أزمة آيديولوجيا «الإرهاب» وحروب منظريها

من أولوية مجابهة العدو «البعيد والقريب» إلى مواجهة العدو «المخالف»

زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في جبال تورا بورا الأفغانية («الشرق الأوسط»)
زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في جبال تورا بورا الأفغانية («الشرق الأوسط»)
TT

أزمة آيديولوجيا «الإرهاب» وحروب منظريها

زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في جبال تورا بورا الأفغانية («الشرق الأوسط»)
زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في جبال تورا بورا الأفغانية («الشرق الأوسط»)

اتسعت تصورات العدو عند جماعات الإرهاب بشكل واضح وغريب، فلم يعد محصورا في الغرب والولايات المتحدة (العدو البعيد) أو العدو القريب (الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي)، لكن اتسع وتمدد وصار أول الأعداء هو «الرفيق المخالف» وصارت التصفية والتطهير أو الاقتتال الذاتي بين ممثلي الجهاديين ومنظريهم أكثر حضورا ومقدما على سواه، في الميدان العملي أو الخطاب الفكري. من هنا، نرى ملمحا جديدا هو تصدع آيديولوجيا الإرهاب، وصراعات منظريها ليست أقل هوادة من حروب تنظيماتها؛ مما يهدد ثباتها المرجعي وينذر بانتحار ذاتي أو سرطان بنيوي يصيب هذا الفكر، تأكل فيه خلاياه بعضها بعضا.
تنجرف صراعات منظري الإرهاب، من مختلف الأجيال، بقوة نحو الشخصنة والتخوين والاتهامات بالعمالة والكفر واللصوصية بشكل غير مسبوق وغير متوقع، بعد أن كانت تجمعهم وتوحدهم أفكار الحاكمية وتوحيد القتال! كما تجمع كتاباتهم مواقع واحدة ووسائط واحدة، قبل دخولهم مخاض التجربة الشامية التي قسمتهم كما قسموها، وهو ما يبشر بنهاية هذا الفكر، كما يلوح بسقوط هالة كثير من ممثليه، ويوسع شقة الخلافات بين تنظيماته التي تنطلق من خطاب هؤلاء، كما تعود إليه تبريرا أو تفسيرا.
ظهر تعبير «التشدد الأصولي» أول ما ظهر علامة على تيار فكري مناصر لفكر عولمة الجهاد والتطرف العنيف في السنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي، وتواترت مؤلفات ممثليه وكتابات الجيل الأول من منظريه صانعة هويته التي تميز عن غيرها من الآيديولوجيات الحركية والدعوية الاحتجاجية والإحيائية الإسلامية الأخرى، ومثلت مبادئه في توحيد الحاكمية والحرب على الأنظمة، ومجابهة الطاغوت، العدو البعيد والقريب، والولاء والبراء والخروج لتأسيس دار إسلام، وتقسيم العالم لداري إيمان وكفر ليس غير، أبرز منطلقاته الفكرية والآيديولوجية حينها.
وظل هذا التيار متماسكا ومترابطا طوال قيادة أسامة بن لادن لتنظيم وشبكة القاعدة، يستحق امتصاص الأزمات وانتقادات الأخيرين ومعاودة الهجوم عليها، وكان أعنفها موجة المراجعات التي أطلقها عدد من المحسوبين عليه عن قرب شأن المراجعات شبه الكلية والنقدية له، التي أطلقها صاحب «الجامع» عبد القادر بن بد العزيز (دكتور فضل) سنة 2008، أو مراجعات الجماعة الليبية المقاتلة سنة 2009، أو تلك الانتقادات والمراجعات الجزئية التي دعا إليها بعض شيوخ التنظيم ومرجعياته تجاه ممارسات «القاعدة في العراق»، شأن ما قدمه أبو محمد المقدسي في رسالته المشهورة «مصارحة ومناصحة» التي رد عليها أبو مصعب الزرقاوي فيما بعد وغيرها من المراجعات، التي صدها الظواهري وغيره في قول واحد أنه لا «فتوى لأسير»، ولا رأي «إلا لأهل الميدان في الجهاد» قطعا للطريق على من كتبوا مراجعاتهم في السجون، أو من غادروا التنظيم ابتداء.

صدام المنظرين في الساحة الشامية
في ساحات الشام، ذات الدلالة الرمزية الخاصة، لدى مرجعيات الإرهاب، حيث موقع حروب آخر الزمان، دخل المتطرفون مخاض التجربة العنيفة والانتقال من العدو البعيد أو القريب - في إشارة للغرب أو الأنظمة الحاكمة - إلى العدو المخالف والرفيق السابق ليشتعل الصدام بين ممثليها.
في قيادة الراحل أسامة بن لادن ظل تيار الإرهاب وأفكاره متماسكة، لكن أصابها التشتت مع اندلاع الثورات العربية، وبخاصة السورية، سنة 2011، وسياقاتها المشتعلة - عسكرة وطائفية وقمعا كيماويا - وجد «القاعدة» في العراق، فرصته في سوريا مخرجا وتجاوزا لأزمته الحالكة قبل ذلك، بعد خسارة دولته في الأنبار سنة 2007 وهجمات الصحوات التي انتهت سنة 2009، ثم خسارة هيكله القيادي كاملا عام 2010 من أميره أبو عمر البغدادي، إلى أحد أكبر قادته نائبه ووزير الحرب حينها أبو حمزة المهاجر، وكانت إمارة أبي بكر البغدادي - خليفة «داعش» فيما بعد - طارئة ومحل تحفظ من قادة «القاعدة» أنفسهم. وأصرت قيادة «القاعدة» ممثلة في أسامة بن لادن - وأثبتته رسائل ووثائق آبوت آباد - على أن تكون إمارة أبي بكر البغدادي مؤقتة، وهو ما قبله الأخير، وأثبته أيمن الظواهري فيما بعد، في دعوته له للتوبة والرجوع لبيعته حقنا للدماء في الشام، وأنه خرج عن طاعته ولم يخرج الجولاني أمير «النصرة» عن طاعة الأمير الأكبر والأول لهما.
ولم تشغل الثورة السورية المدنية المجموعات المتشددة التي دخلت عليها بأجندتها الخاصة ولا تزال، ومثلت عبئا كبيرا عليها وعلى غاياتها النبيلة، وأجاد النظام توظيفها فزاعة للمنطقة والعالم أحسن استثمار، وصارت هذه التنظيمات التي برر النظام لوجودها بميليشياته الطائفية الجهادية المضادة عبئا وتشويها على ثورة لا تعنيها أهدافها أساسا.
لكن كما اخترق المتطرفون الثورة، اخترقتهم الثورة وحالة الفرصة والانتصار والهيمنة بين تنظيماتهم كذلك، وهي الشقة التي اتسعت بإصرار «داعش» على بيعة وولاء الجميع، وإلا قطع الرؤوس والحرب على المرتدين - كما يصفهم - بديلا لذلك.
ابتدر أبو بصير الطرسوسي حملة عنيفة على «داعش» حينها، وبخاصة أنه الذي أصر على سورية الجهاد، وخصوصية ثورتها، ولكن من منظور متشدد، وكان أكثر مرونة في التعاطي مع الفرقاء في سوريا ومع القوى الداعمة للثورة ثم تبعه في نقده للداعشيَين أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي، وغيرهما من شيوخ آيديولوجيا الإرهاب وجيلها الأول، الذي يعد قادة «داعش» ومنظريها من تلامذتهم، إلا أن «داعش» جذب تلامذة هؤلاء، وأنتج كثيرا غيرهم وضخت عشرات الكتب والرسائل والمطويات في الرد عليهم وتشويههم جماعة أو أفرادا، بل ارتفعت بنقدها وسبابها لقيادة «القاعدة» حاليا، وكل المرتبطين بها، وحملت الظواهري شخصيا مآلات الوضع والصدام في الشام بين «داعش» وخصومها من المجموعات المتطرفة الأخرى، ولم تكتف بترديد أن «القاعدة» «أبناء إيران» أو أن الظواهري رجل فقد ظله كما كتب أحد الدواعش يوما، أو وصف أمثال الجولاني بـ«أبو رغال» ذلك اليمني الذي دل أبرهة على مكان الكعبة حين أراد هدمها، وهو وصف سلبي كان يكرره بن لادن كثيرا أيضا في وصف خصومه ومعارضيه.

من الحرب على «داعش» إلى حروب شاملة
لم ينشغل «داعش» خطابيا بغير نقد شيوخ آيديولوجيا الإرهاب لـ«داعش»، وجاءت ردوده بمستوى قوة النقد لها، ونجحت الوسائط الإعلامية والتواصلية في إحراج خصومه كما أحرجوه، لكن بلغت سهامه حدا من النقد والتجريح لم يكن مسبوقا في تعاطي ممثلي آيديولوجيا الإرهاب مع بعضهم بعضا، وكذلك فعل بها منظرو الموقف المضاد لها.
ومع خلافات التنظيمات، اختلف المنظرون، واشتعلت بينهم الحروب الكلامية والخطابية وحروب الفتاوى والبيانات، سواء من كان منهم في الساحة الشامية كأبي بصير الطرسوسي أسبق منظري آيديولوجيا الإرهاب نزولا إلى الشام، وأسبق من انتقد «داعش» بين منظري آيديولوجيا الإرهاب، وهو أول من دعا إلى أسلمة الثورة السورية كذلك، وترك الشام لأهل الشام دون أن يدخل «القاعدة» على خطها، وبهذا خاطب الظواهري، كما خاطب المقدسي وأبا قتادة غيرهم من منظري آيديولوجيا الإرهاب.
ولا يألو الطرسوسي جهدا في نقد كل من يدافع عن «داعش» أو «القاعدة» أو «جبهة النصرة» معا، ويرفض الدفاع عن البغدادي والبغدادية - كما يسميه - كما يرفض من يدافع عن الجولاني و«النصرة» وما عرف بـ«هيئة تحرير الشام» من وقت مبكر.
وليس الطرسوسي الموجود في الساحة الشامية وحدها من يرفع رايات المعارك الفكرية داخل الإطار السلفي الجهادي، بل كذلك البعيدون عن هذه الساحة شأن أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني المائلين والمناصرين للظواهري و«القاعدة» والأقرب لـ«جبهة النصرة» بالخصوص، أو الدكتور طارق عبد الحليم، وقد تبادل هؤلاء من ممثلي الجيل الأول الكثير من الاتهامات والنقد الصريح والشخصاني في قضايا مختلفة، فرادى وجماعات، ووضع كل منهم الرسائل في نقد الآخر، كما وضعوا جميعا مثلها في نقد «داعش» وممارساتها، أو الرد على أصواتها.
يكفي أن نشير هنا إلى ما تضمنه بيان «داعش» في السادس من أبريل (نيسان) الحالي من وصف أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني من أبرز منظري التيار السلفي الجهادي بأنهم «حمير العلم» في شريطه التهديدي الذي صدر انتقاما للمنظر والناشط الداعشي الأردني أبو المنذر عمر مهدي زيدان، الذي يعد أحد أبرز الأصوات الداعشية في الدفاع عنه، والذي أعلن انضمامه ونفيره لها عام 2014، وتولى قضاءها في الموصل، وكذلك رثاء قتلى عملية الكرك، مهددا المملكة الأردنية بعمليات جديدة ضد أمنها وسلامها.
ويكفي أن نشير كذلك إلى ما سبق أن هاجم به أبو بصير الطرسوسي أبا قتادة الفلسطيني في يونيو (حزيران) من العام الماضي (2016) متهما إياه بدعوة أتباعه لـ«الغدر، والسرقة، والسطو»، بعد أقل من يوم على هجوم سابق على المنظر الآخر «أبو محمد المقدسي»، حين أفتى الفلسطيني للفصيل الذي يتلقى الأوامر منه في سوريا، في إشارة إلى «جبهة النصرة»، بجواز أخذ الأموال، والسلاح، والمقرات، من الفصائل التي تُخالفهم المنهج، كما وصف الطرسوسي هاني السباعي دون أن يسميه بصاحب البدعة الذي يرفض من الظواهري أن يهتم للإجابة له، ويرد عليه في رسالة عن الجهاد عن الشام! كما تبادل الطرسوسي الكثير من النقد والخلاف الحاد مع منظرين دواعش كأبي المنذر الشنقيطي وتركي البنعلى.
ومثل ما قام به الطرسوسي - أو قريبا منه - وصل الخلاف الفكري بين المقدسي والدكتور طارق عبد الحليم، ووصف كل منهما الآخر بالجهل والضحالة، في رسائل منفصلة ومتبادلة، أحيانا يعف أحدهما عن تسمية الآخر فيها.
ورغم الاختفاء النسبي لتركي البنعلي، أبرز شرعيي ومنظري «داعش»، وأول دعاة خلافتها، إلا أن «داعش» نجحت في إبراز الكثير غيره لم يكن آخرهم الأردني المقتول قبل أيام عمر مهدي زيدان أو الحنيطي أو الشنقيطي أو الأزدي، لكنها كذلك تفقد مع الوقت زخمها ويتراجع حضورها بتوالي هزائمها.
ختاما، طبيعي أن تأكل نيران الغلواء ومتتابعة الغلو بعضها بعضا؛ فمع حسم احتكار الحق والحقيقة يكون الخلاف أكثر حدة، والانغلاق أكثر مفاصلة، ونرى أن التحدي الداخلي في أفكار منظري التطرف العنيف هو الأخطر عليه متى أحسن استثماره وكشفه.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.