا، والتي يبلغ عددها نحو 904 جنود وتتوزع على 12 نقطة عسكرية بين قواعد جوية وأخرى برية، دور «قوات ردع» بين حليفيها المفترضين الجيش التركي والقوات الكردية، إذ سبق لها أن قامت بهذه المهمة في مارس (آذار) الماضي في مدينة منبج السورية شمال شرقي حلب، للفصل بين قوات المعارضة السورية المحسوبة على أنقرة و«وحدات حماية الشعب» الكردية.
وأثار عدم تحرك القوات الروسية التي انتقل بعضها إلى منطقة عفرين أخيراً للتصدي لأي صدام كردي - تركي علامات استفهام. وعزا مدير «مركز جسو للدراسات» محمد سرميني ذلك إلى كون منطقة الجزيرة وامتدادها في ريف حلب خاضعة للنفوذ الأميركي. ولفت إلى أن «قراءة المتغيرات الميدانية تُظهر أن الروسي يتفهم هذا الأمر كاملاً». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم الوجود الروسي في عفرين، فإن هذا الوجود لم يأخذ أكثر من شكل رمزي، ولم تسع موسكو إلى توسيع مهام قواتها شرقاً، التزاماً منها على ما يبدو باتفاق لتقاسم النفوذ، وهو ما تلتزم به الولايات المتحدة بشكل كامل فيما يتعلق بمنطقة الساحل السوري».
وتنتشر القوات الأميركية، وفق دراسة أعدها مركز «جسور» بعنوان «الوجود الأميركي في سوريا: مهام محددة أو طويلة الأمد»، في عدد من المناطق السورية، إلا أنها تركز انتشارها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجهات التي تعتبرها شريكة لها في الحرب على تنظيم «داعش»، وهي جهتان، الأولى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تنتشر في شمال سوريا، والثانية فصيل من «الجيش الحر» يحمل اسم «جيش سوريا الجديد»، وينشط في المنطقة المتاخمة لمثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية جنوب شرقي سوريا، ويسيطر على معبر التنف الحدودي.
واقتصرت مهام الجنود الأميركيين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما على إسداء المشورة والتخطيط العسكري والتدريب والتنسيق بين طيران التحالف الدولي والقوات الشريكة، إلا أن التصاعد التدريجي للحضور العسكري الأميركي في سوريا، والذي يُعتبر قصيراً نسبياً كونه لا يزيد على عامين ونصف العام، أدّى إلى توزع المهام على عدد من الملفات الرئيسية، هي معركة الرقة ودحر «داعش» من معاقله، والمناطق الآمنة، واستكمال فرز المعارضة السورية المسلحة بين معسكري الاعتدال والإرهاب، إضافة إلى ملف العلاقة مع روسيا، وتقاسم النفوذ معها في سوريا.
وصادق الكونغرس الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على قانون لحماية المدنيين في سوريا معروف باسم «سيزر»، وهو قانون يعترف بارتكاب نظام بشار الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويدعو الرئيس الأميركي الجديد إلى إنشاء مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي لحماية المدنيين السوريين، ويمهل البيت الأبيض ثلاثة أشهر لوضع خطة لإنشاء المناطق الآمنة، وفي حال تجاوز المهلة يقوم الكونغرس بوضع الخطة.
وسارع الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب إلى تطبيق القانون الجديد بتكليف وزارتي الدفاع والخارجية بوضع الخطة في مهلة ثلاثة أشهر، وهي لا تزال قيد الإعداد. وفي حال اتخذ البيت الأبيض قراراً بإنشاء المناطق الآمنة، فمن المتوقع أن تكون للقوات الأميركية العاملة في سوريا مهام أخرى تتعلق بشكل أو بآخر بفرض هذه المناطق.
ويشكو بعض فصائل «الجيش الحر» المدعومة أميركيا من عدم وقوف واشنطن على مسافة واحدة منها ومن القوات الكردية، وهو ما عبّر عنه مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي لـ«لواء المعتصم»، لافتاً إلى «وجود مشكلة حقيقية تكمن باغتصاب مناطق عربية من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ونتمنى من الجانب الأميركي أن يكون طرفاً في إعادة هذه المناطق إلى أهلها». وقال سيجري لـ«الشرق الأوسط»: «هناك وعود أميركية بأن واشنطن ستكون في مرحلة لاحقة على مسافة واحدة من الجميع وأنّها ستتعهد بإعادة المناطق إلى سكانها الأصليين، لكننا لا نزال ننتظر تلك المرحلة».
تحركات عسكرية أميركية في سوريا تسبق معركة الرقة
دور واشنطن يتوسع بعد تخصيص «قوات ردع» في منبج وعلى الحدود مع تركيا
تحركات عسكرية أميركية في سوريا تسبق معركة الرقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة