هلع في غزة بعد تخلي السلطة عن قطاع الكهرباء

قرار إضافي ضد {حماس} وصفته بـ«الجنوني» قد يغرقها في ظلام شامل

طفل فلسطين يتابع داخل سيارة عامل محطة بنزين يملأ خزانها (رويترز)
طفل فلسطين يتابع داخل سيارة عامل محطة بنزين يملأ خزانها (رويترز)
TT

هلع في غزة بعد تخلي السلطة عن قطاع الكهرباء

طفل فلسطين يتابع داخل سيارة عامل محطة بنزين يملأ خزانها (رويترز)
طفل فلسطين يتابع داخل سيارة عامل محطة بنزين يملأ خزانها (رويترز)

مع إعلان مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، يوآف مردخاي، أن السلطة الفلسطينية أبلغته قرارها بوقف دفع أثمان الطاقة الكهربائية التي تزوّد بها إسرائيل قطاع غزة، وتصل إلى 125 ميغاواط، أي نحو ثُلث حجم استهلاك الطاقة في القطاع، دب الخوف والرعب والقلق في أوساط الغزيين، الذين هرعوا إلى محطات الوقود والغاز بشكل لا إرادي أو مفهوم، في محاولة للتزود بما تيسر من المواد التي تعد بديلا محتملا للطاقة.
وشهدت محطات تعبئة الوقود والغاز في القطاع، أزمة كبيرة وخانقة، وسط إشاعات مضخمة حول قرب انقطاع الكهرباء عن غزة بشكل كامل، ونفاد كميات الوقود والغاز منها. واضطرت هيئة البترول التي تسيطر عليها حماس في قطاع غزة، إلى إصدار بيان قالت فيه إنه «لا توجد أزمة وقود في قطاع غزة والأمور مستقرة وطبيعية». ودعت الهيئة «المواطنين إلى عدم الخوف والانجرار وراء الإشاعات».
وقال مدير هيئة البترول في قطاع غزة، خليل شقفه، إن «الكميات المتوفرة تغطي الاحتياج». وأضاف، «سيتم فتح معبر كرم أبوسالم الجمعة لإدخال الوقود إلى قطاع غزة، سولار وبنزين وغاز طهي، وبالتالي ندعو المواطنين إلى عدم الهلع». لكن نداء هيئة البترول لم يلق آذانا صاغية في غزة، التي يعتقد سكانها أنهم مقبلون على أيام صعبة للغاية، الأمر الذي دفع حركة حماس إلى التهديد بأن غزة تشبه قنبلة شديدة الانفجار ستطال الجميع.
ويعني توقف تزويد إسرائيل لقطاع غزة بالكهرباء، أن يغرق القطاع في ظلام دامس بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل قبل أسابيع.
وتوقفت محطة كهرباء قطاع غزة عن العمل، بعد نفاد كميات الوقود التي وفرتها قطر كدعم لمدة 3 أشهر، بهدف تشغيل المحطة. واتهمت سلطة الطاقة في القطاع، وزارة المالية في رام الله بفرض ضرائب باهظة على الوقود الذي يجري إدخاله لصالح المحطة. أما وزارة المالية في رام الله، فردت بالقول إن حماس التي تسيطر على الشركة في غزة تجبي الأموال ولا تحولها إلى رام الله.
ومع توقف المحطة، ظلت إسرائيل تزود قطاع غزة بالكهرباء من خلال 10 خطوط، تنتج 125 ميغاواط، وتشكل 30 في المائة من احتياج قطاع غزة للكهرباء. وكانت السلطة الفلسطينية تدفع ثمن هذه الطاقة، نحو 40 مليون شيقل شهريا، حيث تقوم إسرائيل باقتطاع هذا المبلغ من عائدات الضرائب الفلسطينية.
ولكن السلطة قررت بدءا من الشهر الحالي، التوقف عن دفع هذه الأموال، ضمن سلسلة إجراءات أقرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة لحشر حماس في الزاوية، وإجبارها على تسليم قطاع غزة إلى الحكومة الفلسطينية.
وقال مصدر مسؤول في حركة فتح لـ«الشرق الأوسط»، إن «القرار باختصار، إما نحكم غزة أو يحكمون. عليهم أن يقرروا، لكن لن تبقى السلطة صرافا آليا لحكم حماس». وبدأت إجراءات السلطة الشهر الماضي، بحسم ثلث الراتب من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم من رام الله، وألحقتها بقرار وقف الإعفاءات الضريبية على الوقود الذي تحتاجه محطة توليد الطاقة في غزة، ومن ثم التوقف عن دفع ثمن الكهرباء التي تأتي من إسرائيل.
ويعني توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل، توقف إسرائيل عن تزويد الطاقة لغزة، وإحداث شلل كامل في قطاع الكهرباء بالنتيجة.
وتحتاج غزة إلى 400 ميغاواط من الكهرباء، لا يتوفر منها في حال عملت محطة التوليد الوحيدة، إلا نصفها فقط. ونتتج المحطة 60 ميغاواط، تضاف إليها الإمدادات الإسرائيلية البالغة 125 ميغاواط في حين تأتي 25 ميغاواط عبر خطوط كهرباء من مصر.
وبالإضافة إلى القلق الكبير الذي تركته الخطوة في نفوس الغزيين، فقد أغضبت الخطوة حركة حماس وأقلقتها.
ووصف سامي أبو زهري، المتحدث باسم حماس، الخطوة بأنها تصعيد خطير وعمل جنوني.
وقالت سلطة الطاقة في قطاع غزة، التي تديرها حماس، «إنها خطوة كارثية في ظل أزمة الكهرباء المستفحلة منذ نحو 10 أعوام». وأضافت: «إن لهذه الخطوة تبعاتها الخطيرة على كافة مناحي الحياة في القطاع».
واتخذت السلطة الخطوة الجديدة، بعدما لم تتلق ردا من حماس على مبادرة قدمها عباس، وحملها اثنان من أعضاء مركزية فتح في غزة، إلى قيادة الحركة، وتقوم على إلغاء حماس للجنة الإدارية التي شكلتها، وتسليم قطاع غزة فورا إلى حكومة التوافق من أجل الذهاب إلى انتخابات عامة بعد 3 أشهر.
وقالت حماس إنها تقدمت بتساؤلات لفتح حول آليات عمل الحكومة ومصير الرواتب والإعفاءات الضريبية، لكن فتح لم ترد.
ومع جمود الاتصالات هذه، وافقت اللجنة المركزية لحركة فتح، في اجتماع عقد في وقت متأخر الأربعاء، على مواصلة الإجراءات ضد غزة. وأعلنت في بيان لها، «رفضها لمحاولات حماس شرعنة الانقسام، من خلال تشكيل ما يسمى باللجنة الإدارية، ورفضها استمرار الوضع القائم في غزة، بما يشمل ما تقوم به حماس من مخالفات قانونية ووطنية بحق شعبنا هناك».
وأكدت اللجنة المركزية «تصميمها على إنهاء الانقسام، ودحر مشروع الكيان المنفصل في غزة، وتصميمها على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك، خاصة في ضوء عدم تجاوب حركة حماس مع محاولة فتح الأخيرة التوصل إلى التفاهم اللازم، بما يمكن حكومة الوفاق من تسلم المهام كافة، وممارسة مسؤولياتها القانونية في قطاع غزة».
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، في بيان أمس، «نحن لدينا قرار استراتيجي بالعمل الجاد والدؤوب وبكل السبل، لإنهاء الانقسام ودفع حماس إلى مربع المصالحة، وندرك حجم المعاناة والألم الذي يعيشه شعبنا في القطاع الحبيب بعد عشر سنوات من الانقلاب، وفِي الوقت نفسه نعرف أن حلم إنهاء الانقسام هو رغبة وقرار شعبي، لذلك نضع حماس أمام مسؤولياتها وأن تلتقط الفرصة واليد الممدودة من قبلنا لإنهاء الانقسام». وأردف: «فتح اتخذت قرارا استراتيجيا باتباع كل السبل لإنهاء الانقسام والخلاص من الانقلاب المقيت المدمر للمشروع الوطني الفلسطيني، وليكن موقفنا واحدا وخطابنا واحدا في مواجهة الرفض الحمساوي للمصالحة».
والتصعيد ضد حماس في غزة جاء قبل لقاء مرتقب بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثالث من الشهر المقبل. ويفترض أن يلتقي عباس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني قبيل لقائه ترمب. وسيضع عباس السيسي وعبد الله في صورة الإجراءات ضد غزة.
ومن غير المعروف ما إذا كانت إسرائيل ستقطع الكهرباء عن غزة، مع توقف دفع السلطة أثمانها، أم أنها ستستمر في ذلك وتفرض خصومات بالقوة، أو تلجأ إلى مصادر دولية.
وقال موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، إن إسرائيل لن تلجأ إلى قطع الكهرباء فورا عن قطاع غزة، بعد أن أبلغتها السلطة الفلسطينية بوقف دفع فاتورة الكهرباء الشهرية. وأوضحت مصادر إسرائيلية أن تل أبيب قلقة من تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، وستبحث عن حلول لأزمة الكهرباء مع المجتمع الدولي. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الجهات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، ستدرس عددا من البدائل والحلول بالتنسيق مع المجتمع الدولي.
وكان ضابط في الجيش الإسرائيلي حذر الثلاثاء، من أن انقطاع التيار الكهربائي الوشيك في قطاع غزة، قد يؤدي إلى نشوب صراع بين حماس وإسرائيل.
وقال الضابط للصحافيين، متحدثا، شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن «القصة هنا هي معضلة حماس - أين ستستثمر المال؟ في القنوات العسكرية أم في الاحتياجات المدنية في القطاع». وأضاف، «هناك احتمال أن يدفع ذلك بحماس إلى اشتباك مع إسرائيل».
لكن مسؤولين في حماس، فضلوا التركيز أكثر على عباس بدلا من حرب محتملة مع إسرائيل.
وقال خليل الحية القيادي في حماس إن عباس سيفشل في تركيع غزة، محذرا عباس من أن قنبلة غزة ستنفجر في وجهه.
وتهاجم حماس عباس منذ بداية الإجراءات بشكل غير مسبوق. وتحولت جلسة للمجلس التشريعي في غزة الأربعاء إلى حفل لهجوم على عباس. ووصل الأمر بمروان أبو راس، العضو عن كتلة حركة حماس البرلمانية، إلى المطالبة في جلسة لكتلة الحركة، بـ«إعدام عباس أمام شعبه وسط مدينة غزة، وفقا للحكم الشرعي». واتهم أبو راس، الرئيس الفلسطيني «بأنه يسيطر على أموال غزة، ومن ثم يصرفها على التنسيق الأمني مع الاحتلال»، وقال، «إنه إذا كان عباس لا يريد غزة وتحمل أعبائها، فإن عليه إلا يأخذ من أموالها ولو قرشا واحدا». لكن الأرقام وفق الحكومة الفلسطينية تبدو مختلفة.
يشار إلى أن الميزانية العامة للسلطة الفلسطينية، بلغت 4.14 مليار دولار، شكلت حصة غزة منها، نحو 1.65 مليار دولار، أي نحو 40 في المائة من أموال السلطة الفلسطينية. ويقول عباس نفسه إن أكثر من نصف ميزانية السلطة تذهب لغزة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».