هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

تحت شعار «فلسطين: مائة عام من المقاومة»

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس
TT

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

بينما كان القادة العرب يعدون للالتقاء في الأردن، استضافت تونس أخيراً «المؤتمر الثامن لليسار العربي» الذي التأم تحت شعارات كثيرة، أبرزها: مساندة المطالب الوطنية لشعب فلسطين بمناسبة مرور مائة عام على صفقة «سايكس - بيكو» الاستعمارية البريطانية الفرنسية التي قسَّمَت بلاد الشام والعراق إلى 4 دويلات ومهّدت لاحتلال فلسطين. إذ رفع المؤتمر شعار «فلسطين: مائة عام من المقاومة»، واستبق مظاهرات بالجملة شهدتها العاصمة التونسية لإحياء «يوم الأرض الفلسطيني» نظمتها نقابات المحامين وهيئات حقوقية ومنظمات من المجتمع المدني وأحزاب تونسية مختلفة.
لكن هل يُعدّ توافد مزيد من القادة اليساريين العرب على تونس «دعماً للمقاومة الفلسطينية»، مؤشراً لصمود تيار من النخب العربية وانحيازها بقوة لمطالب التحرّر الوطني الفلسطينية... أم أنه مجرد «رسالة من تحت الماء» وجَّهَها هؤلاء الساسة «الثوريون» لتغطية عجزهم عن الفعل والتأثير في مجرى الأحداث؟
ثم، لماذا تناسى زعماء اليسار العربي «ثوابتهم» و«مرجعياتهم الفكرية والسياسية الماركسية» التي تؤكد على «حتمية الصراع الطبقي» وتبشر بانتصار «الطبقة الكادحة» على رؤوس الأموال والحكومات الليبرالية؟
قد تكون تونس والجزائر والمغرب آخر بلدان العالم العربي والإسلامي والأفريقي «التي لا تزال الأحزاب الشيوعية والاشتراكية الماركسية تلعب فيها دوراً سياسياً كبيراً».
هكذا علّق رئيس الحكومة الجزائري السابق سيد أحمد غزالي في لقاء مع «الشرق الأوسط» على الدور الذي تلعبه أحزاب من «أقصى اليسار» في البلدان المغاربية. وكانت هذه الأحزاب قد لعبت دوراً طليعياً في المؤتمر الذي استضافته العاصمة التونسية، وشارك فيه يساريون وإسلاميون وليبراليون.
وبطبيعة الحال، كان ممثلون عن فصائل من اليسار الفلسطيني والأردني والعربي والمغاربي على رأس المحتفين بهذه الذكرى الرمزية، التي رعتها سفارة فلسطين في تونس وشخصيات من النقابيين والسياسيين اليساريين العرب من جنسيات مختلفة، بينهم قادة «أقصى اليسار التونسي» في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحَّد الذي يتزعمه النقابي والبرلماني زياد الأخضر منذ اغتيال الزعيم اليساري القومي شكري بلعيد في فبراير (شباط) 2013.

الهزائم الانتخابية
الطاهر شقروش، الزعيم اليساري التونسي، الجزائري الأصل، رأى أن مؤتمر أحزاب اليسار العربي في نسخته الثامنة: «لا يخفي عجز الجيل الجديد من اليساريين عن مواكبة التحديات التي تواجه شعوبهم منذ انهيار المعسكر الاشتراكي والأنظمة المحسوبة على الشيوعية والاشتراكية عالمياً». ووفق شقروش، الذي سبق أن حوكم بالسجن لمدة طويلة في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بسبب انتمائه لحركة يسارية راديكالية، فإن «فشل الغالبية الساحقة من أحزاب اليسار العربي في الانتخابات التعددية والنزيهة، التي نظمت في بلدانها، يُعد مؤشراً كافياً على صعوبة نجاح أي حزب يساري ماركسي اليوم في قيادة أي بلد عربي».
وفي السياق ذاته، اعتبر عصام الشابي الزعيم اليساري والقومي التونسي وزعيم الحزب الجمهوري، أن حركات اليسار التونسية والعربية «ارتكبت غلطات فادحة خلال العقود الماضية، ثم بعد اندلاع الثورات العربية في 2011، من بينها التشرذم والتورط في الصراعات الهامشية... فكانت النتيجة حصولها على نتائج هزيلة في الانتخابات التعدّدية المتعاقبة التي شاركت فيها مقارنة برموز النظام القديم والمعارضين الإسلاميين».

القطيعة والاستئصال؟
ومن ناحية ثانية، ذهب المفكر والفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي أبعد من ذلك، فاتهم رموز أقصى اليسار التونسي والمغاربي بـ«الفشل الدائم» و«بتكريس منطق القطيعة والاستئصال في علاقاته بخصومه السياسيين الذين ينتمون إلى حركات وأحزاب ليبرالية وقومية وإسلامية».
وأشار المرزوقي إلى ما يصفه بـ«الغلطات القاتلة التي ارتكبتها بعض القيادات اليسارية العربية، خلال العقود الماضية، إبان المواجهات الدامية بين السلطات والمعارضين الذين يرفعون شعار الهوية. ومن أبرزها الانحياز للحكومات القمعية، وهو ما تسبّب في تراجع شعبية أحزاب اليسار عموماً.. وما شكك في مصداقيتها ونضالية زعمائها».
وهنا لفَتَ المرزوقي إلى مشاركة بعض قادة اليسار في الحكومات المتعاقبة ببعض الدول المغاربية خلال مراحل القمع القصوى للمعارضة القومية والليبرالية والإسلامية. وحسب قوله: «أسهمت تلك المشاركة في إظهارها (أي قيادات اليسار) في موقع الموافق على السياسات الاستبدادية والاستئصالية التي انتهجتها بعض الأنظمة العربية خلال العقود الماضية»، على حد تعبيره.

الرأي الآخر
ولكن، في المقابل، يرفض قياديون من بين المشاركين في «مؤتمر تونس الثامن لليسار العربي» مثل محمد جمور، القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد التونسي، جملةً وتفصيلاً الاتهامات التي يوجهها لهم خصومهم. وينوه هؤلاء بـ«التضحيات التي قدمها جيل كامل من الشباب اليساري من شباب الثانويات والجامعات والنقابات والحركات الشيوعية السرية».
وفي هذا المجال، أشار جمور إلى «حملات القمع التي شملته شخصيا مع عدد من رفاقه المحسوبين على أقصى اليسار في تونس والجزائر والمغرب»، واستدل (حسب رأيه) بـ«الدور المركزي الذي لعبه نشطاء اليسار العربي في المنظمات الحقوقية، بما في ذلك في مجالات معارضة أحكام الإعدام والأحكام القاسية بالسجن على آلاف المعارضين والنقابيين العلمانيين والإسلاميين».
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر الجيلاني الهمامي، القيادي في حزب العمال الشيوعي التونسي والتجمع اليساري الذي تشكل منذ اغتيال شكري بلعيد تحت تسمية «الجبهة الشعبية»، أن اليساريين العرب «كانوا طوال السنوات الستين الماضية أكثر من قدّم سجناء سياسيين وتضحيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك بسبب دفاعهم السابق عن المساجين السياسيين والإسلاميين والنقابيين والطلبة».

مراجعات فكرية وسياسية
مع هذا، فإن «واقع اليسار في البلدان المغاربية والعربية يبدو أكثر تعقيداً»، حسب الجامعي والكاتب الجزائري رشيد التلمساني، إذ رأى التلمساني أن «اليساريين الجزائريين إنما فشلوا في الفوز بعدد كبير من الأصوات، منذ الانتخابات التعددية الأولى قبل 27 سنة، بسبب تمسّكهم بمواقفهم النخبوية ومرجعياتهم الفكرية الاشتراكية والشيوعية. وفي المقابل تقدم الليبراليون والإسلاميون بفضل بروزهم في موقع المتمسك بالهوية الوطنية للجزائر وبالتغيير الجذري».
ومن جهته، دعا عالم الاجتماع التونسي منصف وناس «زعماء أحزاب اليسار العربي إلى الاعتراف بأخطاء الماضي، والقيام بمراجعات فكرية سياسية جوهرية تشمل عقائدها الماركسية ومسلماتها الفلسفية في مجتمعات أثبتت تمسكها بهويتها الإسلامية والعربية وخصوصياتها المحلية».
كذلك فسّر الجامعي المغربي حسن الرحموني ما وصفه بفشل الشيوعيين والاشتراكيين المغاربة بـ«عجز بعض قياداتهم عن التحرّر من القوالب الآيديولوجية، ففوتوا على أنفسهم الاستفادة أكثر من مناخ التعددية السياسية المغربية النموذجي عربياً والمقننة في الدستور المغربي منذ 60 سنة». وانتقد الرحموني ما وصفه بـ«عدم مواكبة جانب من زعماء اليسار العربي عموماً، والمغربي خاصة، مع المستجدات الفكرية والسياسية البراغماتية والوطنية لمدارس اليسار الأوروبية منذ مرحلة أنطونيو غرامشي ما بين الحربين العالميتين. وكانت النتيجة (والكلام ما زال للرحموني) تراجع شعبية الأحزاب الاشتراكية المغربية بشكل سريع، رغم وصول عبد الرحمن اليوسفي، زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى رئاسة الحكومة عام 1998 أي قبل عام واحد من وفاة الملك المغربي الحسن الثاني.

أحزاب نخبوية
على صعيد آخر، اتهم مراقبون لحصيلة «المؤتمر اليساري» قيادات الأحزاب اليسارية بـ«النخبوية وضعف الالتصاق بالأوساط الشعبية المتمسكة بثقافتها العربية الإسلامية ومرجعياتها القومية والوطنية والمحلية». واستغرب الإعلامي والمحلل السياسي زياد الهاني «تورّط بعض اليساريين العرب بعد ما سُمّي بـ(الربيع العربي)، في تبرير نزعات قبلية وجهوية وطائفية، وتوظيف تلك النزعات في تحركاتها عوضاً عن التركيز على العوامل الثقافية الوطنية التي توحّد». ومن جانبه، سجّل الوزير المغربي السابق للإعلام مصطفى الخلفي أن من بين أسباب تراجع شعبية حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبقية الأحزاب اليسارية المغربية مقابل نجاح حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي المعتدل، في الانتخابات البلدية والبرلمانية المتعاقبة منذ أكثر من خمس سنوات اختلاف علاقتهما بالأوساط الشعبية، إذ قال الخلفي إن «الأول بقي نخبوياً، بينما الثاني اقترب من المواطنين عبر تقديم خدمات ملموسة لهم في البلديات والجهات الداخلية وعلى الرصيف».

فلسطين والمطالب النقابية
كذلك، تناول باحثون في تطورات المشهد السياسي والحزبي العربي، مثل الجامعي عبد اللطيف الحناشي، ما وصفه بـ«هشاشة المشروع السياسي لكثير من الأحزاب اليسارية العربية التقليدية... التي تطوّرت (حسب رأيه) من التبشير بثورات شعبية اجتماعية وطبقية إلى مجرد حركات نخبوية تبحث عن هوية جديدة من خلال تبني النضال من أجل تحسين هامش الحريات العامة والفردية ودعم المقاومة الفلسطينية».
وفي الإطار نفسه، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أن «رهان اليسار العربي، مجدداً، على شعارات عامة من نوع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين والانتقال الديمقراطي والمطالب النقابية لن يؤدي بالضرورة إلى زيادة شعبيتها، ما دامت القوى الأقوى تأثيراً ميدانياً حركات ذات ميولات وطنية وقومية وإسلامية». ومن ثم، دعا الجورشي اليساريين العرب إلى «توظيف رصيدهم النضالي لبناء قوى سياسية جديدة تكون أكثر التصاقاً بالشعوب، من خلال القيام بنقد ذاتي لحصيلة التجارب اليسارية العربية السابقة والاعتراف بالغلطات التي وقعوا فيها، وعلى رأسها الصدامات ذات الصبغة الآيديولوجية التي أضعفتهم وزادت شعبية خصومهم الليبراليين والإسلاميين».

انهيار «الدولة الوطنية»
في المقابل، اعتبر الجامعي والباحث الليبي عبد الرحمن العجيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «معضلة اليسار واليمين في الوطن العربي واحدة... وهي تطور أوضاع الدولة الوطنية نحو التفكك والتذرر والتجزئة ومسلسل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ». وذكر العجيلي أن نتائج دراسة جامعية مقارنة أنجزها عن تجارب بناء «الدولة الوطنية» في ليبيا والدولة العربية من جهة، والدول الأوروبية من جهة ثانية، كشفت له أن من بين أخطر ما يهدد ساسة اليسار واليمين عربياً هشاشة الأسس التي اعتمدها مؤسّسو الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي.
واعتبر العجيلي أنه إذا كانت «الدول الوطنية» الأوروبية تأسست بعد نجاح الثورة الصناعية والثورات الفكرية والعلمية والسياسية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا فإن «الدولة الوطنية» نشأت في الدول العربية والإسلامية بسبب خسائر العرب والمسلمين في الحرب العالمية الأولى، وانهيار الدولة العثمانية التي كانت توحدهم في شكل «خلافة إسلامية» تمتد أراضيها في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.. بما في ذلك في مراحل انحسارها وضعفها.

اليسار العربي ضحية
لكن هل لا يكون اليسار العربي بدوره من بين ضحايا ما سمي بـ«الثورات» العربية و«الربيع العربي»؟
هذا ما ذهب إليه أحمد الكحلاوي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي والقيادي النقابي واليساري التونسي، إذ ربط الكحلاوي بين كل الأزمات السياسية التي تشهدها النخب الحاكمة والمعارضة عربياً والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ثم ما وصفه بالاحتلال الأميركي للعراق ولأجزاء من سوريا تسيطر عليه الجماعات المسلحة الإرهابية.
وبينما نوّه الكحلاوي بـ«نضالات الأحزاب القومية واليسارية الوطنية الفلسطينية»، مثل الجبهة الشعبية التي أسسها الدكتور جورج حبش، فإنه يعترف بكون التيار العريض للمقاومة الوطنية للاحتلال الإسرائيلي باتت تتزعمها فصائل محسوبة على التيار الإسلامي «ما تسبب في حالات كثيرة بهضم جانب الحركات اليسارية والتعسف على تاريخها». ومن خلال هذا التقييم يعتبر أحمد الكحلاوي أن أحزاب اليسار العربي، التي بادرت مبكراً، لدعم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي «لا تزال مؤثرة سياسياً» بينها الجبهتان الشعبية والديمقراطية الفلسطينيتين. كذلك أثنى على الدور المركزي لشخصيات قومية ويسارية كانت ولا تزال منحازة للمطالب الوطنية الفلسطينية مثل عشرات الزعماء اليساريين والقوميين المسيحيين والمسلمين الذين انخرطوا منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي في آليات «الحوار القومي الإسلامي».

اليسار الجديد
وفي هذا المناخ العامّ تحفظ بعض اليساريين الراديكاليين، مثل الزعيم اليساري والنقابي التونسي صالح الزغيدي، عن «توسيع» صفة «اليسار» ليشمل القوميين العرب والمنتمين ومناضلي ما يُسمى بـ«التيار الإسلامي التقدمي». وقال الزغيدي إن اليساريين «ينبغي أن يكونوا أساساً ماركسيين وشيوعيين واشتراكيين، وليسوا من بين مَن يتبنون المقولات القومية والإسلامية والوطنية». ومن ثم، طعن الزغيدي في الصفة اليسارية لكثر من الأطراف التي تنتسب إليها عربياً ومغاربياً وفي تونس، مثل قيادات أحزاب «الجبهة الشعبية» التونسية المعروفين بميولهم البعثية والقومية والدينية.
لكن الزعيم اليساري والنقابي والكاتب بلقاسم حسن، الذي اعتزل قيادة الحزب الشيوعي التونسي وأحزاباً يسارية وقومية أخرى وأصبح عضواً في المكتب السياسي في «حركة النهضة» الإسلامية، ارتأى أن المطلوب اليوم هو «تجاوز الشعارات الآيديولوجية اليسارية، وتأسيس يسار عربي جديد يتحالف مع كل التيارات والنشطاء الذين يتبنون الديمقراطية ومطالب التحرّر الوطني والاجتماعي بصرف النظر عن مرجعياتهم العقائدية».

التراكم وخيار التوافق
وخلافاً للتقييمات المتشائمة بمستقبل اليسار العربي، اعتبر المفكر زهير بن يوسف، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقاً، أن مصير قوى اليسار العربي «رهين عدة مستجدات من بينها تكريس تراكم التجارب والخبرات والنقد الذاتي». وفي ظل خلط الأوراق الدولية والإقليمية في المنطقة العربية والإسلامية منذ الحرب العراقية الأولى، قال محمد القوماني، وهو من بين زعماء اليسار الإسلامي التونسي، إن «الخيار الوحيد أمام مناضلي اليسار العربي هو اتباع المنهج التونسي والمغربي للتوافق بين العلمانيين والإسلاميين، وقبول كل الأطراف مبدأ المشاركة في الحكم بين الليبراليين والاشتراكيين والوطنيين والإسلاميين».
ونوّه هشام سكيك، أمين عام حزب المسار اليساري التونسي، الذي أسس على أنقاض الحزب الشيوعي التونسي القديم، أيضاً، بـ«فوائد اعتماد خيار التوافق السياسي والحزبي والبرلماني».

المشهد التونسي
وفي خضم صراع الأفكار والأولويات، برزت سلوكيات سياسية جديدة في صفوف اليسار التونسي والعربي تتمثل بالانخراط في أحزاب وتكتلات سياسية تضع على رأس أولوياتها ما تسميه «الدفاع عن قيم الحداثة والمشروع المجتمعي العصري» و«محاربة التيارات الأصولية الدينية المتشددة» أو ما يُعرف بجماعات «الإسلام السياسي». وهنا يبرّر بوجمعة الرميلي، القيادي السابق في الحزب الشيوعي التونسي، انضمام مئات النقابيين والسجناء اليساريين السابقين في تونس إلى الحزب «نداء تونس» الذي أسسه «الرئيس» الباجي قائد السبسي الذي أحد القياديين القدامى في حزب بورقيبة وبن علي.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن هذا الانضمام «مكّن ذلك التحالف مئات الرموز اليسارية من دخول البرلمان والحكومة ومواقع مهمة في الدولة والإدارة بالتنسيق والشراكة مع خصوم الأمس الليبراليين». وبذا، أيضاً، حسم هؤلاء اليساريون مجدّداً في مقولة كانت خلافية بين الزعماء اليساريين التونسيين منذ 60 سنة: «الأولوية للموقع قبل الموقف»... وخدمة الموقف السياسي اليساري من خلال احتلال موقع في الدولة، عوض التنقل بين السجون ومراكز التجنيد الإجباري ومؤتمرات التباكي على نتائج اتفاقية «سايكس - بيكو» الاستعمارية وعلى مؤامرات الاستعمار الجديد على فلسطين. ثم، على المنطقة منذ انفجار بركان «الربيع العربي»، وذلك كي لا تبقى فلسطين مجرد شعار يوحّد ما تبقى من يساريين ونشطاء سياسيين عرب.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.