الرئيس اللبناني يعلّق عمل البرلمان شهراً لعرقلة تمديد ولايته

استنفار سياسي وأمني والأحزاب المسيحية تدعو للإضراب العام

الرئيس اللبناني ميشال عون مجتمعاً مع رئيس الوزراء سعد الحريري في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون مجتمعاً مع رئيس الوزراء سعد الحريري في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
TT

الرئيس اللبناني يعلّق عمل البرلمان شهراً لعرقلة تمديد ولايته

الرئيس اللبناني ميشال عون مجتمعاً مع رئيس الوزراء سعد الحريري في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون مجتمعاً مع رئيس الوزراء سعد الحريري في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)

وصل الاحتقان في لبنان إلى مستويات غير مسبوقة عشية الجلسة النيابية التي كانت مقررة اليوم الخميس لتمديد ولاية مجلس النواب للمرة الثالثة على التوالي، وانقسام الفرقاء ما بين أكثرية من المسلمين تؤيد التمديد تفاديا للفراغ النيابي وأكثرية مسيحية تعارضه تماما وتربطه بالاتفاق المسبق على قانون جديد تجري على أساسه الانتخابات. وتوسّع الخلاف ليطال «ميثاقية» الجلسة النيابية المزمع عقدها في ظل قرار الأحزاب المسيحية الرئيسية مقاطعتها واقتصار الحضور المسيحي على عدد من النواب المستقلين وكتلة النائب سليمان فرنجية التي لا تضم إلا 3 نواب. وتعتبر القوى المسيحية الرئيسية أن «سير رئيس المجلس النيابي نبيه بري بجلسة مماثلة من شأنه أن يضرب مبدأ الشراكة المسيحية - الإسلامية التي يقوم عليها لبنان».
وقرر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مساء أمس، استخدام إحدى الصلاحيات التي يتيحها له الدستور، وتحديدا المادة 59 منه معلّقا عمل مجلس النواب للتصدي لعملية التمديد، وهي صلاحية لم يلجأ إليها أي رئيس للجمهورية، منذ توقيع اتفاق الطائف في عام 1989 على الأقل.
وقال عون في كلمة وجهها للبنانيين: «تعهدت في خطاب القسم بتصحيح التمثيل على أسس الميثاقية، وتعهدت الحكومة في البيان الوزاري بإقرار قانون انتخاب يراعي صحة التمثيل، وسبق أن حذرت من تداعيات التمديد، وحتما لن يكون له سبيل في عهد إنهاض الدولة». وأضاف: «إفساحا للمجال بين جميع الأفرقاء ومنعا لاستباحة حق اللبنانيين، قررت تأجيل تأجيل انعقاد جلسة مجلس النواب لمدة شهر واحد استنادا إلى نص المادة 59 من الدستور».
ووفق أستاذ القانون الدولي أنطوان صفير فإن أمام الرئيس عون سلسلة خيارات دستورية يمكنه اللجوء إليها للتعامل مع الأزمة، إلا أن مجمل هذه الخيارات لا تأتي بالحل إنما تؤجله، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن اللجوء إلى المادة 59 من الدستور يتيح له تعليق عمل مجلس النواب، وبالتحديد منعه من الانعقاد لمدة شهر كامل، إلا أنه بعد انقضاء هذه المهلة سيتمكن المجلس من إقرار قانون التمديد. وأوضح صفير أن هناك مخارج دستورية أخرى كرد القانون للمجلس بعد إقراره أو الطعن به أمام المجلس الدستوري.
وشهد أمس الأربعاء استنفارا سياسيا وأمنيا لمواكبة المستجدات، خاصة بعد دعوة الأحزاب المسيحية وعلى رأسها «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» للإضراب العام والتظاهر لمنع إقرار التمديد، على أن ينضم مناصروهم بذلك إلى مجموعات الحراك المدني التي ستوجد في شوارع وسط بيروت المؤدية إلى مبنى البرلمان في محاولة للحؤول دون وصول النواب المؤيدين مشروع تأجيل الانتخابات لعام كامل. واعتبر التيار أن «إقرار قانون انتخابات جديد يؤمن المناصفة والشراكة ويحترم الميثاق، هو الممر الإلزامي لتصحيح تكوين السلطة، على أسس سليمة، انطلاقا من المجلس النيابي، المؤسسة الدستورية الأم»، فيما شدّد «القوات» على أن «الحل الفعلي للأزمة الحالية يكون من خلال إقرار قانون انتخاب جديد يؤمن أكبر قدر ممكن من المناصفة الفعلية، ولا يكون بتمديد ثالث للمجلس النيابي».
وتحدثت مصادر في التيار الوطني الحر المؤيد لعون لـ«الشرق الأوسط» عن «فشل كل الاجتماعات التي تمت بين وفود من (حزب الله) في التوصل إلى أي اتفاق وآخرها الذي تم عقده مساء أمس»، لافتة إلى أنّه «بمقابل تمسك الحزب بالنسبية الكاملة نظاما انتخابيا، يشدد التيار على وجوب تضمين القانون مرحلة من التأهيل الطائفي لضمان وصول النواب المسيحيين بأصوات الناخبين المسيحيين أنفسهم». وأضافت المصادر: «ما آلت إليه الأمور بين التيار والحزب سيؤثر ولا شك على تحالف الطرفين اللذين على ما يبدو فقدا الثقة ببعضهما».
وانكبت القوى السياسية طوال ساعات أمس على محاولات لاستيعاب التطورات الأخيرة والحؤول دون «صدام طائفي» يبدأ بالسياسة وقد يتخذ أبعادا أخرى غير محسوبة لكونه يتزامن مع تحركات كبيرة في الشارع. وتابع الرئيس عون، وفق الوكالة الوطنية للإعلام، الاتصالات السياسية الجارية على مختلف المستويات والمتعلقة بالدعوة التي وجهت إلى مجلس النواب للانعقاد، وعلى جدول أعماله اقتراح قانون للتمديد للمجلس سنة إضافية. وتركزت الاتصالات على سبل معالجة هذه المسألة بعد ردود الفعل السياسية والشعبية الرافضة للتمديد، وحذر عون من «الأبعاد السلبية لمثل هذه الخطوة». كذلك نشطت الحركة في السرايا الحكومية، حيث ألغى رئيس الحكومة سعد الحريري مواعيده وتفرغ لإجراء اتصالات متلاحقة مع الرئيسين، عون وبري، ومختلف القوى السياسية، لإيجاد مخرج لمسألة الاتفاق على مشروع قانون الانتخاب وتفادي أي تداعيات سلبية، وحاول الحريري بث نوع من الطمأنينة في نفوس سائليه، قائلا: «سنصل إلى حل قبل الغد إن شاء الله».
ونقل عدد من النواب عن الرئيس بري بعد «لقاء الأربعاء النيابي» قوله: «إننا مضطرون في غياب التوصل إلى اتفاق على القانون إلى تجرع سم التمديد لتلافي الفراغ القاتل والمدمر للبلاد»، لافتا إلى أنّهم في حركة «أمل» كانوا دائما «منفتحين في النقاش حول قانون الانتخاب لإنتاج قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه». وأضاف بري: «عندما نتفق على قانون الانتخاب ونقره فإنه في مقدورنا تعديل مدة التمديد ومفاعيلها آخذين في الاعتبار هذا القانون الجديد لإجراء الانتخابات على أساسه». كنا نقل النواب أيضا تأكيد الرئيس بري «حرصه على العهد والمؤسسات الدستورية»، مشيرا إلى أن «هذا الحرص يقتضي منا جميعا عدم الذهاب إلى الفراغ في المجلس النيابي في كل الأحوال».
من جهته، لفت النائب علي فياض إلى أن «حزب الله» سيحضر الجلسة النيابية الخميس، وقال: «انتظروا ساعات الليل المتأخرة فيما يخص التمديد»، معتبرا «الفراغ أسوأ السيناريوهات على الإطلاق».
وكانت قد تكثفت أمس الاجتماعات واللقاءات السياسية في محاولة لاجتراح الحلول، وقال عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان بعد لقائه ووفد من التكتل البطريرك المروني بشارة الراعي، إن «الظرف الحالي استثنائي مصيري وكياني»، وتساءل: «لماذا يجوز التصويب على قانون تمديد يعتبر عارا علينا ويخالف الدستور علنا والنظام الديمقراطي البرلماني ولا يجوز التصويت على قانون انتخاب؟» وتابع: «ممنوع التصويت على قانون انتخاب، لا في الحكومة ولا في مجلس النواب، هذا الكلام قيل ونحن سنصوت على التمديد من دونكم. أهكذا يبنى لبنان والدولة؟».
من جهته، أكّد الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري ألا مشكلة لدى تياره «مع كل مشروعات القوانين المطروحة»، لافتا إلى أن رئيس الحكومة «يقوم بواجبه في البحث عن مخارج، ويحاول تدوير الزوايا، كي لا نقع في أزمة جديدة، أو في تعطيل جديد، كي لا تذهب كل المبادرات في الأشهر الماضية هباء منثورا». أما النائب عن حزب «الكتائب اللبنانية» إيلي ماروني، فأكّد أن مناصري الحزب «سينزلون إلى الشارع غدا تزامنا مع الجلسة التشريعية للمطالبة بضرورة إقرار قانون يؤمن صحة التمثيل للبنانيين والمسيحيين، ولرفض التمديد إذا ما كان مقرونا بقانون انتخابي يحدد التأجيل التقني بضعة أشهر ريثما تتمكن السلطات من إجراء التحضيرات اللازمة». وأكد أن «المظاهرات ستكون سلمية ولن يتم منع النواب من الوصول إلى البرلمان لأن في ذلك عودة إلى فترة الحرب الأليمة، خصوصا أن الجلسة متزامنة مع ذكرى 13 نيسان»، داعيا لـ«التنبه إلى أن الأزمة اليوم ليست مسيحية - إسلامية، إنما لها وجوه كثيرة؛ فهناك المسؤول عن عرقلة إقرار قانون حتى اللحظة، وهناك من يفصّل القوانين الانتخابية على قياسه».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».