انطلاق العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الفرنسية

مرشح اليسار المتشدد يحتل المرتبة الثالثة متقدماً على فيون ومهدداً ماكرون ولوبان

جان لوك ميلونشون المرشح للانتخابات الرئاسية بفرنسا خلال فعالية انتخابية في مارسيليا الأسبوع الماضي (رويترز)
جان لوك ميلونشون المرشح للانتخابات الرئاسية بفرنسا خلال فعالية انتخابية في مارسيليا الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

انطلاق العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الفرنسية

جان لوك ميلونشون المرشح للانتخابات الرئاسية بفرنسا خلال فعالية انتخابية في مارسيليا الأسبوع الماضي (رويترز)
جان لوك ميلونشون المرشح للانتخابات الرئاسية بفرنسا خلال فعالية انتخابية في مارسيليا الأسبوع الماضي (رويترز)

مع انطلاقة الحملات الانتخابية رسميا أمس، بدأ العد العكسي للانتخابات الفرنسية التي ستقود جولتها الأولى بعد أسبوعين إلى اختيار المرشحين الاثنين اللذين سيتنافسان في السابع من مايو (أيار) القادم على منصب الرئيس.
وحتى اليوم، ما زال مرشحا الوسط واليمين المتطرف إيمانويل ماكرون ومارين لوبان يتصدران المشهد وفق كافة استطلاعات الرأي، التي تتوقّع أيضا أن يكون الأول الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية.
بيد أن الأمور ليست بهذه البساطة، بل إن تهديدا يلوح في الأفق قد يقلب المعادلة رأسا على عقب. إنه جان لوك ميلونشون، مرشح حركة «المتمردون» التي تصنف في خانة يسار اليسار أو اليسار المتشدد. وتضم هذه الحركة مزيجا من جبهة اليسار السابقة، ومن الشيوعيين وحركة «معا»، والكثير من الذين خاب أملهم من الاشتراكيين، ومن السنوات الخمس التي أمضاها الرئيس فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه. وإذا كانت هذه الانتخابات ستحمل مفاجأة، فقد تتمثل في تقدم ميلونشون. إذ تفيد آخر الاستطلاعات أنه أخذ يحتل المرتبة الثالثة بعد ماكرون ولوبان، متخطيا مرشح اليمين الكلاسيكي فرنسوا فيون (19 في المائة، مقابل 18 في المائة للأخير)، فيما يحصل الأولان على 23 في المائة.
حقيقة الأمر أن الأرقام لا تكفي لتلخيص وتوصيف ظاهرة ميلونشون. فهذا المرشح الذي انتمى في الماضي للحزب الاشتراكي وشغل منصب وزير في حكومة يسارية، يتمتع بدينامية استثنائية جعلته في أسابيع قليلة يكسب تسع نقاط. شخصيته تستهوي الكثير من الفرنسيين، خصوصا من صفوف الشباب. وبرنامجه الانتخابي، رغم يساريته، نجح في الابتعاد عن شعبوية برامج مرشحي اليسار المتطرف الآخرين. إنه مرشح اليسار الذي يستفيد من غير شك من ضعف مرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، الذي يجهد للمحافظة على نسبة 10 في المائة ليجذب إليه الآلاف من الاشتراكيين.
ومنذ أكثر من أربعين عاما، لم يسقط الحزب الاشتراكي إلى هذا المستوى من تدهور الشعبية، وذلك بعد خمس سنوات من حكم الاشتراكيين. ولذا، فإن القفزة الاستثنائية التي حققها ميلونشون، جلبت الذعر للمرشحين الآخرين الثلاثة.
وذلك لأكثر من سبب؛ الأول هو أن ماكرون ولوبان يتراجعان في استطلاعات الرأي، إذ خسر كل منهما نقطتين، ما يعني أنهما اقتربا من دائرة الخطر، خصوصا أن هامش الخطأ في استطلاعات الرأي يتراوح ما بين نقطتين وثلاث نقاط. والثاني، أنه ما زال هناك أسبوعان قبل الجولة الأولى من الانتخابات وبالتالي إذا استمر كلاهما في الاتجاه التنازلي، فإنهما سريعا سيكونان بمستوى ميلونشون الذي هو في دينامية تصاعدية. أما السبب الثالث، فعماده شخصية ميلونشون الذي يراه الناخبون قريبا من اهتمامات الناس ويتمتع بالصدق والنزاهة، بعكس مرشحة اليمين المتطرف المتهمة بالاحتيال على البرلمان الأوروبي. وخصوصا بعكس فرنسوا فيون، الذي وجه له القضاء تهما رسمية باختلاس الأموال العامة والإخلال بشفافية الإفصاح عن العوائد والثروة، والتشغيل الوهمي لزوجته ولاثنين من أبنائه.
بيد أن فيون، رغم صعوباته ومشاكله مع القضاء، نجح في وقف تدهور شعبيته، لا بل إنه استعاد بعضا منها. وهو يؤكد، لمن يريد أن يسمع، أنه «لا يؤمن» باستطلاعات الرأي، وأنه يكفي النظر لما كان عليه وضعه في الانتخابات التمهيدية لليمين، حيث ركن في المرتبة الثالثة بعد ساركوزي وجوبيه، وكانت النتيجة أنه فاز بها في نهاية المطاف.
وبنتيجة هذه التغيرات، لم يعد السباق الرئاسي محصورا بين لوبان وماكرون، بل أصبح رباعي الأقطاب، الأمر الذي يدفع المحللين والمراقبين الفرنسيين إلى الحذر والامتناع عن الإفصاح عن التوقعات بانتظار أن «يستقر» المشهد الانتخابي. وما يزيد من حذرهم أن ثلث الناخبين لا يعرفون بعد لمن سيقترعون، وأن نسبا متفاوتة لا تستبعد أن تعيد النظر في خيارها الراهن.
يوم الأحد، نجح ميلونشون في إبراز عضلاته الانتخابية من خلال مهرجان انتخابي في مدينة مرسيليا الساحلية، حيث جمع ما لا يقل عن 70 ألف شخص في الهواء الطلق قريبا من المرفأ القديم. وهذا الأمر بحد ذاته إنجاز لا يطمح إليه أي من المرشحين، كبارا كانوا أو صغارا، وهو يدل خصوصا على أن الدينامية التي تعمل لصالحه ليست «افتراضية». وكان لافتا في كلامه لجمهوره قوله إن «الفوز أصبح في متناول اليد»، وإن فرنسا «لم تعد محكومة بالخضوع لـ«قطبين» يمينيين اثنين. اليمين المتطرف من جهة، الذي يدفع مكونات شعبنا المتعددة أن يكره بعضها البعض الآخر، وقانون السوق المتطرفة التي تحول ذهبا وفضة إلى آلام وبؤس الناس».
بما أن ميلونشون تحوّل إلى تهديد حقيقي، فإن الثلاثة بدأوا باستهدافه واستهداف برنامجه الانتخابي، كل من زاوية مختلفة. فهو مثلا لا يطالب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي ومن العملة الموحدة، كما تطالب مارين لوبان، بل يرغب في إعادة النظر في المعاهدات الأوروبية التي حولت الاتحاد إلى سوق ليبرالية. لكنه بالمقابل، يريد إخراج فرنسا من الحلف الأطلسي من أجل «استعادة سيادتها واستقلال قرارها، لا أن تبقى تابعة للولايات المتحدة الأميركية».
وفي الداخل، يركز ميلونشون على التدابير التي تحمي الموظف، وهو يعد برفع الحد الأدنى للأجور وخفض سن التقاعد لستين عاما، بينما فيون يريد رفعه لـ65 عاما. ويتميز ميلونشون بمواقفه من السياسة الخارجية ودعوته للانفتاح على روسيا، والعمل معها من أجل إيجاد مخرج للحرب في سوريا، كما كان أحد القلائل في فرنسا الذين انتقدوا الضربة الصاروخية الأميركية لقاعدة الشعيرات الجوية السورية الأسبوع الماضي. لكن، كما هو متعارف عليه، فإن الناخب الفرنسي لا يختار مرشحه بسبب مواقفه في السياسة الخارجية، بل يحكم بالدرجة الأولى على برنامجه الاقتصادي والاجتماعي والضرائبي.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».