عاني نادي النصر منذ وفاة عرابه ورمزه التاريخي الأمير عبد الرحمن بن سعود في 2004 من قضايا مالية وإدارية عدة، أدت به إلى منطقة بعيدة عن منصات التتويج لسنوات طوال، حتى لاح في الأفق اسم لم يعرفه الكثيرون، وهو الأمير فيصل بن تركي، الشرفي الشاب الذي قضى الجزء الأول من حياته خارج البلاد، حيث عمل في وزارة الخارجية السعودية، وتحديدا في السلك الدبلوماسي في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تدرج في العمل هناك، حتى بات مستشارا للأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفير المملكة الأبرز في واشنطن، الذي ترك منصبه في عام 2005.
الأمير الشاب بات يقترب من النصر شيئا فشيئا دون الاقتراب من دفة العمل الرسمي، وكان حفل اعتزال ماجد عبد الله، نجم النصر ولاعبه الأبرز عبر التاريخ، هو المفتاح الذي دخل من خلاله فيصل بن تركي قلوب النصراويين، الجماهير المتعطشة لوجود شخصية ذات كاريزما خاصة تتباهى بها أمام الشخصيات البارزة في الأندية المنافسة.
وكان منصب رئيس لجنة التعاقدات مع اللاعبين هو العمل الرسمي الأول لفيصل بن تركي في ناديه النصر، والجميع يدرك أنه منصب يهدف إلى تقريبه من العمل الرسمي، وأنه بمثابة محطة عابرة نحو كرسي الرئاسة، الذي كان يحضر فيه الرئيس الذهبي، كما يطلق عليه عشاق النصر الأمير فيصل بن عبد الرحمن، الذي لم يتخل عن خدمة ناديه في أحلك الظروف.
لم يتفق النصراويون منذ سنوات طويلة على شخصية كما اتفقوا على فيصل بن تركي في مستهل علاقته مع الكيان الأصفر، حيث الترحيب والحفاوة الجماهيرية والمساندة والدعم الشرفي الكبير، في عام 2008 تم اختيار الأمير فيصل بن تركي نائبا للرئيس خلفا للأمير الوليد بن بدر، الذي تولى مهمة التنظيم الشرفي للنادي، وأعاد هيكلة مجلس أعضاء الشرف، الذي تولى رئاسته الأمير تركي بن ناصر، والد «فيصل بن تركي».
بعدها بموسم، صعد الأمير الشاب إلى دفة كرسي الرئاسة خلفا للأمير فيصل بن عبد الرحمن، الذي تقدم باستقالته ليكلف الأمير سلطان بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب حينها، الأمير فيصل بن تركي برئاسة نادي النصر حتى نهاية ذلك الموسم؛ على أن يتم عقد جمعية عمومية لاختيار رئيس جديد.
وكما كانت الأمور تسير وفق الترتيب الذي أعد لها مسبقا، خرجت الجمعية العمومية للنادي الأصفر بتزكية الأمير فيصل بن تركي رئيسا لنادي النصر بمجلس إدارة جديد، ليبدأ مهامه الرسمية رئيسا للنادي الذي عشقه منذ سنوات وغاب عنه طويلا قبل أن يعود ليصبح صانع القرار الأول فيه.
فيصل بن تركي المولود في 1973 بدأ عمله في النصر مفتقدا خبرات كثيرة، إدارية وفنية، وحتى إعلامية؛ فتصاريحه كانت مثيرة للجدل، محط حديث وسائل الإعلام والصحافة، ومزعجة لبعض أنصار البيت الأصفر وكبار شرفييه، الذين يعتقدون أنها لا تجلب للنصر أي فائدة، وتفقد إدارته التركيز على العمل الأهم.
وبعد فترة ليست بالطويلة قضاها الأمير فيصل بن تركي في قيادة فريق النصر، انقلب الحال وتحول مشهد الحب مع أنصار ناديه إلى مطالبة برحيله؛ لأسباب تعتقد الجماهير أن الإدارة الجديدة لم توفق بها صفقات غير ناجحة، ولاعبين أجانب كان الفشل حليفهم، وكلفوا خزينة النادي الكثير من المال دون أي فائدة تذكر.
رفعت الجماهير الصفراء الكارت الأحمر في إحدى مباريات الفريق في الدوري، وهي رسالة احتجاجية غير مسبوقة في كرة القدم السعودية، لكنها ليست جديدة في البيت الأصفر، فقد سبق أن طالبت جماهير النصر برحيل الأمير ممدوح بن عبد الرحمن في الموسم الذي تسلم فيه قيادة النادي خلفا لوالده الأمير عبد الرحمن بن سعود بعد موسم من وفاته؛ وذلك بعد خسارة الفريق بسداسية من فريق الاتحاد في المربع الذهبي لموسم 2005.
تلك المطالبات لم تكن نهاية المشوار في علاقة الأمير فيصل بن تركي مع ناديه النصر، حيث أعلن رغبته في إعادة النادي الأصفر إلى أمجاده وسابق عهده في بلوغ منصات التتويج رغم الغضب الجماهيري العارم، لكن ذلك كان بمثابة الدافع له لتسريع وتيرة العمل وتحقيق الأهداف المرجوة لمجلس إدارته.
تمكن فيصل بن تركي بعد سنوات من العمل في إدارة نادي النصر من إعادته إلى منصات التتويج، وحقق تباعا بطولة كأس ولي العهد، ثم لقب دوري المحترفين السعودي لموسمين على التوالي، وبات يتمتع بشعبية جارفة لا تضاهي في البيت الأصفر، وصنع فريقا قويا كان مرشحا لاقتناص كل الألقاب.
لكن رغم ما حدث، فإن النصر عاد إلى المربع الأول بسبب إدارته، إن صح التعبير، فلقد هدمت ما تم بناؤه خلال السنوات الماضية، مدرب بارز كان السبب الأبرز في إعادة النصر لمنصات التتويج وهو الأورغوياني دانيال كارينيو، جعلته إدارة النادي برئاسة فيصل بن تركي يرحل رغم تحقيقه بطولة كأس ولي العهد ولقب الدوري.
تمرد لاعبين لم تقف إدارة النادي أمامه بحزم قبل أن تتوسع فجوة التمرد لتطال أكثر من لاعب يتغيبون لأيام عدة ويختلقون مشكلات عدة تضرب استقرار الفريق وتهدم تميزه، وقبل ذلك تأخر في مستحقات اللاعبين ورواتبهم ساهمت في خلق فجوة بين الرئيس ولاعبيه بعد أن كانت علاقة قوية فاعلة.
في الموسم الماضي، تراجع النصر كثيرا وحقق مركزا لا يليق بحامل اللقب، لكنه تأهل للمباراة النهائية لبطولة كأس الملك قبل أن يخسرها من أمام فريق الأهلي بعد أحداث دراماتيكية سبقت المباراة بإعلان الرئيس رحيله وتركه النادي الأصفر، إلا أن الديون الكبيرة التي ورثتها إدارة الأمير فيصل بن تركي ظلت عائقا أمام قدوم أي اسم جديد لكرسي الرئاسة.
كان صيف العام الماضي ساخنا في النصر، جدال شرفي ورحيل للعضو الداعم الأمير خالد بن فهد الذي يقف خلف جل صفقات النادي المليونية، إلا أن خلافه مع إدارة الأمير فيصل بن تركي قاده إلى إعلان تخليه عن العضوية الشرفية، والبقاء محبا للنادي الذي عشقه منذ سنوات.
بعدها اجتمع شرفيو النادي العاصمي برئاسة الأمير مشعل بن سعود، وأعادوا الأمير فيصل بن تركي مجددا إلى كرسي الرئاسة بمجلس إدارة جديد، حيث يحضر فيه عبد الله العمراني نائبا للرئيس، وهو الاسم الذي يحظى بدعم شرفي كبير، وتم توفير مبالغ عدة، يتجاوز من خلالها النصر أزمته المالية.
ورغم كل العقبات التي حدثت للفريق هذا الموسم، فإن وجود الكرواتي زوران ماميتش مدربا للفريق ساهم في حضوره منافسا على كل البطولات السعودية، قبل أن يبدأ الوضع يسوء داخل صفوف الفريق بدءا بالمشكلات المتعددة بين القائد حسين عبد الغني والمدرب التي ساهمت برحيل بدر الحقباني من إدارة الكرة، ثم عبد الله العمراني من منصب نائب الرئيس، وأخيرا المدرب زوران الذي رحل للعين الإماراتي وسط اتهامات متبادلة بين علم الإدارة برحيله، وبين اتهام الأخيرة إدارة العين بإغراء المدرب لفسخ عقده.
رحل زوران وعاد حسين عبد الغني وعبد الله العنزي مجددا إلى قائمة الفريق الأساسية رغم غيابهما الطويل، ومعها خسر النصر نهائي بطولة كأس ولي العهد من أمام الاتحاد، قبل أن يُبعد حسين عبد الغني ومعه عبد الله العنزي عن قائمة الفريق مجددا أمام الهلال في ربع نهائي كأس الملك، فإن الفريق ودع البطولة ليخسر المنافسة على الألقاب المحلية هذا الموسم.
تتابع الإخفاقات أعاد الحملات الجماهيرية الكبيرة المطالبة برحيل الأمير فيصل بن تركي عن كرسي الرئاسة، إلا أن المشكلات ستظل محاصرة للنادي العاصمي، حتى لو رحلت الإدارة التي ستترك خلفها تركة ثقيلة من الديون المليونية التي ستقف عائقا أمام تحركات أي إدارة جديدة، وقد ترمي بالفريق في دائرة الخطر ،كما يحدث للاتحاد حاليا ومشكلاته المتعددة داخل أروقة الاتحاد الدولي «فيفا».
وحضر الأمير فيصل بن تركي للنصر بكل الحب، وكاد أن يغادره أمام سيل من الغضب العارم، قبل أن يعود إلى قلوب عشاق القميص الأصفر بعد أن حقق البطولات، لكنه استمر في الإخفاقات فعاد الغضب يحاصره من جديد، والأكيد أن لكل بداية نهاية وعلاقة الأمير مع ناديه يبدو أنها في الطريق للنهاية؛ فالاستقالة هي الأقرب في ظل توحد الرغبة الجماهيرية والشرفية بذلك.
ونجح رجل السياسة، في صناعة فريق مميز مدجج بالكثير من الأسماء المحلية المميزة، لكنه فشل في الإدارة المالية كثيرا، وفشل في اقتناص لاعبين أجانب يصنعون الفارق، أو يتذكرهم الوسط الرياضي لسنوات، وحتى في الأسماء التدريبية؛ فالمميزون يرحلون من النصر سريعا ويبقى الفاشلون طويلا، والفشل محدود بتجربتهم داخل أسوار البيت الأصفر.
فيصل بن تركي... رجل البطولات في مأزق «الإخفاقات»
بات محط غضب الجماهير رغم إنقاذه النصر من السنوات العجاف
فيصل بن تركي... رجل البطولات في مأزق «الإخفاقات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة