ثلاثة إنزالات أميركية تعزز نفوذ واشنطن في سوريا

أسفرت عن مقتل قريب البغدادي ومخطط هجوم إسطنبول... وأسر «والي الفرات»

سحب الدخان تتصاعد في إحدى مناطق حلب اثر قصف طيران النظام لها أمس (غيتي)
سحب الدخان تتصاعد في إحدى مناطق حلب اثر قصف طيران النظام لها أمس (غيتي)
TT

ثلاثة إنزالات أميركية تعزز نفوذ واشنطن في سوريا

سحب الدخان تتصاعد في إحدى مناطق حلب اثر قصف طيران النظام لها أمس (غيتي)
سحب الدخان تتصاعد في إحدى مناطق حلب اثر قصف طيران النظام لها أمس (غيتي)

نفّذت قوات التحالف الدولي إنزالات جديدة في محافظة دير الزور السورية، تمكّنت خلالها من قتل وأسر عدد آخر من قيادات وعناصر تنظيم داعش. وفيما امتنعت وزارة الدفاع الأميركية عن نشر توضيحات بشأن العمليات وعددها، مكتفية ببيان حول عملية واحدة قتل فيها مسؤول كبير في تنظيم داعش، قالت مصادر محلية سورية لـ«الشرق الأوسط» إن عمليتي إنزال أخريين تمتا في نفس المنطقة أسفرت إحداها عن أسر «والي الفرات» في التنظيم، وفي الثانية قتل أحد أقارب أبو بكر البغدادي و23 آخرون.
وبدا أن هذه العمليات المتكررة، لا تقف عند بعدها الميداني، بقدر ما تعبّر عن مدى تنامي النفوذ العسكري لواشنطن، الآخذ في تعزيز حضورها السياسي في سوريا والمنطقة. ولعلّ ما يعزز هذا الحضور المتزايد، الإعلان الأميركي عن قتل عبد الرحمن الأوزبكي، أحد أبرز قيادات تنظيم داعش، الذي تردد أنه المسؤول عن الهجوم المسلّح على ملهى «رينا» في إسطنبول.
وكانت القيادة المركزية الأميركية، أعلنت ليل الجمعة، عن «مقتل المسؤول الحركي في التنظيم عبد الرحمن الأوزبكي، وهو من القيادات المتوسطة، في عملية نفذتها في مدينة الميادين في ريف دير الزور». وأفادت معلومات أن قوات التحالف «نفذت عملية إنزال جوي فجر السبت (أمس)، على موقع تابع لتنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي». وقالت المصادر، إن «عدة مروحيات من طراز أباتشي، نفذت عملية الإنزال الجوي، فوق موقع تابع للتنظيم، في منطقة أم الصلابة في بادية البوكمال بريف دير الزور الشرقي شرق سوريا، وكانت مدعومة بعشرات المقاتلين». وأكدت أنَّ «قوات التحالف أسرت ما لا يقل عن 15 شخصاً، بينهم قيادي كانوا متواجدين في الموقع المستهدف».
من جهته، أعلن موقع «فرات بوست» المعارض، أن قوات التحالف الدولي «نفذت بعد منتصف ليل السبت، إنزالاً جوياً في منطقة حقل الحمَّار في بادية البوكمال». وقال إن «ثلاث حوامات هبطت في ثلاث جهات حول الحقل، وهاجمته واشتبكت مع عناصر من تنظيم داعش لمدة نصف ساعة، بعدها اختفت الأصوات وغادرت الحوامات المنطقة». ونقل عن مصادر وصفها بأنها «موثوقة»، أن «إنزال حقل الحمّار، أدى إلى مقتل أحد أقرباء أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش ونحو 23 عنصراً من عدة جنسيات مختلفة، وقد احترقت جثثهم داخل السيارات التي كانت تقلّهم من العراق إلى دير الزور».
وأكد الموقع المذكور، أن «إنزالاً ثانياً استهدف جهة نهر الفرات بالقرب من قرية الباغوز، وقد سبق الإنزال وصول عدة سيارات مدعومة بمضادات طيران إلى شاطئ نهر الفرات، حيث يوجد معبر مائي يستخدمه التنظيم ليلاً وبعض المدنيين نهاراً». ونقل «فرات بوست» عن شهود عيان، أن «الإنزال (الثاني) استهدف على الأرجح (والي الفرات) في التنظيم، وتمكنت من إلقاء القبض عليه وأسره». ورغم تعدد القراءات، حول أهداف العمليات الخاطفة في دير الزور، فإنها لا تختلف على أن النفوذ الأميركي عاد بقوّة إلى سوريا، وهو ما عبّر عنه الدكتور سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية في بيروت، الذي رأى أن «كثافة الإنزالات الأميركية في دير الزور، تؤشر إلى أن معالم السياسة الأميركي في سوريا بدأت تتبلور، وقوامها المزيد من الانخراط العسكري». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإدارة الأميركية الجديدة، أدركت أنها لا تستطيع أن تمارس السياسة من دون رافعة عسكرية تعزز حضورها الجيوسياسي، وهذا يفسّر زيادة الحضور العسكري عدداً وعتاداً، عدا عن الدعم المباشر للأطراف العسكرية التي تتعاون مع الولايات المتحدة».
ونقلت وكالة الأناضول عن ضابط برتبة عقيد في الجيش العراقي بمحافظة الأنبار، أن «قوة من القوات الخاصة الأميركية قامت بعملية إنزال جوي في قرية الباغوز التابعة لمدينة البوكمال السورية الحدودية مع العراق». وقال الضابط الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن «عملية الإنزال انطلقت من (قاعدة الأسد) العراقية الواقعة بناحية البغدادي، على بعد 90 كيلومترا من الرمادي، التي تتموضع فيها قوات التحالف الدولي». وأكد أن «العملية أسفرت عن اعتقال ما يسمى بـ(والي الفرات) الذي كان قادما من العراق مستقلا عربة عسكرية».
ولم يعد خافياً، أن إدارة ترمب أعطت تفويضاً واسعاً للقيادة العسكرية، التي باتت طليقة اليدين، بعدما كبّلتها سياسة باراك أوباما، ولفت سامي نادر إلى أهمية «إعطاء ترمب هامشاً كبيراً من الصلاحيات لوزرائه، وتفويضاً واسعاً للقيادة العسكرية للتصرف على الأرض». ورأى أن «الإعلان عن مقتل مساعد أبو بكر البغدادي (عبد الرحمن الأوزبكي) الذي دبّر لعملية ملهى رينا في إسطنبول، يؤكد أن ترمب فوّض العسكر بمهام واسعة، لم يكن أوباما يجرؤ على القيام بها، لأن فيها مخاطرة قد ترتد عليه سياسيا، لكن ترمب أثبت قدرته على اتخاذ القرار، وهذا يعني أن الرجل ذاهب في استراتيجية واضحة، ستحدث تحولاً في مسار الأحداث السورية، سيما أن صنّاع القرار في إدارته مثل وزير الدفاع (جيمس ماتيس) ووزير الخارجية (ريكس تيلرسون)، لديهم باع طويل في سياسة المنطقة»، داعياً إلى «رصد نتائج زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى المملكة العربية السعودية، حيث أطلق من الرياض مواقف حادة تجاه استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، وكذلك ترقب ما سينتج عن لقاء ترمب و(الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان».
أما في البعد الاستراتيجي لما يحصل في شمال - شرق سوريا، فدعا الدكتور سامي نادر إلى «مراقبة تطورات الأحداث في الطبقة والرقة، والإنزالات في دير الزور التي تمهّد لعمل عسكري واسع». وقال: «هذا يعني أن الهلال الشيعي الذي أوشكت إيران على تحقيقه، من طهران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، تلقى ضربة قوية جداً، لأن السيطرة على الرقة وفي مرحلة لاحقة دير الزور، يعني عزل سوريا عن العراق جغرافياً، وبالتالي كسر هذا الهلال».
في هذا الوقت، أفادت مصادر عسكرية أميركية، أن «تنظيم داعش قام بنقل معقله الرئيسي من مدينة الرقة إلى محافظة دير الزور القريبة من الحدود العراقية، وذلك تحت وقع الضربات الجوية للتحالف الدولي والقوات المدعومة أميركياً». ونقلت قناة (سكاي نيوز) عن المصادر الأميركية قولها، إن التنظيم «أصبح متمركزاً في دير الزور الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب الرقة»، مشيرة إلى أن «طائرات الدرون الأميركية لاحظت مغادرة مئات من القادة في (داعش) للرقة خلال الشهرين الأخيرين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.