لم يكن تصريح السفير اليمني في واشنطن، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في فبراير (شباط) الماضي لـ«الشرق الأوسط» عن حرص الإدارة الأميركية على إيجاد حل سياسي في اليمن «لا يقود إلى مكافأة إيران، ولا على حساب أمن المنطقة، والخليج تحديدا»، مجرد تصريح للاستهلاك الإعلامي؛ إذ فسرت أفعال واشنطن حيال الملف اليمني فحوى هذه التصريحات التي أشار فيها السفير إلى «حرص الإدارة الأميركية على مزيد من التنسيق العسكري والتعاون مع التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن».
ووصف السفير خطاب الإدارة الجديدة بـ«التغيير الجوهري في خطاب الإدارة الأميركية الجديدة عن السابقة»، مضيفا: «لقد أكدوا على موضوع تأمين الملاحة الدولية، وهي قضية جوهرية، ولن يُسمح بأي عبث حيال هذا الجانب».
لم تتجاوز التصريحات شهرا ونصف الشهر حتى خرج وزير الدفاع الأميركي الجديد، جيمس ماتيس، بتصريح مثير لدى زيارته السعودية في منتصف أبريل (نيسان) الحالي، قال فيه إن «إيران تلعب دورا في زعزعة استقرار المنطقة»، مضيفا في مؤتمر صحافي أعقب لقاءه الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، في الرياض: «في كل مكان تنظر إليه، إذا كانت هناك مشكلة في المنطقة، تجد إيران». وأكد، وفقا لما نقلته «سي إن إن عربية»، على ضرورة «التغلب على مساعي إيران لزعزعة استقرار بلد آخر وتشكيل ميليشيات أخرى في صورة (حزب الله) اللبناني».
أمام ذلك، قال كريستيان جيمس، وهو متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»: «سنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا لعرقلة الدعم المادي والمالي الذي تقدمه إيران للجماعات المسلحة والإرهابية في المنطقة»، متابعا بالقول: «لقد أثرنا باستمرار مخاوفنا من الطبيعة المزعزعة للاستقرار لأنشطة إيران في المنطقة، ومواصلة تحميل الحكومة الإيرانية المسؤولية عن أعمالها باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة لنا».
وأضاف أن «إيران لا تزال راعية للإرهاب، ونواصل فرض جميع العقوبات غير المرتبطة بالملف النووي التي تشمل دعم إيران للإرهاب وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
وفتح حديث وزير الدفاع الأميركي عن ضرورة الحل السلمي برعاية الأمم المتحدة، باب التساؤلات حول قيادة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ملف اليمن بشكل خاص، حتى في شقه السياسي، لا سيما أن الصحف الأميركية نشرت أنباء عن منح «البنتاغون» صلاحيات أوسع لاتخاذ القرارات المتعلقة بالهجمات الإرهابية.
ويعد اليمن أبرز المواقع التي حلقت فوق أجوائها طائرات «درون» الأميركية منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب سدة الرئاسة. وتحدثت «البنتاغون» عما لا يقل عن 80 ضربة استهدفت تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» باليمن، منذ فبراير الماضي وحتى 23 من أبريل الحالي.
ويرى الباحث السياسي اليمني نجيب غلاب أن «التحول الجديد للإدارة الأميركية يتمثل في وضوح الرؤية وتجاوز الضبابية والتناقضات التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في التعامل مع الملف اليمني»، معللا ذلك بأن «الإدارة الجديدة لا ترى أطراف الانقلاب جديرين بمحاربة ومكافحة الإرهاب باعتباره المحور الأهم بالنسبة لأميركا، واقتربت كثيرا من رؤية التحالف في هذا الملف، مع تكثيف التدخل وتوسيع دائرة الضربات، وهذا التحول في التعامل مع الإرهاب باعتباره أداة موظفة سياسيا من قبل الانقلابيين لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب وإنما توظيفه لتحصيل القوة واستغلاله لإعاقة استعادة الدولة، وهذا يسحب أهم الأوراق التي استخدمت لتخريب العملية السياسية، والأهم من ذلك تأكيد مسؤولين أميركيين على اعتبار الحوثية منتجة لإرهاب آخر وأنها أداة إيرانية وتعكس تصدير إيران للإرهاب».
التحول الآخر - والحديث لغلاب - يتمحور حول التركيز على أمن البحر الأحمر والسعي لمحاصرة توظيفه من قبل الانقلابيين وإيران، إلى جانب رفض أي تدخل إيراني في اليمن، وسعي جاد لإنهاء أي نفوذ لها على الشواطئ اليمنية بوصفه تهديدا لأمن دول البحر الأحمر وتهديدا للسلم والأمن الدوليين.
ويتابع غلاب بالقول إن «التحول الثالث ناتج عن قراءة أكثر وضوحا لمحاربة الإرهاب ومواجهة عنف الحوثية والتدخلات الإيرانية، فالحل السياسي أصبح أكثر صرامة فيما يخص الالتزام السياسي بشقيه الأمني والعسكري وبشقه السياسي، والرهان على استعادة الدولة مع رفض أي شرعنة للأطروحات الانقلابية الباحثة عن حلول مجزأة بهدف إعادة إنتاج الانقلاب وشرعنة التكوين الموازي للدولة الذي شكلته الحوثية».
تبقى الإشارة إلى أن الحكومة اليمنية راسلت واشنطن وطالبتها بالتنسيق فيما يتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب، وذلك في أعقاب عملية الإنزال البري التي نفذتها واشنطن في مديرية يكلا التابعة لمحافظة البيضاء في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتباينت آراء المسؤولين الأميركيين والمحللين حول جدوى العملية، ففريق يقول إنها كانت فاشلة؛ إذ أسفرت عن مقتل قائد الفريق الأميركي في العملية من دون أن تقضي على الشخص المطلوب حينها (قاسم الريمي زعيم التنظيم)، وهناك فريق آخر يرى أن حجم المعلومات التي حصل عليها الفريق لا يقدر بثمن، ملمحين إلى إجراءات جديدة اتخذتها الولايات المتحدة في حظر الأجهزة اللوحية بمقصورات الطائرات الآتية من دول معينة.
لكن اللافت أيضا، هو غضب جماعة الحوثي وصالح ومطالبتهم الولايات المتحدة بالتنسيق معهم لمكافحة الإرهاب، وقال محللون إن ذلك نتيجة التعاون مع الحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما أكده لاحقا السفير بن مبارك.
طهران خارج معادلة النهج الأميركي الجديد في اليمن

طهران خارج معادلة النهج الأميركي الجديد في اليمن

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة