تتجمع في الصباح الباكر بضواحي العاصمة الكمبودية «بنوم بنه»، عشرات النساء في الطابق الأرضي لبيت متواضع. وتجلس هؤلاء النساء على مقاعد بلاستيكية، وبصحبة بعضهن أطفال، وينصتن إلى زعماء نقابات ومنظمات حماية حقوق العمال... بينما يجري إقناعهن بروية بالحديث والإفصاح عن خبراتهم الخاصة أثناء مزاولة أعمالهن.
وتشكل هؤلاء النساء جزءاً صغيراً من عاملات البناء في بنوم بنه، اللاتي يكدحن في درجات حرارة تفوق 40 درجة مئوية. وتعمل الكثير منهن مقابل نصف أجور نظرائهن من الرجال، كما يواجهن تحديات إضافية تتراوح ما بين التحرش الجنسي والفصل من دون سابق إنذار إذا صارت إحداهن حاملاً، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
ويمثل هذا الاجتماع المرة الأولى التي تعرف فيها معظم هؤلاء النساء أن لهن حقوقا وفقا لقانون العمل الكمبودي. وأنصتت كيم سوخورن (43 عاماً)، التي تعمل في مجال البناء منذ عدة سنوات، إلى المعلقين بشيء من عدم التصديق.
وقالت سوخورن لوكالة الأنباء الألمانية: «أفهم ما يقولونه... إنهم يقولون إنه يتعين أن تتمتع النساء بالمساواة مع الرجال، لكنني لا أعتقد أن هذا حقيقي». وأضافت: «إذا ما طالبت بشيء في العمل، كزيادة في الأجر أو ظروف أفضل، فإنني يمكن أن أواجه الفصل... وسيقول مديرو موقع البناء إن لديهم 20 شخصاً آخر في انتظار الحصول على وظيفتي بعد فصلي منها».
ورغم الظروف الصعبة وقوانين العمل المعطلة إلى حد كبير، تتوجه آلاف النساء مثل سوخورن في حشود إلى مواقع البناء في بنوم بنه من أقاليم أخرى.
وتعمل هؤلاء النساء لقاء أجر يتراوح ما بين 3 و5 دولارات في اليوم، فيما يعملن بمشروعات بناء فاخرة يمكن بيع المتر المربع فيها بمبلغ يصل إلى 4000 دولار في نهاية المطاف، حسبما أفادت مؤسسة «نايت فرانك» للبحوث والاستشارات العقارية.
وذكرت منظمة العمل الدولية أن واحد في المائة فقط من النساء على مستوى العالم يعملن في مجال البناء، إلا أن هذه النسبة أعلى بكثير في كمبوديا.
وذكر سوك كيم، القائم بأعمال رئيس اتحاد نقابات عمال البناء والأخشاب بكمبوديا، أن النساء يشكلن من 40 إلى 45 في المائة من القوى العاملة بمجال البناء في كمبوديا. وتشكل نسبة النساء في اتحاد النقابات الذي ينتمي إليه من 35 إلى 40 في المائة من بين إجمالي الأعضاء البالغ عددهم 60 ألف عامل.
ويقبل غالبية عمال البناء ظروف العمل غير المواتية كجزء من عملهم. وتدبر العائلات أمورها المادية في ريف كمبوديا من خلال مزيج من مواردهم الزراعية، والعمل المتقطع خارج نطاق الموسم الزراعي.
وقالت روس ثيارون، وهي عاملة بناء شابة صغيرة تبلغ من العمر 19 عاماً، إن زملاءها الرجال في العمل لا يحترمونها، كما أنها منزعجة لأن دورة المياه بمكان عملها مختلطة يستخدمها الرجال والنساء. وأضافت أن صاحب العمل نادراً ما يمنح فريقها فترات للراحة.
وتابعت قائلة: «أود أن أطالب بالحصول على حقوق في موقع البناء، لكن لا أدري ما إذا كان ذلك ممكناً».
وروس ثيارون صغيرة في السن على نحو لافت بالنسبة لعاملات البناء، حيث إنه عادة ما تتراوح أعمار عاملات البناء ما بين 30 و50 عاماً، حسبما ذكرت دراسة حديثة أجرتها منظمة «كير كمبوديا»، وهي منظمة تنموية دولية تعنى بمكافحة الفقر وتهتم أنشطتها بصورة خاصة بالفتيات والنساء.
وقالت أدريانا سيدل، مستشارة العمل لدى منظمة كير كمبوديا، إن بعض النساء يلحقن بأزواجهن إلى مواقع عملهم كوسيلة للإبقاء على أسرهم مجتمعة الشمل أو لسداد الديون، أو لأنهن لا يستطعن العثور على عمل آخر في مناطقهن بأجر جيد... وليس من غير المألوف رؤية الأسر برفقة أطفالها يعيشون داخل موقع عمل في بنوم بنه أو في مساكن مؤقتة قريبة.
وقالت أدريانا سيدل لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «لقد سمعنا قصصاً من نساء ذكرن أنهن كن يعملن في مصانع، لكنهن تزوجن عمال بناء، واخترن الآن العمل معهم».
وأضافت: «النساء الأكبر سناً - ومن المحتمل ألا تكون لهن ارتباطات أو علاقات في بنوم بنه بسبب وضعهن كمهاجرات - قد يكافحن من أجل إيجاد عمل لائق بمصنع بدلا من البناء».
وفي حالات أخرى، قد تكون أعمال البناء هي الخيار الأعلى أجراً للحاصلين على تعليم محدود أو خبرة محدودة. واكتشفت منظمة «كير كمبوديا» أن 48 في المائة من عاملات البناء ذكرن أنهن أميات، في حين ذكرت 43 في المائة منهن أنهن يستطعن القراءة أو الكتابة بالكاد.
ويجعلهن هذا الأمر غير مؤهلات للعمل بأجر أفضل في مصانع الملابس، التي توظف آلاف النساء أيضا في كمبوديا.
ولكن في الوقت الذي يخضع فيه قطاع الملابس لدرجة عالية من التنظيم، فإن أعمال البناء توفر إجراءات حماية محدودة نسبياً للعمال. ويشير نشطاء إلى أن أفضل طريقة تعود بالفائدة بالنسبة لعمال البناء قد تتمثل في التنظيم في مواقع عملهم وتشكيل نقابات عمالية.
وبالنسبة للعمال الأفراد مثل سوخورن - وما يقرب من مليون مواطن كمبودي آخر - يكمن أحد الحلول قصيرة الأجل في السفر خارج تايلاند. وتعتزم سوخورن مغادرة بلادها في أقرب وقت ممكن من أجل الحصول على أجر أعلى وظروف عمل أفضل خارج حدود البلاد... ولكنها تحتاج أولاً إلى توفير ما يكفي من المال لتحمل تكاليف الرحلة.
كمبوديا... بناء «فاخر» على أكتاف نساء «مظلومات»
يشكلن نحو 45 % من القوى العاملة بالتطوير العقاري... ومتوسط الأجر 5 دولارات يومياً

طفرة عقارية هائلة تشهدها العاصمة الكمبودية خلال السنوات الأخيرة (رويترز)
كمبوديا... بناء «فاخر» على أكتاف نساء «مظلومات»

طفرة عقارية هائلة تشهدها العاصمة الكمبودية خلال السنوات الأخيرة (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة