مستقبل جامعة «سيو» بين الاختلافات الآيديولوجية والغيرة السياسية

جانب من الاحتجاجات الطلابية على التغييرات المقترحة في المجر
جانب من الاحتجاجات الطلابية على التغييرات المقترحة في المجر
TT

مستقبل جامعة «سيو» بين الاختلافات الآيديولوجية والغيرة السياسية

جانب من الاحتجاجات الطلابية على التغييرات المقترحة في المجر
جانب من الاحتجاجات الطلابية على التغييرات المقترحة في المجر

تشهد عدد من العواصم الأوروبية منذ مطلع الشهر الماضي، مظاهرات طلابية عارمة ترفع شعارا يحمل كلمة «فيتو» مرددين هتافات تطالب بـ«جامعة حرة». مظاهرات «فيتو» وما يواكبها من نشاط مستمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما هي إلا حملات منظمة تحث الرئيس المجري ليستخدم حقه في النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون أجازه البرلمان، وينتظر مصادقته ليصبح قانونا ساريا.
ويطالب مشروع القرار الذي قدمته الحكومة للبرلمان، بتعديل نظام التعليم العالي ووضع لوائح جديدة لعمل الجامعات الأجنبية من غير دول الاتحاد الأوروبي.
تأتي على رأس بنود مشروع القانون المثيرة للجدل «ألا تعمل تلك الجامعات الأجنبية (غير الاتحاد أوروبية) بالأراضي المجرية إلا إذا كان هناك اتفاق مجري مع حكومة بلدها الأصلي، وأن يكون لها فرع ببلدها الأصلي»، كما يفرض على الموظفين والأكاديميين الحاليين والجدد ممن هم كذلك من خارج الاتحاد الأوروبي أن «يتقدموا بطلبات للحصول على حق العمل بالأراضي المجرية».
هذا، وتؤكد الحكومة المجرية أن القانون غير مفصل للتمييز ضد جامعة بعينها، وأن من الضروري سنّ هكذا قانون لتنظيم لوائح عمل الجامعات الأجنبية، لإعادة ترتيب أوضاع عملها بما يتماشى والحفاظ على السيادة الوطنية لدولة المجر.
وتصف الجهات المعارضة للقانون بأنه مجرد ذريعة لتدخل حكومي ضد حرية التعليم الجامعي من قبل حكومة مستبدة.
في هذا السياق، تجمع مصادر على أن المقصود أساسا بالتشريع الجديد هو الجامعة الأوروبية المركزية، ومؤسسها الأميركي من أصل مجري المليونير جورج سيروس، المعارض الأول لسياسات رئيس الوزراء فيكتور أوروبان، وبينهما خلافات سياسية حادة ومنافسة علنية خير خافية، ولا سيما أن القانون لن يؤثر على غيرها من الجامعات الأجنبية العاملة بالمجر لكون أن الأخريات أصولهن أوروبية من دول الاتحاد الأوروبي.
وتأسست الجامعة الأوروبية المركزية للدراسات العليا، ويختصرونها «سيو»، في حين تطلق عليها وسائل الإعلام الموالية لحكومة أوروبان اسم «جامعة سيروس»، في عام 1992 مباشرة بعد سقوط حائط برلين 1989 وتفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي 1991.
وتقدم الجامعة التي تتخذ من العاصمة المجرية بودابست مقرا لها شهادات في العلوم الاجتماعية، الإنسانيات، السياسة العامة، الإدارة، علوم البيئة والرياضيات، وتتبع المنهج الإنجليزي، وتعتمد من الولايات المتحدة الأميركية، كما اعتمدتها لجنة الاعتماد المجرية 2004.
وكان المليونير سيروس قد سارع مع تلاشي الحرب الباردة وسقوط حائط برلين وانهيار القبضة الحديدية للاتحاد السوفياتي على دول شرق أوروبا، بتقديم دعم منتظم لمنظمات شرق أوروبية بدعوى مساعدتها على الخلاص من بقايا ما وصفه بالأغلال الشيوعية التي كانت تكبلها، وحتى تندمج في المجتمع الديمقراطي الجديد، ولخلق شباب متعلم يؤمن بالتفكير الحر وبالعولمة، أو كما قال.
ورغم ما حققته الجامعة، إلا أن هناك من يعتبرونها مجرد مؤسسة ثرية دعائية لصالح النظام الرأسمالي، تعمل وفق أجندة شريرة خفية، وصولا إلى فرض قيم ظاهرها ليبرالي وباطنها جني أقصى قدر ممكن من الأرباح.
من جانبه، يقول سيروس إن «التشريع الجديد يعرّض الحرية الأكاديمية للخطر، ويهدد فرص البحث العلمي الحر».
في هذا السياق، سارعت واشنطن بإصدار بيان أعربت فيه عن قلقها إزاء التشريع المقترح، باعثة بمندوبين للتفاوض مع الحكومة المجرية، كما نددت به الحكومات النمساوية والفرنسية والرئيس الألماني، ولم تتخلف عنهم بروكسل ورئاسة الاتحاد الأوروبي. وكان كارلوس موداس، المفوض الأوروبي للبحوث والعلوم، قد عبّر في بيان عن بالغ قلقه إزاء تغييرات لقانون التعليم المجري، إضافة إلى تنديد جامعات وأكاديميين، بما في ذلك حملة لجوائز نوبل ووسائل إعلام غربية، وأولئك الطلاب رافعو شعار «فيتو».
من جانبها وفي مؤتمر صحافي عقدته إدارة الجامعة قال رئيسها: إن التشريع الجديد يستهدفهم في تمييز واضح ليصبح من المستحيل على الجامعة أن تواصل عملها، بيد أنهم لن يستسلموا.
ما يجدر ذكره، أن مؤسسة تتبع لسيروس سبق أن قدمت للرئيس المجري أوروبان منحة مالية سهلت عليه دراسة أجراها بجامعة أكسفورد، وذلك قبل أن تسوء العلاقات بينهما بصورة ملحوظة.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.