نفّذت قوات التحالف الدولي إنزالات جديدة في محافظة دير الزور السورية، تمكّنت خلالها من قتل وأسر عدد آخر من قيادات وعناصر تنظيم داعش. وفيما امتنعت وزارة الدفاع الأميركية عن نشر توضيحات بشأن العمليات وعددها، مكتفية ببيان حول عملية واحدة قتل فيها مسؤول كبير في تنظيم داعش، قالت مصادر محلية سورية لـ«الشرق الأوسط» إن عمليتي إنزال أخريين تمتا في نفس المنطقة أسفرت إحداها عن أسر «والي الفرات» في التنظيم، وفي الثانية قتل أحد أقارب أبو بكر البغدادي و23 آخرون.
وبدا أن هذه العمليات المتكررة، لا تقف عند بعدها الميداني، بقدر ما تعبّر عن مدى تنامي النفوذ العسكري لواشنطن، الآخذ في تعزيز حضورها السياسي في سوريا والمنطقة. ولعلّ ما يعزز هذا الحضور المتزايد، الإعلان الأميركي عن قتل عبد الرحمن الأوزبكي، أحد أبرز قيادات تنظيم داعش، الذي تردد أنه المسؤول عن الهجوم المسلّح على ملهى «رينا» في إسطنبول.
وكانت القيادة المركزية الأميركية، أعلنت ليل الجمعة، عن «مقتل المسؤول الحركي في التنظيم عبد الرحمن الأوزبكي، وهو من القيادات المتوسطة، في عملية نفذتها في مدينة الميادين في ريف دير الزور». وأفادت معلومات أن قوات التحالف «نفذت عملية إنزال جوي فجر السبت (أمس)، على موقع تابع لتنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي». وقالت المصادر، إن «عدة مروحيات من طراز أباتشي، نفذت عملية الإنزال الجوي، فوق موقع تابع للتنظيم، في منطقة أم الصلابة في بادية البوكمال بريف دير الزور الشرقي شرق سوريا، وكانت مدعومة بعشرات المقاتلين». وأكدت أنَّ «قوات التحالف أسرت ما لا يقل عن 15 شخصاً، بينهم قيادي كانوا متواجدين في الموقع المستهدف».
من جهته، أعلن موقع «فرات بوست» المعارض، أن قوات التحالف الدولي «نفذت بعد منتصف ليل السبت، إنزالاً جوياً في منطقة حقل الحمَّار في بادية البوكمال». وقال إن «ثلاث حوامات هبطت في ثلاث جهات حول الحقل، وهاجمته واشتبكت مع عناصر من تنظيم داعش لمدة نصف ساعة، بعدها اختفت الأصوات وغادرت الحوامات المنطقة». ونقل عن مصادر وصفها بأنها «موثوقة»، أن «إنزال حقل الحمّار، أدى إلى مقتل أحد أقرباء أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش ونحو 23 عنصراً من عدة جنسيات مختلفة، وقد احترقت جثثهم داخل السيارات التي كانت تقلّهم من العراق إلى دير الزور».
وأكد الموقع المذكور، أن «إنزالاً ثانياً استهدف جهة نهر الفرات بالقرب من قرية الباغوز، وقد سبق الإنزال وصول عدة سيارات مدعومة بمضادات طيران إلى شاطئ نهر الفرات، حيث يوجد معبر مائي يستخدمه التنظيم ليلاً وبعض المدنيين نهاراً». ونقل «فرات بوست» عن شهود عيان، أن «الإنزال (الثاني) استهدف على الأرجح (والي الفرات) في التنظيم، وتمكنت من إلقاء القبض عليه وأسره». ورغم تعدد القراءات، حول أهداف العمليات الخاطفة في دير الزور، فإنها لا تختلف على أن النفوذ الأميركي عاد بقوّة إلى سوريا، وهو ما عبّر عنه الدكتور سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية في بيروت، الذي رأى أن «كثافة الإنزالات الأميركية في دير الزور، تؤشر إلى أن معالم السياسة الأميركي في سوريا بدأت تتبلور، وقوامها المزيد من الانخراط العسكري». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإدارة الأميركية الجديدة، أدركت أنها لا تستطيع أن تمارس السياسة من دون رافعة عسكرية تعزز حضورها الجيوسياسي، وهذا يفسّر زيادة الحضور العسكري عدداً وعتاداً، عدا عن الدعم المباشر للأطراف العسكرية التي تتعاون مع الولايات المتحدة».
ونقلت وكالة الأناضول عن ضابط برتبة عقيد في الجيش العراقي بمحافظة الأنبار، أن «قوة من القوات الخاصة الأميركية قامت بعملية إنزال جوي في قرية الباغوز التابعة لمدينة البوكمال السورية الحدودية مع العراق». وقال الضابط الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن «عملية الإنزال انطلقت من (قاعدة الأسد) العراقية الواقعة بناحية البغدادي، على بعد 90 كيلومترا من الرمادي، التي تتموضع فيها قوات التحالف الدولي». وأكد أن «العملية أسفرت عن اعتقال ما يسمى بـ(والي الفرات) الذي كان قادما من العراق مستقلا عربة عسكرية».
ولم يعد خافياً، أن إدارة ترمب أعطت تفويضاً واسعاً للقيادة العسكرية، التي باتت طليقة اليدين، بعدما كبّلتها سياسة باراك أوباما، ولفت سامي نادر إلى أهمية «إعطاء ترمب هامشاً كبيراً من الصلاحيات لوزرائه، وتفويضاً واسعاً للقيادة العسكرية للتصرف على الأرض». ورأى أن «الإعلان عن مقتل مساعد أبو بكر البغدادي (عبد الرحمن الأوزبكي) الذي دبّر لعملية ملهى رينا في إسطنبول، يؤكد أن ترمب فوّض العسكر بمهام واسعة، لم يكن أوباما يجرؤ على القيام بها، لأن فيها مخاطرة قد ترتد عليه سياسيا، لكن ترمب أثبت قدرته على اتخاذ القرار، وهذا يعني أن الرجل ذاهب في استراتيجية واضحة، ستحدث تحولاً في مسار الأحداث السورية، سيما أن صنّاع القرار في إدارته مثل وزير الدفاع (جيمس ماتيس) ووزير الخارجية (ريكس تيلرسون)، لديهم باع طويل في سياسة المنطقة»، داعياً إلى «رصد نتائج زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى المملكة العربية السعودية، حيث أطلق من الرياض مواقف حادة تجاه استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، وكذلك ترقب ما سينتج عن لقاء ترمب و(الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان».
أما في البعد الاستراتيجي لما يحصل في شمال - شرق سوريا، فدعا الدكتور سامي نادر إلى «مراقبة تطورات الأحداث في الطبقة والرقة، والإنزالات في دير الزور التي تمهّد لعمل عسكري واسع». وقال: «هذا يعني أن الهلال الشيعي الذي أوشكت إيران على تحقيقه، من طهران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، تلقى ضربة قوية جداً، لأن السيطرة على الرقة وفي مرحلة لاحقة دير الزور، يعني عزل سوريا عن العراق جغرافياً، وبالتالي كسر هذا الهلال».
في هذا الوقت، أفادت مصادر عسكرية أميركية، أن «تنظيم داعش قام بنقل معقله الرئيسي من مدينة الرقة إلى محافظة دير الزور القريبة من الحدود العراقية، وذلك تحت وقع الضربات الجوية للتحالف الدولي والقوات المدعومة أميركياً». ونقلت قناة (سكاي نيوز) عن المصادر الأميركية قولها، إن التنظيم «أصبح متمركزاً في دير الزور الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب الرقة»، مشيرة إلى أن «طائرات الدرون الأميركية لاحظت مغادرة مئات من القادة في (داعش) للرقة خلال الشهرين الأخيرين».
ثلاثة إنزالات أميركية تعزز نفوذ واشنطن في سوريا
أسفرت عن مقتل قريب البغدادي ومخطط هجوم إسطنبول... وأسر «والي الفرات»
ثلاثة إنزالات أميركية تعزز نفوذ واشنطن في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة