عندما بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب تلقي التقارير الاستخباراتية في يناير (كانون الثاني) الماضي، تقدم فريق عمله بطلب للحصول على وسائل إيضاح إضافية للرئيس. وكان المطلب تحديداً هو أن يتضمن التقرير أقل عدد من الكلمات وأكبر عدد من الصور والرسوم التوضيحية. وبحسب المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين الملمين بتفاصيل هذا المطلب، حدث الشيء فور دخول ترمب مكتبه في البيت الأبيض، حيث حصل فريق عمله على خطط طوارئ الحرب السورية الخاصة بالرئيس باراك أوباما وقسموا المعلومات الاستخباراتية إلى أجزاء صغيرة مزودة بالصور.
خلال الأسبوع الحالي، كانت الصورة المروعة للهجوم الذي استخدمت فيه الأسلحة الكيماوية ضد المواطنين السوريين هي ما استفزت مشاعر ترمب، الذي كان حتى وقت قريب يرفع شعار «أميركا أولاً»، أي عدم التدخل، وذلك لتوجيه 59 صاروخ «توماهوك» ضد أهداف عسكرية سورية مساء الخميس الماضي. وأفاد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الذين تحدثوا مع ترمب بأن صورتين تحديداً روعتا الرئيس؛ صورة أطفال صغار يحتضرون، بينما ينثر عليهم أشخاص رذاذ الماء في محاولة يائسة لتنظيف أجسادهم من غاز الأعصاب، وصورة أب مكلوم يحمل جثتي توأميه الرضيعين المسجيين على الأرض بعدما توفيا مسمومين.
ومع انتشار صور الأشلاء في بلدة خان شيخون (محافظة إدلب) عبر وسائل الإعلام، التي استمر في مشاهدتها على مدار اليوم وحتى المساء، تحدث الرئيس إلى مساعديه عن مدى فظاعة الصور، بحسب أحد كبار المسؤولين. إذ أفادت مستشارة الرئيس كيليان كونوي الجمعة الماضي بأن «ما شاهده العالم الليلة الماضية كان أمراً من القائد الأعلى للقوات المسلحة وأب وجد». وأردفت أن «العالم أصيب بالرعب لمشاهدة صور الرضع يتلوون ويناضلون للبقاء على قيد الحياة. من يستطيع أن يتجاهل نظرتهم؟ هذا ما حرك رئيسنا الحازم والصارم وصاحب القرار الجريء».
ولكن، لم تكن الصور المرعبة السبب الوحيد الذي دفع ترمب لاتخاذ هذا القرار. فأياً كان حجم القلق الذي أصابه إزاء سوريا التي مُنع لاجئوها من دخول الولايات المتحدة لمدة 120 يوماً بمقتضى مقترح الحظر الأخير الذي فرضه ترمب، فإنه أراد تحقيق انتصار حقيقي بعد مرور نحو شهرين على توليه الرئاسة.
توجيه ضربة إلى سوريا قد يساعده في إظهار استقلاله عن روسيا وعن رئيسها فلاديمير بوتين، الذي تسببت محاولاته التدخل في سير الانتخابات الأميركية عام 2016 في خلاف كبير. ثم إن ترمب يسعى لإظهار أنه زعيم أقوى وأكثر حسماً من أوباما الذي تعرض لانتقادات لاذعة عندما رسم «خطاً أحمر» مع سوريا بشأن استخدامها الأسلحة الكيماوية، ثم أحجم عن اتخاذ إجراء عندما اجتاز بشار الأسد ذلك الخط.
وبالفعل، تساءل السيناتور كريس مورفي، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، عن سر التحول المفاجئ «خلال 24 ساعة في موقف ترمب بشأن سياسته تجاه سوريا» التي كانت معاكسة تماماً، والتي لم تكن تنظر إلى سوريا باعتبارها أولوية، إلى أن شن الأسد هجومه الكيماوي الأخير. كذلك كان المسؤول الإعلامي للبيت الأبيض شون سبايسر قد صرح للصحافيين الأسبوع الماضي بأنه على الولايات المتحدة قبول «الأمر الواقع السياسي» بأن الأسد يحكم قبضته على السلطة. وبحسب مورفي - ومن منطلق الانتقاد - «ليست هناك استراتيجية بشأن سوريا. فمن الواضح أن الرئيس اتخذ هذا القرار استناداً لرد فعل عاطفي بعد مشاهدة الصور عبر التلفزيون. ومن حق الجميع أن يقلق من الطبيعة الخيالية للإدارة الحالية وسياستها التي تبدي بغضاً لتوريط الكونغرس للولايات المتحدة ودفعها للدخول في حروب».
من جهة أخرى، على مدار الأسبوع، ركزت ملاحظات ترمب على الضحايا الصغار، وكانت أبرز تصريحاته تلك التي قال فيها: «عندما تقتل أطفالاً أبرياء ورضعاً أبرياء باستخدام الغازات الكيماوية السامة، يصاب الجميع بالصدمة، خصوصاً عند سماع نوع الغاز المستخدم». وهذا كان مضمون تصريح ترمب بعد ظهيرة الأربعاء الماضي خلال لقائه مع الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، مضيفاً أن ذلك يعتبر تخطياً لكثير من الخطوط، لا الخط الأحمر فقط. والخميس الماضي قال ترمب بلهجة حانية: «تعرض الأطفال الأبرياء للقتل. لا يجب السماح بترك الرضع يواجهون مثل هذا المصير المرعب».
وبعد 54 ساعة من تلقيه خبر الهجوم الكيماوي ضمن تقريره الإخباري اليومي الثلاثاء الماضي، وأثناء وجوده مع الرئيس الصيني تشي جينبينغ بمقر إقامته الخاص بمنطقة مار لاغو بولاية فلوريدا، أصدر ترمب الأمر بمهاجمة قاعدة الشعيرات الجوية. وعند الساعة 7:40 مساء الخميس، وبينما كان الزعيمان يتناولان العشاء، أطلقت مدمرة بحرية أولى ضرباتها الصاروخية من إجمالي نحو 60 ضربة باستخدام صواريخ «توماهوك» لتضيء السماء في وسط سوريا.
وأفاد مساعدو البيت الأبيض ونواب ترمب بأنه على الرغم من أن الصور قد صعقت ترمب، فإنه لم يتخذ القرار النهائي إلا بعد الرجوع لمستشاريه وعقد جلسة نقاش. وعلى مدار يومين ونصف اليوم، عقد فريق الرئيس للأمن القومي عدداً من الاجتماعات عالية المستوى مع ممثلين عن وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية، وكذلك وكالات الاستخبارات ومجلس الدفاع القومي. وصرح وزير الخارجية، ركس تيلرسون الذي حضر النقاشات، قائلاً: «لا أعتقد أن هذا القرار جاء بناءً على رد فعل عاطفي على الإطلاق. إذ قيّم الرئيس ترمب الحقائق ونفذت الضربات أمام عينيه. وبعد مراجعة مواقف سابقة اتخذناها ومواقف لم نتخذها، وصل إلى القرار النهائي أنه لا يجب علينا أن ندير ظهرنا لما يحدث».
إلا أن طبيعة التصرف جاءت سريعة، على عكس أسلوب أوباما، الذي كثيراً ما تباهى بأن قراراته دائماً ما تعتمد على المعلومات، لا العواطف، وهو ما وصفه منتقدوه بالتباطؤ، حسب وصف نائب الرئيس السابق ريتشارد تشيني، خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى. وكان ترمب قد علم بخبر الهجوم الكيماوي صباح الثلاثاء، وسأل عن الخيارات الممكنة للرد الأربعاء وتلقى الإجابة الخميس ليصدر بعدها الأمر بتوجيه الضربات.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ «الشرق الأوسط»
الصور المروّعة حفزت ترمب على قصف الشعيرات
القرار أتخذ بعد اجتماعات تقييمية مطولة
الصور المروّعة حفزت ترمب على قصف الشعيرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة