في أمس نفذت «إيتا» الباسكية المسلحة وعدها، بخطوة أحادية الجانب، سلمت خلالها قائمة بأماكن أسلحتها للسلطات الإسبانية، وبهذا أنهت المنظمة، التي سعت لمدة ما يزيد عن أربعة عقود، الانفصال عن إسبانيا مستخدمة «الكفاح المسلح» والعنف كطريق لتحقيق أهدافها.
وقدم قادة المنظمة، في حفل أقيم بمدينة بايون جنوب غربي فرنسا، بوجود مراسلة «بي بي سي» ليس دوسيت، إحدى الشخصيات التي شهدت هذا الإجراء، سجلا بأسلحتهم وأماكن تخزينها للسلطات القضائية. وترفض فرنسا وإسبانيا التفاوض مع إيتا، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. «إيتا» سلمت عبر وسطاء لائحة لمخازن أسلحتها، منفذة بذلك وعدها بالقيام السبت بالتخلي عن كامل أسلحتها، وتضمنت 12 مخبأ ومتفجرات. لكن هذا العدد خفض إلى ثمانية مخابئ تضم ما تبقى من سلاح إيتا في منطقة البيرينيه الواقعة على الحدود مع إسبانيا على ساحل المحيط الأطلسي، كما قالت مصادر قريبة من الملف.
ورأى وزير الداخلية الفرنسي ماتياس فيكل أن تسليم هذه اللائحة يشكل «خطوة كبيرة»، موضحا أن الشرطة تقوم بعملية لتحديد أماكن هذه المخابئ. وقال في بيان نشرته الوزارة إن «هذه المرحلة خطوة أولى (...) ويوما لا جدال على أهميته».
وكانت المنظمة قد أعلنت وقف إطلاق النار في عام 2011. ولكنها لم تسلم أسلحتها. وقتلت منظمة إيتا أكثر من 800 شخص، وأصابت الآلاف بجروح، خلال 40 عاما من التمرد. وكان هدف الانفصاليين تأسيس دولة الباسك المستقلة في مناطق جنوب غربي فرنسا وشمال إسبانيا. وقالت مراسلة «بي بي سي» ليس دوسيت، إن الحفل حضره عمدة المدينة، وكبير أساقفة إيطاليا، وقس آيرلندي، وممثلون عن المجتمع المدني. وقال رئيس «اللجنة الدولية للتأكيد»، رام مانيكالينغام، إنه يأمل أن تساعد هذه الخطوة المهمة في تعزيز الاستقرار بمنطقة الباسك. وجاء التعهد بتسليم السلاح في رسالة حصلت عليها «بي بي سي»، تؤكد تقارير سابقة عن رغبة إيتا في التخلي عن السلاح.
وتقول الرسالة، المؤرخة في 7 أبريل (نيسان)، إنه «بعد تسليم إيتا جميع أسلحتها إلى ممثلين عن المجتمع المدني الباسكي، تصبح منظمة غير مسلحة». وقال المتحدث باسم الحكومة الإسبانية، إينيغو مانديز دي فيغو، إن إيتا «لن تحصل على شيء من دولة ديمقراطية مثل إسبانيا». ولم يطالب المنظمة بتسليم السلاح فحسب، بل بالكشف أيضا عن الذين ارتكبوا أعمال العنف السابقة. وتعرضت إيتا في الأعوام الأخيرة إلى ضغط كبير من الشرطة في فرنسا وإسبانيا، إذ اعتقلت سلطات البلدين المئات من عناصر المنظمة، بينهم قياديون، وحجزت كميات كبيرة من الأسلحة.
