بعد مرور عام على دخول المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعوم من بعثة الأمم المتحدة إلى العاصمة طرابلس نهاية شهر مارس (آذار) من العام الماضي، ما زالت العقدة الرئيسية لرئيسه فائز السراج تكمن في إقناع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الموالي لمجلس النواب بالانضمام إلى حكومته.
ويحظى السراج، الذي نجا الشهر الماضي من اعتداء مسلح على موكبه في العاصمة الليبية طرابلس، باعتراف دولي حيث زار تقريباً معظم العواصم الغربية الداعمة له، لكنه في المقابل لم يزُر المنطقة الشرقية التي يتمتع فيها البرلمان المؤيد لحفتر بشعبية كبيرة.
ولا توجد أية بوادر أمل تدفع على التفاؤل، كما يقول مقربون من حفتر لـ«الشرق الأوسط» في إمكانية حدوث تغيير جذري في موقف المشير حفتر، على نحو يمهد الطريق لعقد لقاء مباشر بين السراج وحفتر.
وتشكلت حكومة السراج بعد اتفاق تم بوساطة الأمم المتحدة في منتجع الصخيرات بالمغرب لوقف الفوضى والصراع الذي تشهده ليبيا منذ انتفاضة عام 2011، التي أنهت حكم العقيد الراحل معمر القذافي الذي استمر أربعة عقود.
وترى الدول الغربية حكومة السراج كأفضل أمل لتوحيد الفصائل السياسية والفصائل المسلحة المتعددة في ليبيا، حيث يواصل السراج عمله من القاعدة البحرية الرئيسية في العاصمة والمؤمنة على الساحل. وعلى الرغم من نجاح ميلشيات مسلحة موالية للسراج في إنهاء أسطورة غريمه السياسي خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الموالية لبرلمان طرابلس المنتهية ولايته، فإن الغويل ما زال يتمتع بنفوذ في العاصمة طرابلس بفضل احتفاظه بميليشيات داعمة تتقاسم السلطة في المدينة مع ميليشيات السراج.
وخرجت أمس مظاهرات مناوئة للسراج في عدة مدن بشرق ليبيا، لكن اللافت أن المتظاهرين الذين رفعوا صور حفتر صعدوا من حدة عدائهم للسراج، بعدما رفعوا أيضاً لافتات تطالب بتسليم السلطة إلى حفتر، حتى أن ممثل حفتر للشؤون الاجتماعية الشيخ بلعيد الشيخي طالب في كلمة له، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الليبية، بضرورة «تفويض حفتر رئيساً للدولة».
وأصدر ما يسمى بحراك الرئاسة لإنقاذ الوطن بياناً، دعا فيه إلى «إعلان حالة النفير الاجتماعي العام لمساندة حفتر وتحرير كامل التراب الليبي من الإرهاب وتأمين حدود الدولة براً وبحراً وجواً، وتمكين مساءلة كل من ارتكب الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر في المحاكم الليبية».
وطالب الحراك بتفويض شعبي يبدأ بالقاعدة الاجتماعية والمدنية في ليبيا لحفتر، «ليكون رئيساً مفوضاً لدولة ليبيا لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد، أو أن يعلن الدستور (أيهما أقرب أجلاً)، وتتم الانتخابات الرئيسية إلى جانب مسؤولياته الحالية في قيادة الجيش، وتنتهي بالتسليم للرئيس المنتخب دستورياً.
لكن مكتب حفتر التزم الصمت حيال هذه المطالب التي ينظر إليها مؤيدو السراج بتململ في المقابل.
وقال مسؤول مقرب من حفتر الذي يتمتع بنفوذ قوي في شرق ليبيا: «بالنسبة لنا، السراج ليس رئيسا لحكومة فعلية، إنه يقود حفنة من الموظفين بدعم من الميلشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، هذا واقع لا يمكن إنكاره».
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، أن «المشير حفتر ليس طرفاً في المشكلة، فالبرلمان يرفض حكومة السراج، وهو وحده صاحب السلطة التشريعية في ليبيا، ومن دون الحصول على ثقته لا يمكن لحكومة السراج أن تباشر أعمالها أو أن تحظى بدعم الجيش الذي يعمل تحت مظلة البرلمان الشرعي».
لكن السراج دائماً ما يكرر مقولة إن الجيش ينبغي أن يكون خاضعاً لقيادة مدنية، وهو أمر بالطبع يرفضه المشير حفتر، الرجل العسكري الذي يقارع الإرهاب والتطرف في ليبيا على الرغم من الحظر المفروض على تسليح قواته بقرار من مجلس الأمن الدولي، تم إصداره عقب الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.
وأمس قال السراج في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية إن الوضع شائك في ليبيا ويحتاج لتوافق عربي/ عربي وألا يكون هناك تنافس عربي، على حد تعبيره.
وبعدما نفى أن يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد طلب الحصول على منصب للمشير حفتر، اعتبر أن حفتر بموجب قرار البرلمان هو قائد عام للجيش الوطني، موضحاً أن حفتر رفض اللقاء معه خلال شهر فبراير (شباط) الماضي بوساطة مصرية، وقال بهذا الخصوص: «لم ألتقيه مباشرة، ولم نصل إلى توافقات واضحة لأننا لم نجتمع بشكل مباشر... وكحكومة وفاق ومجلس رئاسي لسنا طرفاً في الصراع، ونحن على مسافة واحدة من الجميع، وحتى المعارضة لاتفاق الصخيرات. نحاول لم الشمل».
وأكد السراج مجدداً على أن «المؤسسة العسكرية يجب أن تعمل تحت قيادة مدنية»، لافتاً إلى أن فكرة أن تكون «القيادة العسكرية خارج القيادة السياسية هو وضع غير صحيح».
وفيما يتعلق بمنطقة الهلال النفطي، التي تسيطر عليها الآن قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر، بعدما تصدت لهجوم مفاجئ مؤخراً من سرايا الدفاع عن بنغازي، وصف السراج الوضع في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية في بلد يعتمد على النفط في موارده بأنه «وضع حساس ومأساة اقتصادية».
وأضاف موضحاً: «تفادينا وتجنبنا حدوث مواجهة عسكرية في المنطقة، ولم ندعم تدخل سرايا الدفاع عن بنغازي، ورأينا فيه تصعيداً غير مبرر، وطلبنا دخول قوات لحرس المنشآت النفطية، وسرايا الدفاع لا تتبع لحكومة الوفاق»، مبرزاً أن إنتاج النفط بدأ يعود إلى معدلاته الطبيعية، واعتبر أن «الوضع في العاصمة طرابلس ليس كما يصوره البعض رغم الخروقات الأمنية التي تحدث بين وقت وآخر... فالحياة تسير بشكل طبيعي، وما حدث خلال السنوات الخمس الماضية هو أن بعض التشكيلات المسلحة انضمت للحكومة، والبعض الآخر مؤدلج ومناوئ للحكومة».
كما أعرب السراج عن مخاوفه من حدوث حرب جديدة في طرابلس بين التشكيلات المسلحة التي تهيمن عليها بقوة السلاح منذ نحو عامين، وقال في هذا السياق: «نحاول دمج هذه الميليشيات تحت قيادة موحدة».
من جهتها، رصدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في 24 إصابة في صفوف المدنيين خلال الأعمال العدائية التي وقعت في ليبيا الشهر الماضي، من ضمنها 20 حالة وفاة و4 إصابات بجروح.
وطبقاً لبيان أصدرته البعثة أمس فقد شهد الشهر نفسه هجمات على مصارف في طرابلس، بينما تسبب إطلاق النيران بأغلبية الإصابات في صفوف المدنيين (11 حالة وفاة وإصابتين بجروح). وتمثلت الأسباب الأخرى في الغارات الجوية (4 حالات وفاة وإصابة واحدة بجروح) والقصف (3 حالات وفاة). ولقي مدنيان حتفهما عند تحطم طائرة عسكرية، ووثقت البعثة 8 حالات وفاة وحالتي إصابة بجروح في بنغازي، و5 حالات وفاة في طرابلس، و3 حالات وفاة في راس لانوف، وحالة وفاة وإصابة واحدة بجروح في الزاوية، وحالتي وفاة في طبرق، وحالة وفاة في سبها، وإصابة واحدة بجروح في النوفلية، بينما كان جميع الضحايا من الليبيين، باستثناء رجل نيجيري قُتل في تبادل لإطلاق النار بين جماعات مسلحة في سبها.
مظاهرات في الشرق تطالب بتفويض حفتر رئيساً لليبيا
بعد مرور عام على دخول السراج إلى العاصمة طرابلس
مظاهرات في الشرق تطالب بتفويض حفتر رئيساً لليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة