مقدمات مكثفة لا تغني عن قراءة الأصل

كتاب جامع لحسن البياتي عن إصدارات وآثار إبداعية

مقدمات مكثفة لا تغني عن قراءة الأصل
TT

مقدمات مكثفة لا تغني عن قراءة الأصل

مقدمات مكثفة لا تغني عن قراءة الأصل

صدر عن «دار الفارابي» ببيروت كتاب جديد للدكتور حسن البياتي يحمل عنوان «مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية»، وقد وزّع الباحث موادَ كتابه على قسمين أساسيين وهما «الآثار الإبداعية» وعددها 16 أثراً، و«الآثار المعرفية» التي بلغ عددها 12 أثراً. وعلى الرغم من غِنى هذه المقدمات وكثافتها فإنها لا تعوِّض المتلقي عن قراءة النصوص الأصلية. فأي مقدمة مهما اتسعت لا تمثل إلاّ العُشر الناتئ من جبل الجليد، أمّا التسعة أعشار فتظل غاطسة في الأعماق، وتحتاج إلى قارئ عضوي يتجشّم عناء الغوص والمغامرة والاستكشاف. لا تحتاج أي مقدمة مُحْكمة سوى أن تضع القارئ في الفلك الذي يدور حول ثيمة الكتاب، والغاية الأساسية التي دفعت مؤلفه لإنجازه، وكلما كانت المقدمة موجزة، ومستوفية لشروطها كانت الفائدة أعمّ وأشمل؛ لأنها تضمن بقاء القارئ في المدار الصحيح الذي يتمحور حول الفكرة المركزية لأي عمل إبداعي أو معرفي.
يحظى الجانب النثري في القسم الأول من الكتاب بحصة الأسد، فهناك روايات، ونوفيلات، وقصص ومسرحيات، وحكايات أسطورية، وبالمقابل هناك جانب شعري يرصد عدداً من الأشكال والمضامين الشعرية المتنوعة، كما لا يخلو هذا القسم من التماعات نقدية يمكن تلمّسها في غالبية هذه المقدمات. لو تفحصنا المقدمة الأولى التي كتبها عن رواية «أولئك الذين تحت» للروائي المكسيكي ماريانو أثويلا Azuela لوجدناها طويلة مُسهِبة لم يُمسِك فيها البياتي بالفكرة المهيمنة التي يتردد صداها على مدار الرواية، كما أن ترجمة العنوان ضعيفة؛ لأنها تخلو من الإشراقة المجازية التي تمنح النص هيبة إضافية. بينما يحيط البياتي في «طيور الشمس» بالثيمة الرئيسية للنوفيلا التي كتبها الروائي الروسي نيكولاي بالايف.
من ناحية أخرى، يركِّز البياتي في مقدمته التي كتبها عن رواية «زَبَد الحديد» للروائي الروسي إيفان أوخانوف على بطل الرواية الذي عاد من الجبهة فاقداً لنعمتي النطق والسمع إثر انفجار هائل لكنه لم يفقد حيويته، فقد ظل حدّاد القرية وحصّادها وبنّاءها في آنٍ معاً. أما نوفيلا «الحاجز» للروائي البلغاري بافل فيجينوف Vezhinov إضافة إلى «الحِرْذَون الأبيض» و«الأبعاد» فتحمل نكهات غير مألوفة، كما يذهب البياتي، ويضيف أنها تمزج «الواقع بالخيال، والمعقول باللامعقول، والحقائق العلمية بالتصورات الميتافيزيقية» (ص41). يؤكد البياتي أن فيجينوف يستعمل الفانتازيا كأسلوب فني يُثري العمل الإبداعي.
تتكئ نوفيلات فاديم شيفنر الثلاث وعلى رأسها «اللغز المغلق» على الفانتازيا، وتعتمد على الخيال العلمي الواسع، آخذين بنظر الاعتبار أن هذا الروائي الروسي يميل في كتاباته إلى التحليل العميق لأمزجة الناس وسلوكهم وطباعهم. أما الروائي الأوزبكي فلاديمير باراباش فيكتب نصوصاً تعليمية غير مباشرة لكنها مفعمة بالتشويق وروح المغامرة. تتجلى الثيمة واضحة في مسرحية «لا تقلقي يا أمي» للجورجي نودار دومبادزه، حيث يأتي تيموراز مع جده إلى «تبليسي» لتأدية امتحان القبول في كلية الطب لكنه يفشل فيمكث في العاصمة بينما يعود الجد إلى القرية خجلاً من هذا الحفيد الذي خيّب ظنّه. ثمة مسرحيات أخرى انضوت تحت عنوان «سوق الطيور» لكَريكَوري كَورن وأركادي أركانوف تتسم بالفكاهة لكنها لا تخلو من العنصر التراجيدي، فضلاً عن نفَسها الانتقادي لظواهر اجتماعية في الحقبة السوفياتية.
تتضح اللمسة النقدية للبياتي في مقدمته التي كتبها لديوان «باب اليمن» للشاعر سالم عوض رموضة، حيث توقف عند بعض السمات الشعرية في تجربته مثل بساطة التعبير، ووضوح الفكرة، وسلاسة اللغة، كما تكتمل صورة الناقد في مقدمته لكتابه الموسوم «وجوه بصرية» الذي كتب رباعياته على بحر عَروضي واحد هو «الرَمَل»، أما الشكل الشعري فهو «التفعيلة»، وقد التزم الشاعر القافية في الرباعيات جميعاً مع استثناءات محدودة عاد فيها إلى نظام الشطرين.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في تنوع أجناسه الأدبية التي أشرنا إليها آنفاً، وها هو الباحث يتوقف من جديد عند كتاب «حكايات أسطورية من جزيرة القرم» الذي يضمّ بين دفتيه 34 حكاية مجهولة ما عدا حكاية واحدة كتبها مكسيم غوركي. وكالعادة فإنها تتسم بالعفوية، والعجائبية، والمبالغة، لكنها محبوكة ضمن أنساق جمالية وفنية.
تتسم بعض المقدمات بقِصرها وكثافتها؛ لأنها مخصصة لبعض المجلات والدوريات العراقية مثل: «الثقافة الأجنبية»، و«آفاق عربية» و«صوت الجامعة» التي احتفت بنشر نتاجات أدبية مُترجمة مثل «قصائد حُب» للشاعرة الأرمنية سيلفا كابوتيكيان، و5 قصائد للشاعرة البلغارية ليليان ستيفانوفا، وقصيدة «آثار على الرمال» للشاعر الروسي سيميون كيرسانوف، حيث تشترك الأولى والثانية في حب الوطن وتمجيده، فيما تتصف الثالثة بحذاقة لغوية خفّت حدّتها بمرور الزمن لكنها ظلت موشحة بموتيفات فلسفية ووجدانية لافتة للنظر.
مثلما فاجأنا الشاعر حسن البياتي بالجيولوجي نيكولاي بالايف الذي تألق في «طيور الشمس» رغم أنه ليس كاتباً متفرغاً، فها هو يفاجئنا ثانية بميخائيل تشيكوف، الشقيق الأصغر لأنطون تشيخوف، القاص والمترجم الذي كتب قصة «الإثم» التي لا يمتلك القارئ سوى أن يتعاطف مع مضمونها الإنساني الذي يدعو إلى الخير والمحبة.
أما القصة الأخيرة فهي «إبريق الشاي» للكاتب الروسي يوري كوفال الذي حقق شهرة واسعة في أدب الأطفال، لما يتوفر عليه من أسلوب تهكمي يذكِّرنا بالسخرية التشيكوفية اللاذعة.
يقتصر القسم الثاني من الكتاب على 12 مقدمة بعضها لأبحاث وكتب بقلم المؤلف، وبعضها الآخر لباحثين آخرين، حيث يدرس البياتي بعض «المواقف المناوئة للحرب في الشعر الجاهلي»، فهناك شعر جاهلي يندد بالمناوشات، ويستهجن الحروب ليصل الباحث في خاتمة المطاف إلى وجود شعر جاهلي يعكس روح المحبة والسلام.
يدرس البياتي ويحقق في رسالة «شاهد عيان» و«قصيدة بصرية» تتمحور حول حصار مدينة البصرة من قِبل عساكر العجم الذين بطشوا بالمواطنين الأبرياء، كما تصور القصيدة دفاع البصريين عن قلعة مدينتهم طوال مدة الحصار الذي دام 4 أشهر. وبما أن القصيدة مكتوبة باللهجة العامية وتنتمي إلى الفترة المظلمة، فلا غرابة أن تكتنفها الأخطاء اللغوية والعروضية.
ينطوي الكتاب على إشارات تعريفية أيضاً، فأحد أبحاث الدكتور الروسي فيكتور ليبيديف مكتوب بقلم الباحث نفسه الذي يتحدث عن «قصة مجهولة في التراث الشعبي العربي في القرون الوسطى»، وهي قصة «طلحة وتحفة»، وثمة قصة حب أخرى يعتقد الباحث أنها مجهولة وهي قصة «الوليد وسلمى»، بينما يثبت البياتي عكس ذلك، فالقصة الأولى نُشرت عام 1956 في المجلد الأول من كتاب «الحكايات العجيبة والأخبار الغربية»، والثانية كانت في طريقها إلى المجلد الثاني.
ثمة دراسات أدبية ثلاث كتب الباحث مقدمتين لاثنتين منها، وترجم المقدمة الثالثة التي كتبها سانتوس نفسه، حيث يتناول في الأولى «أدب الشباب» الذين برزوا في النصف الثاني من القرن العشرين. أما الدراسة الثانية فهي مكرّسة لتطور الأدب الفلبيني منذ نشأته حتى الوقت الحاضر. فيما تتمحور الدراسة الثالثة على الأدب الآسامي - الهندي. هناك مقدمة وافية لكتابي «رسائل ثقافية» و«كتبوا عني»، وثمة مقدمة مهمة عنوانها «الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر»، إضافة إلى المقدمة الأخيرة التي كتبها البياتي عن «ريادة المستشرق كراجكوفسكي في دراسة الأدب العربي الحديث»، الذي أثبت أن هناك أدباً عربياً حديثاً يستحق الاهتمام» (ص251).



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.