تأسست المنظمة منذ 50 عاما خلال حكم الجنرال فرنكو بإسبانيا. وسجلت أول عملية قتل في عام 1968، عندما أطلق عناصر إيتا النار على قائد شرطة سرية اسمه، ميليتون مانزانيس، في مدينة سان سيباستيان، الباسكية في شمال غربي إسبانيا. وفي عام 2014. قالت «اللجنة الدولية للتأكيد» إن إيتا تخلت عن بعض أسلحتها، ولكن الحكومة الإسبانية وصفت الخطوة بأنها «تمويهية».
وأكدت اللجنة الدولية للتحقق، الهيئة التي لا تعترف بها باريس ومدريد وتعمل لإنهاء النزاع في منطقة الباسك أنها «سلمت السلطات الفرنسية لائحة بمخابئ الأسلحة».
وفي بيان مشترك عبرت حكومتا الحكم الذاتي في منطقتي الباسك الإسبانية ونافارا ومجموعة سكان بلاد الباسك الفرنسية التي يقودها النائب عن يمين الوسط رينيه ايتشيغاراي، عن دعمها لإجراءات لجنة التحقق.
لكن السلطات الإسبانية أبلغت الحركة السرية الجمعة أن عليها «ألا تتوقع شيئا» من حكومة مدريد. وقال إنييغو مينديز دي فيغو إنه «ليس هناك أي امتياز أو مكسب سياسي» من نزع الأسلحة بشكل أحادي. لكنها كانت ترفض تسليم أسلحتها نزولا عند طلب مدريد وباريس وتطالب بالتفاوض بشأن أعضائها المعتقلين وعددهم نحو 360 وبينهم 75 في فرنسا ومنهم نحو مائة يمضون عقوبات بالسجن لأكثر من عشر سنوات. يقول خبراء في مكافحة الإرهاب إن أسلحة إيتا تضم نحو 130 قطعة سلاح يدوي وطنين من المتفجرات سرق معظمها في فرنسا. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن إيتا «تحتضر والحركة السرية لم تعد تضم أكثر من نحو ثلاثين عضوا».
لكن إرنالدو أوتيجي الزعيم السابق للجناح السياسي للمنظمة «باتاسونا» أكد أن تسليم الأسلحة هذا «حدث تاريخي» ستليه «مناقشات بين ناشطي الحركة بشأن مستقبلها». وأضاف أوتيجي العضو السابق في إيتا وأحد قادة الحركة الاستقلالية «سورتو» في مقابلة مع الصحافة الفرنسية أجريت قبل ساعات من إعلان إيتا «يسيئون استخدام كلمة تاريخي فتفقد قيمتها. لا أعتقد أن زوال منظمة مثل إيتا أو تسليم أسلحتها في 2017 ليس حدثا تاريخيا».
وتاريخيا كانت فرنسا وخصوصا جنوب غربي هذا البلد «قاعدة خلفية» حقيقية لإيتا. وقالت مصادر قريبة من الملف إن أجهزة الشرطة وخبراء في نزع الألغام تحت سلطة نيابة مكافحة الإرهاب في باريس التي تملك الصلاحية في هذا الإطار وضعت في حالة استعداد في منطقة الباسك الفرنسية «ومستعدة للتدخل في أي لحظة». وعلى هامش عملية نزع الأسلحة، نظم في بايون أمس السبت «تجمع شعبي كبير» تحت شعار «كلنا أنصار السلام» شارك فيه آلاف الأشخاص.
ومساء الجمعة نظم الحزب الشعبي المحافظ الحاكم في إسبانيا «تجمعا مضادا» تكريما «للأطراف التي ألحقت الهزيمة بإيتا» في فيتوريا في منطقة الباسك، شارك فيها أفراد من عائلات ضحايا هجمات إيتا.
«إيتا» تسلم لائحة لمخابئ أسلحتها وباريس تعتبرها «خطوة كبيرة»
الحكومة الإسبانية تؤكد أن المنظمة الانفصالية «لن تحصل على شيء بالمقابل»
«إيتا» تسلم لائحة لمخابئ أسلحتها وباريس تعتبرها «خطوة كبيرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة