عندما أطلق إيمانويل ماكرون حركته السياسية «إلى الأمام»، لم يكن أحد مستعداً للمراهنة على حظوظ هذا الشاب الطموح، البالغ من العمر 39 عاماً، بالدخول مظفراً إلى قصر الإليزيه بعد أقل من 20 يوماً. إلا أن تأهله للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 7 مايو (أيار)، مكّنه من قطع منتصف الطريق.
وتدل استطلاعات الرأي الأخيرة على أن ماكرون قادر على التفوق على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بفارق كبير في الأصوات، يزيد بأضعاف على هامش الخطأ المعروف في هذه الوسيلة للتعرف على توجهات الرأي العام.
ويمثل ماكرون لكثيرين التجدد والشباب، لكنه يفتقر إلى الخبرة. وبدا لجزء كبير من الناخبين أنه الأفضل، في عرض انتخابي شمل 11 مرشحاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. واستفاد ماكرون من نقاط ضعف خصومه، إذ غرق مرشح اليمين الكلاسيكي فرنسوا فيون في فضائحه، فأهدرت فرصه. فيما عانى مرشح اليسار الاشتراكي بونوا هامون من تفتت الحزب الاشتراكي، ومن عدم التزام منافسيه داخل الحزب بنتائج الانتخابات الداخلية. أما مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون، فقد نجح في استقطاب فئة الشباب بطرحه المثالي، ودعوته لمجتمع أكثر عدلاً، إلا أن مرشحي اليمين وجهوا له انتقادات حادة لبرنامجه الذي وصف بـ«الشيوعي الماركسي».
ويمثل ماكرون نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة، وهو موظف كبير سابق في الدولة، تخرج من معاهد النخب، ثم عمل مصرفي أعمال، ودخل السياسة عام 2012 مستشاراً للرئيس هولاند.
ومن هذه الخبرة في ظل السلطة، التي تبعتها سنتان على رأس وزارة الاقتصاد، يقول إنه استخلص عبرة أساسية، وهي أن النظام السياسي الحالي يعاني من «اختلال وظيفي».
وفي حين نجح ماكرون في إقناع جزء من الناخبين ببرنامجه الاقتصادي والاجتماعي، فإن كثيرين ممن صوتوا لصالحه، اعتبروه ضمانة لقطع طريق الإليزيه أمام لوبان التي تريد تغيراً جذرياً، عبر الخروج من الاتحاد الأوروبي ومنطقة «اليورو»، إلى جانب تقسيم المجتمع بين أصيل ووافد، ومسيحي ومسلم.
وبهذا الصدد، قال فرنسوا هولاند أخيراً، في جلسة مصغرة: «أعتقد أن ماكرون، وتحديداً لأنه كان من خارج الحياة السياسية التقليدية، فهم أن الأحزاب الحاكمة ولدت نقاط ضعفها بنفسها، وفقدت جاذبها الخاص، وباتت (...) بالية متعبة هرمة».
وحمل هذا الحدس الوزير الشاب في مطلع 2016 على تأسيس حركته التي اختار لها اسم «إلى الأمام!»، ووصل عدد منتسبيها نحو 200 ألف. واستقال بعد ذلك من الحكومة، وقدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية، عارضاً برنامجاً له توجه اشتراكي ليبرالي.
وبنى ماكرون كل طروحاته حول خط أساسي يقضي بالتوفيق بين «الحرية والحماية»، فدعا إلى إصلاح مساعدات العاطلين عن العمل، واقترح تدابير «تمييز إيجابي» لصالح الأحياء الفقيرة. ويستهدف برنامجه بشكل أساسي الطبقات الوسطى التي يقول إنها «منسية»، سواء من اليمين أو اليسار.
في المقابل، انتقد ماكرون مراراً لأنه اقترح تجاوز اليمين واليسار، كما اعتبر مشروعه فاشلاً لأن الحياة السياسية في فرنسا ثنائية القطب تقليدياً، ويتم عادة تداول السلطة بين مرشحي اليمين التقليدي الكلاسيكي واليسار الاشتراكي. إلا أن ماكرون يقترب من كسر القاعدة في انتخابات رئاسية لا تشبه أياً من سابقاتها، لأنها تحولت إلى رباعية الأقطاب، وشهدت صعود نجم اليمين المتطرف بشكل غير مسبوق، وضمور الحزب الاشتراكي، وتدهور فرصه. لكن الوصول إلى سدة الرئاسة لا يكفي، إذ إن التوقعات تشير إلى أن الساكن الجديد في قصر الإليزيه سيجد صعوبة كبرى في العثور على أكثرية برلمانية يستند إليها، وتساند العمل الحكومي. والسؤال المطروح هنا هو: كيف سيجد ماكرون هذه الأكثرية لإجراء الإصلاحات التي وعد بها؟
ماكرون... وسطي كسر القطبية السياسية في فرنسا
ماكرون... وسطي كسر القطبية السياسية في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة