ألمانيا محرجة من فائضها التجاري

شركاؤها يتهمونها بـ«دعم التصدير ولجم الاستيراد»

سجلت ألمانيا في 2016 فائضاً تجارياً زاد على 253 مليار يورو مقابل 244 ملياراً في عام 2015 (رويترز)
سجلت ألمانيا في 2016 فائضاً تجارياً زاد على 253 مليار يورو مقابل 244 ملياراً في عام 2015 (رويترز)
TT

ألمانيا محرجة من فائضها التجاري

سجلت ألمانيا في 2016 فائضاً تجارياً زاد على 253 مليار يورو مقابل 244 ملياراً في عام 2015 (رويترز)
سجلت ألمانيا في 2016 فائضاً تجارياً زاد على 253 مليار يورو مقابل 244 ملياراً في عام 2015 (رويترز)

سجلت ألمانيا، في فبراير (شباط) الماضي، فائضاً تجارياً إضافياً بلغ 21 مليار يورو، يضاف إلى فائض يناير (كانون الثاني) الذي بلغ 19 ملياراً، وفقاً لمكتب الإحصاء «ديستاتيس».
كانت ألمانيا قد سجلت، في عام 2016، فائضاً تجارياً زاد على 253 مليار يورو، مقابل 244 ملياراً في عام 2015.
أما الحساب الحالي، الذي في ميزانه صادرات السلع ووارداتها، إضافة إلى تجارة الخدمات والتدفقات الاستثمارية، فكان فائضاً أيضاً بقوة العام الماضي بنحو 266 مليار يورو، ما نسبته 8.3 في المائة من الناتج، أي أعلى من النسبة المحددة من المفوضية الأوروبية عند 6 في المائة، وأعلى نسبياً أيضاً من الفائض الحالي الذي حققته الصين العام الماضي.
وفي كل مرة تعلن فيها إحصاءات كهذه، تصدر تصريحات منتقدة من بعض الشركاء التجاريين لألمانيا، مثل الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وغير الأوروبية، مما يسبب إحراجاً للحكومة الألمانية المضطرة في كل مرة إلى تبرير الفائض.
وسبق لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن وجهت سهاماً إلى ألمانيا، متهمة إياها بالتلاعب بسعر صرف اليورو لإبقائه ضعيفاً أمام الدولار، وبالتالي زيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة.
كما تتعرض ألمانيا إلى انتقادات مبطنة أو علنية من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والمفوضية الأوروبية، بسبب هذا الفائض الآتي على حساب - أو من حساب - الشركاء التجاريين الآخرين الذين يعانون من عجوزات تجارية كبيرة، مثل التي في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
أما الجديد على هذا الصعيد، فيظهر فيما بدأت مراجع اقتصادية ألمانية محلية تذكره محذرة من «خلل داخلي يسمح بزيادة الصادرات وخفض الواردات»، ولا تنظر هذه المراجع إلى الفائض بعين الرضا، بل تشخص فيه مشكلة ما.
ويقول اقتصاديون ألمان إن «الاستثمارات الداخلية، لا سيما العامة منها، ليست على المستوى الذي يحتاجه الاقتصاد وبنيته التحتية. وهذا النوع من الإنفاق العام، لا سيما في قطاعات غير مصدرة مثل الخدمات العامة، يرفع الاستيراد عادة، كما يرفع الطلب الداخلي».
ويعد الإنفاق العام الألماني بين الأدنى في دول العالم الصناعي المتقدم، ولا يتجاوز معدله 2.3 في المائة من الناتج منذ عام 2000. أما استثمارات القطاع الخاص، فمركزة داخلياً في قطاعات مصدرة، أو هي مهاجرة للاستثمار في الخارج، وتحديداً في الأسواق التي تطلب المنتجات الصناعية الألمانية. ولم يتقدم الاستثمار الداخلي كثيراً في السنوات الأخيرة، رغم تدني أسعار الفائدة، بحسب المفوضية الأوروبية.
وتضيف المراجع الشارحة لأسباب الفائض أن «الحكومات المتعاقبة منذ عام 2000 تتشدد مالياً لشد الحزام، خوفاً من عجز الميزانية، وأقرت قوانين تحد من اقتراض الولايات الاتحادية، ووضعت أدنى نسبة أوروبية لعجز الموازنة الفيدرالية، قياساً بالناتج». وقد طغى هدف لجم الدين العام على كل الأهداف الأخرى. ففي الوقت الذي تسجل فيه ميزانيات الدول الصناعية الكبرى عجوزات متفاوتة، تفخر ألمانيا بفائض ميزانيتها الذي بلغ في 2016، على سبيل المثال، 24 مليار يورو.
إلى ذلك، يذكر محللون أسباباً أخرى تجعل الاستيراد أقل من التصدير، مثل أن «الشعب الألماني مدخر أو مقتصد عموماً، وغير مستهلك حتى يزيد الاستيراد، وتبلغ نسبة ادخاره من دخله الخام 17 في المائة، مقابل متوسط أوروبي لا يتجاوز 10 في المائة». وهذا المؤشر يعززه عامل ديمغرافي قائم على نسبة شيخوخة عالية بين السكان.
في المقابل، ترد السلطات الألمانية المعنية على بعض هذه الانتقادات، كما فعلت وزارة المالية التي رفضت الاتهام الأميركي الخاص بالاستفادة من اليورو الضعيف، وقالت: «إن سعر صرف العملة هو انعكاس للاقتصاد الحقيقي في الاتحاد الأوروبي عموماً، كما أنه نتاج سياسات البنك المركزي الأوروبي، إلى جانب عوامل العرض والطلب في السوق المالية، ولا يد لألمانيا في كل ذلك». وأشارت إلى أن «الفائض التجاري حاصل بسبب تنافسية الاقتصاد، وقدرته على التصدير الصناعي، كما استفاد الاقتصاد منذ عام 2014 من انخفاض أسعار البترول، فانخفضت كلفة الإنتاج والنقل، وهبطت قيمة فاتورة النفط المستورد، لذلك تراجعت قيمة الواردات بينما حافظت الصادرات على تماسك نموها».
ويضيف صناعيون ألمان حججاً أخرى لتفسير قوة الصادرات، مثل أن «حجم الصناعة في الناتج الألماني كبير»، ويستخدم هذا القطاع 33 في المائة من القوى العاملة، ويساهم في الناتج بنسبة الثلث. مع الإشارة إلى أن الصناعة الألمانية كسبت تنافسية عالية منذ ما قبل اليورو، فأيام كان المارك الألماني قوياً، تكيف هذا القطاع مع سعر صرف لاجم للتصدير، وضبط كلفته الإنتاجية، خصوصاً كلفة العمالة. وتستفيد الصناعات الألمانية الآن من سمعة عالمية كسبتها على مدى عقود، لا سيما على صعيد الآلات الميكانيكية والسيارات والكيماويات.
ويقول الصناعيون إن «حجة اليورو الضعيف لزيادة الصادرات غير واقعية، بعدما تداخلت سلاسل التوريد بفعل العولمة، فقطع غيار كثيرة داخلة في الصناعات الألمانية مصدرها خارجي وسعرها مدفوع بغير اليورو. فمع العولمة، لم تعد العملة العامل الأول في تنافسية الصادرات. وفي حالة التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، سجلت ألمانيا فائضاً عندما كان اليورو يساوي 1.6 دولار في 2011، كما تسجل الآن فائضاً مع يورو لا يساوي أكثر من 1.06 دولار».
ومع ذلك، يخشى الصناعيون المصدرون من تطورات تأخذ منحى تصاعدياً مع توجهات الحمائية التجارية التي يهدد بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ولم تتضح أبعادها كلها بعد.



الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
TT

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)

تعهدت الصين، يوم الخميس، بزيادة العجز في الموازنة، وإصدار مزيد من الديون، وتخفيف السياسة النقدية، للحفاظ على استقرار معدل النمو الاقتصادي، وذلك في ظل استعدادها لمزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

جاءت هذه التصريحات في بيان إعلامي رسمي صادر عن اجتماع سنوي لتحديد جدول أعمال كبار قادة البلاد، المعروف بمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي (CEWC)، الذي عُقد في 11 و12 ديسمبر (كانون الثاني)، وفق «رويترز».

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية بعد الاجتماع المغلق للجنة الاقتصادية المركزية: «لقد تعمق الأثر السلبي الناجم عن التغيرات في البيئة الخارجية». ويُعقد هذا الاجتماع في وقت يعاني فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صعوبات شديدة، نتيجة أزمة سوق العقارات الحادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب المحلي. وتواجه صادراتها، التي تعد من بين النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد، تهديداً متزايداً بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتتوافق تعهدات اللجنة الاقتصادية المركزية مع اللهجة التي تبناها أكثر تصريحات قادة الحزب الشيوعي تشاؤماً منذ أكثر من عقد، التي صدرت يوم الاثنين بعد اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة العليا لصنع القرار.

وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في «بين بوينت أسيت مانجمنت»: «كانت الرسالة بشأن رفع العجز المالي وخفض أسعار الفائدة متوقعة». وأضاف: «الاتجاه واضح، لكنَّ حجم التحفيز هو ما يهم، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد إعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية».

وأشار المكتب السياسي إلى أن بكين مستعدة لتنفيذ التحفيز اللازم لمواجهة تأثير أي زيادات في الرسوم الجمركية، مع تبني سياسة نقدية «مرنة بشكل مناسب» واستخدام أدوات مالية «أكثر استباقية»، بالإضافة إلى تكثيف «التعديلات غير التقليدية المضادة للدورة الاقتصادية».

وجاء في ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري تنفيذ سياسة مالية أكثر نشاطاً، وزيادة نسبة العجز المالي»، مع رفع إصدار الديون على المستوى المركزي والمحلي.

كما تعهد القادة بخفض متطلبات الاحتياطي المصرفي وبتخفيض أسعار الفائدة «في الوقت المناسب».

وأشار المحللون إلى أن هذا التحول في الرسائل يعكس استعداد الصين للدخول في مزيد من الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على المخاطر المالية، على الأقل في الأمد القريب.

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، تحدد بكين أهداف النمو الاقتصادي، والعجز المالي، وإصدار الديون والمتغيرات الأخرى للعام المقبل. ورغم أن الأهداف يجري الاتفاق عليها في الاجتماع، فإنها لن تُنشر رسمياً إلا في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس (آذار).

وأفادت «رويترز» الشهر الماضي بأن المستشارين الحكوميين أوصوا بأن تحافظ بكين على هدف النمو عند نحو 5 في المائة دون تغيير في العام المقبل.

وقال تقرير اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري الحفاظ على نموٍّ اقتصادي مستقر»، لكنه لم يحدد رقماً معيناً.

التهديدات الجمركية

وأثارت تهديدات ترمب بزيادة الرسوم الجمركية حالة من القلق في المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة. وقد بدأ كثير من المصنِّعين في نقل إنتاجهم إلى الخارج للتهرب من الرسوم الجمركية.

ويقول المصدِّرون إن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تآكل الأرباح بشكل أكبر، مما سيضر بالوظائف، والاستثمار، والنمو. وقال المحللون إنها ستفاقم أيضاً فائض القدرة الإنتاجية في الصين والضغوط الانكماشية التي تولدها.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن الصين ستنمو بنسبة 4.5 في المائة في العام المقبل، لكنَّ الاستطلاع أشار أيضاً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في النمو بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

وفي وقت لاحق من هذا العام، نفَّذت بكين دفعة تحفيزية محدودة، حيث كشف البنك المركزي الصيني في سبتمبر (أيلول) عن إجراءات تيسيرية نقدية غير مسبوقة منذ الجائحة. كما أعلنت بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) حزمة ديون بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف ضغوط تمويل الحكومات المحلية.

وتواجه الصين ضغوطاً انكماشية قوية، حيث يشعر المستهلكون بتراجع ثرواتهم بسبب انخفاض أسعار العقارات وضعف الرعاية الاجتماعية. ويشكل ضعف الطلب الأسري تهديداً رئيسياً للنمو.

ورغم التصريحات القوية من بكين طوال العام بشأن تعزيز الاستهلاك، فقد اقتصرت السياسات المعتمدة على خطة دعم لشراء السيارات والأجهزة المنزلية وبعض السلع الأخرى.

وذكر ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية أن هذه الخطة سيتم توسيعها، مع بذل الجهود لزيادة دخول الأسر. وقال التقرير: «يجب تعزيز الاستهلاك بقوة».