يتوقع أغلب الخبراء والمراقبين تصاعد وتيرة النمو - أو استقرارها على أقل تقدير - بأكبر اقتصادات العالم ومناطقه الحساسة خلال العام الجاري، ما يتماشى مع رؤية مؤسسات دولية مرموقة أكدت أن السنوات العجاف التي شهدها العالم على مدار نحو 6 أعوام قد أشرفت على النهاية، ليبدأ منحنى صعودي جديد من الانتعاش والازدهار.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تباطأ النمو الاقتصادي في محاولة للتغلب على الأزمة التي كبلت الاقتصاد العالمي بتبعاتها التي امتدت من الولايات المتحدة غرباً إلى الصين شرقاً، مروراً بأغلب الدول ذات الاقتصاد القوي؛ إلا أنه حتى ذلك التقدم البطيء شهد عرقلة كبيرة نتيجة حركة من الركود العالمي مع عام 2011، ما أسفر عن معدلات نمو محبطة ومخيبة للآمال على مدار 6 سنوات؛ بحسب تعبير كريتسين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي في خطاب مهم لها ببرلين الأربعاء الماضي.
ومع انتشار التوترات الجيوسياسية حول العالم، سواء في الشرق الأوسط الذي يشهد صراعات متعددة، أو تنامي العمليات الإرهابية في مختلف المناطق حول العالم وامتدادها إلى أوروبا، وانخفاض أسعار النفط العالمية منذ عام 2014 بدرجة كبيرة، ثم تزايد المخاوف من صعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في عدد من الدول الاقتصادية الكبرى، خاصة في فرنسا وربما ألمانيا وهولندا، إضافة إلى مزيد من الشعبوية والحمائية التي تتبناها بشدة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أقوى اقتصاد بالعالم؛ زادت حدة المخاوف من تواصل خفوت النمو الاقتصادي خلال العام الجاري أيضاً.
إلا أن الأرقام الأخيرة والتوقعات تصب في خانة إيجابية من حيث النمو، خاصة إذا ما تجنب قادة الاقتصاد في العالم المعوقات الواضحة؛ وعلى رأسها عدم اليقين السياسي، والحمائية بمخاطرها على التجارة العالمية، وزيادة ضيق الأوضاع المالية العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى خروج التدفقات الرأسمالية بصورة مربكة من الاقتصادات الصاعدة والنامية.
النمو العربي مبشر
وتوقعت لاغارد أن تساهم الدول الناشئة والنامية بنحو 75 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2017. فيما أشار تقرير صادر عن صندوق النقد العربي نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن الدول العربية المصدرة للنفط ستشهد ارتفاع النمو إلى 2.3 في المائة نتيجة عودة كميات الإنتاج النفطي لمساراتها السابقة وتواصل ارتفاع الأسعار العالمية... متوقعاً تعافي وتيرة النشاط الاقتصادي في الدول العربية ونموه بمعدل 2.7 في المائة خلال العام المقبل 2018، وذلك نظراً أيضا للتأثير الإيجابي المتوقع لتراجع الأثر الانكماشي لسياسات الانضباط المالي على مستويات الطلب، إضافة إلى التوقعات بحدوث تحسن نسبي في الأوضاع الداخلية لبعض تلك الدول ومنها العراق.
التقرير الذي حمل عنوان إصدار أبريل (نيسان) من «آفاق الاقتصاد العربي»، أورد أن التحسن المتوقع في الأداء الاقتصادي للعام المقبل، يشمل دول الخليج والدول العربية الأخرى المُصدرة للنفط وسيصل إلى 2.2 في المائة و3 في المائة على التوالي.
وشهدت الاقتصادات العربية المنتجة للنفط، تراجعاً في إيراداتها نتيجة تراجع أسعار الخام في الأسواق العالمية، بينما تشهد دول عربية مستهلكة توترات أمنية نتيجة الثورات والحروب أو تبعاتها بالنسبة لدول الجوار.
وبحسب تقرير صندوق النقد العربي، سيتواصل تحسن النشاط الاقتصادي في البلدان المستوردة للنفط ليصل معدل النمو إلى 4.1 في المائة بفعل زيادة الطلب الخارجي، نظراً لتحسن النشاط الاقتصادي العالمي، ما سيدعم مستويات الصادرات والاستثمار.
وعن توقعات التضخم خلال عامي 2017 و2018، لفت التقرير إلى أن المعدل سيتأثر بمجموعة من العوامل المحلية، منها استمرار اتخاذ الإجراءات الهادفة لترشيد الدعم، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى احتمال صدور ضرائب أخرى جديدة مثل الضريبة الانتقائية. وتابع التقرير، أنه في ظل العوامل السابقة، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في الدول العربية خلال العام الحالي 9.8 في المائة، ونحو 9.6 في المائة في 2018.
التجارة العالمية تنتعش
وفي غضون ذلك، فإن منظمة التجارة العالمية تتوقع أن التجارة العالمية تتجه لنمو نسبته 2.4 في المائة هذا العام، لكنها حذرت من أن هناك «عدم تيقن عميق» بشأن التطورات الاقتصادية والسياسية؛ ولا سيما في الولايات المتحدة.
وعدلت المنظمة نطاق النمو هذا العام إلى ما بين 1.8 و3.6 في المائة، من 1.8 و3.1 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها أشارت إلى مخاوف من «اختناق» أنشطة التجارة بسبب عدم وضوح السياسات الحكومية. فيما يؤكد مديرها العام روبرتو أزيفيدو أن «هناك تفاؤلا حذرا بوجه عام، لكن نمو التجارة يظل هشاً، وهناك مخاطر تراجع كبيرة. جانب كبير من عدم التيقن سياسي»، مشدداً على أن على العالم «الاستمرار في مقاومة إقامة حواجز جديدة أمام التجارة».
ويرى أزيفيدو أن «الأداء الضعيف على مدى العام الماضي يرجع بدرجة كبيرة إلى التباطؤ الكبير في الأسواق الناشئة، حيث حل الركود بالواردات في العام الماضي ولم تسجل أحجامها نموا يذكر». ومن المتوقع في 2018 نمو التجارة العالمية بين 2.1 و4 في المائة وفقاً لأحدث تحليلات المنظمة.
الصين مستقرة
وبالنسبة لثاني اقتصاد على مستوى العالم، يتوقع الخبراء أن يكون نمو الاقتصاد الصيني خلال الربع الأول من العام الحالي مستقرا بفضل الإنفاق الحكومي وانتعاش الصادرات. ويتوقع الخبراء نمو الناتج المحلي للصين خلال الربع الأول من العام الحالي بمعدل 6.8 في المائة، وهو معدل النمو نفسه خلال الربع الأخير من العام الماضي.
ويأتي ذلك فيما يعتزم مكتب الإحصاء الوطني الصيني إعلان بيانات النمو للربع الأول غداً 17 أبريل (نيسان) الحالي. وكانت الحكومة الصينية قد خفضت معدل النمو المستهدف للعام الحالي ككل إلى 6.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل نمو بمعدل 6.7 في المائة خلال العام الماضي، وهو ما جاء ضمن النطاق المستهدف الذي كان يتراوح بين 6.5 و6.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. في الوقت نفسه كان معدل النمو خلال العام الماضي هو الأقل بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ 26 عاماً.
وكان البنك الدولي قد ذكر في تقرير نشر في وقت سابق من الأسبوع الحالي استمرار تراجع وتيرة نمو الاقتصاد الصيني ليسجل 6.5 في المائة خلال العام الحالي، و6.3 في المائة خلال العامين المقبلين. مشيرا إلى أن تراجع معدل النمو يعكس آثار الإجراءات الحكومية الرامية إلى خفض فائض الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الصيني والحد من نمو الاقتراض.
ويتوقع المحللون نمو الناتج الصناعي لشهر مارس (آذار) الماضي بمعدل 6.4 في المائة سنويا، بعد نمو بنسبة 6.3 في المائة خلال أول شهرين من العام الحالي. كما يتوقع المحللون نمو مبيعات التجزئة للشهر ذاته بمعدل 9.6 في المائة، بعد النمو بمعدل 9.5 في المائة منذ مطلع العام الجاري.
نمو مطمئن بمنطقة اليورو
وفي منطقة اليورو، حيث المخاوف على أشدها من المخاطر السياسية، قالت جينفر ماكوين كبيرة خبراء الاقتصاد الأوروبي في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للدراسات الاقتصادية إنه من المتوقع نمو اقتصاد منطقة اليورو بوتيرة جيدة خلال العام الحالي، رغم ضعف الناتج الصناعي.
وأشارت ماكوين إلى أن الانكماش الطفيف للناتج الصناعي لمنطقة اليورو خلال فبراير (شباط) الماضي يشير إلى ضعف أداء القطاع خلال الربع الأول، وأن النمو القوي للقطاعات الأخرى سيعوض هذا الضعف، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وكانت البيانات الصادرة عن وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) يوم الثلاثاء الماضي قد أظهرت تراجع الناتج الصناعي لمنطقة اليورو التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، بنسبة 0.3 في المائة خلال فبراير الماضي، وذلك مقارنة بالشهر السابق، في أعقاب نموه بنسبة 0.3 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي... وفي الوقت نفسه كان معدل النمو السنوي للناتج الصناعي خلال فبراير الماضي 1.2 في المائة، بعد نمو سنوي بمعدل 0.2 في المائة خلال الشهر الأسبق.
وأشار مسح اقتصادي نشره مركز الأبحاث الاقتصادية «زد إي دبليو» في مدينة مانهايم الألمانية نتائجه يوم الثلاثاء الماضي إلى ارتفاع ثقة المستثمرين في ألمانيا خلال أبريل (نيسان) للشهر الثاني على التوالي لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ 20 شهرا.
وتقول ماكوين إن بيانات «يورستات» و«زد إي دبليو» تقدم صورة متباينة بدرجة ما، حيث إن البيانات الملموسة ما زالت لا تترجم الرسائل الإيجابية التي تقدمها المسوح الاقتصادية. وأضافت أنه في حالة نمو الناتج الصناعي لمنطقة اليورو بمعدل 0.5 في المائة خلال مارس الماضي، سيعني ذلك استقرار الناتج الصناعي خلال الربع الأول ككل من دون تغيير، وهو ما يمثل تباطؤا حاداً عن الربع الأخير من العام الماضي، حيث كان الناتج الصناعي قد زاد بنسبة 0.9 في المائة.
في الوقت نفسه، فإن البيانات الاقتصادية الخاصة بألمانيا وفرنسا، وهما أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، أشارت إلى أن النمو القوي في قطاع التشييد عوض تباطؤ الناتج الصناعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو أشار إلى تحسن النمو في قطاع الخدمات الأوسع نطاقاً.
وبحسب ماكوين، فإن الناتج الإجمالي المحلي لمنطقة اليورو سيسجل نمواً بمعدل 0.4 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، وسينمو بمعدل 2 في المائة خلال العام الحالي ككل.
تفاؤل بوتيرة نمو الاقتصاد العالمي في 2017
توقعات بانتعاشة عربية العام المقبل
تفاؤل بوتيرة نمو الاقتصاد العالمي في 2017
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة