سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

الطبيب النفساني الإسلامي الذي اطمأنت إليه الدولة

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء
TT

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

كل من تابع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية المكلّف، وهو يتلو تصريحه الصحافي الأول بعد إعلان تشكيلة أحزاب الغالبية التي ضمها لتحالفه الحكومي قبل أسبوع، أدرك أن الخطاب السياسي في المغرب سيعود إلى «الهدوء» ويقطع نهائيا مع «ظاهرة (عبد الإله) ابن كيران» التي شغلت الناس في الداخل والخارج. العثماني الفقيه والطبيب النفسي قدم صورة مغايرة تماماً عن سلفه، وحرص «ألا يخرج عن النص» أمام وسائل الإعلام، إذ اختار أن يقرأ بعناية ما هو مكتوب على الورقة متحدثا عن أولويات حكومته المقبلة و«باب الأمل الواسع» الذي يرغب في فتحه لتكون حكومته «حكومة إنجاز». إلا أن هدوء خطاب العثماني سبقته عاصفة عندما ظهر قبل موعد اللقاء الصحافي بقليل، في صورة وهو داخل مقر حزبه «العدالة والتنمية» في حي الليمون بالرباط، إلى جانب زعماء خمسة أحزاب سياسية ضمها إلى تحالفه الحكومي بينهم إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو الحزب الذي دفع ابن كيران ثمن رفضه إشراكه في الحكومة بأن أعفي من رئاستها وتشكيلها... ليصدم بقراره ذاك أعضاء حزبه والمتعاطفين معه.
قبل تكليف الدكتور سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة المغربية الجديدة جرى تداول اسمين آخرين لخلافة عبد الإله ابن كيران بالإضافة إلى اسمه، هما مصطفى الرميد وزير العدل والحريات وعبد العزيز الرباح وزير التجهيز والنقل. عن سؤال كيف رجحت كفة العثماني؟ أجاب أحمد البوز، أستاذ الفقه الدستوري والعلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، على استفسار «الشرق الأوسط» قائلاً إن الرميد «معروف عنه أنه سريع الغضب وقلق، وقد يغلب عليه هذا الطبع فنكون أمام إعادة إنتاج شخصية ابن كيران. أما بالنسبة للرباح - وفق البوز - فتوجد عليه اعتراضات من داخل الحزب، ويؤخذ عليه أنه مبالغ في تقديم التنازلات والتطبيع سواءً مع الأفرقاء السياسيين أو مع الدولة... ولهذا وقع الاختيار على العثماني، لأن فيه شيئا من الرباح الذي يرى أن العلاقة مع الدولة ينبغي أن تكون علاقة طبيعية وغير مبينة على الصدام، وشيئا من الرميد المعروف بالجدية والصرامة».
وأوضح البوز أن العثماني كان يقدَّم في البداية على أنه شخصية غير مقبولة من قبل الدولة نظرا لما قيل عن أخطاء ارتكبها إبان وجوده على رأس وزارة الخارجية، وأن زيارته لبعض الدول لعبت دورا في إبعاده عن الوزارة، غير أن تعيينه رئيساً للحكومة، وهو موقع أرفع، يؤكد وجود عناصر كثيرة رجحت هذا الاختيار. وهنا سرد المحلل السياسي والأكاديمي المغربي عدداً من العناصر التي ساهمت في اختيار العثماني، أولها كما قال: «الرغبة في إنهاء مرحلة ابن كيران وخطابه القوي الذي لم يعد مقبولاً»، مشيرا إلى أن «إبعاد ابن كيران في حد ذاته كان مسألة مهمة، ولا يهم من يأتي بعده».
وأضاف البوز أن «الانطباع الذي يعطيه العثماني هو أنه شخصية مرنة. وهذا ظهر حقاً إبان قيادته للحزب قبل 2007. إذ أن الخط السياسي للحزب في عهده كان معتدلاً ولم يكن مبنيا على نوع من الصدام مع الدولة والفاعلين السياسيين. لذلك قدم على أنه شخصية مقبولة ومعتدلة عند الطيف السياسي المغربي تطمئن لها الدولة ولا يقلق المتنافسون السياسيون».
من ناحية ثانية، قال البوز «الأمر لا يتعلق بشخصية غامضة، بل معروفة لدرجة أن رئيس الحكومة المكلف يبدو أكثر اعتدالا من الاعتدال الذي يظهره حزبه حزب (العدالة والتنمية)». وتابع موضحاً أن أسلوب عمل العثماني «يتميز بالتركيز على العمل في الميدان أكثر من تسويقه في وسائل الإعلام». وبالتالي، من العناصر التي ساهمت في اختياره أنه «قليل الظهور، ولا يتكلم بصوت مرتفع، كما أنه متحفظ إلى حد المبالغة... هو أيضا من النوع الذي لا يمكن أن يقول لقيادة الحزب كل شيء، لذلك يبدو للآخرين قابلا للتفاهم».
«ولقد ظهر ذلك - حسب كلام البوز - في المنهجية التي بدأ بها مفاوضات تشكيل الحكومة، والتي يمكن أن نقول عنها بأنها أشبه بانقلاب حقيقي على منهجية ابن كيران... ذلك أنه فاجأ الجميع، فأسقط الشرط الذي تشبث به ابن كيران، وهكذا أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان يواجه بشدة داخل (العدالة والتنمية) من حلفائه داخل الحكومة».
في المقابل، تجنبا لأي تأويل مغرض لما سماه البعض «انقلاب العثماني على ابن كيران» سارع عدد من قيادات الحزب إلى نفي تهمة الخذلان عن رئيس الحكومة المكلف. وكتب محمد يتيم «تدوينة» قال فيها إن «نجاح العثماني في تشكيل الحكومة لا يعني فشل ابن كيران في ذلك، و(صمود) هذا الأخير لا يعني تخاذل الأول، فكلاهما كان مصيبا بحسب المعطيات التي كانت متوافرة، وكلاهما اجتهد من خلال تلك المعطيات، والأهم من ذلك أن كليهما تلقى مساندة من هيئات الحزب، كما تلقى العثماني مساندة ابن كيران».
ووصف نبيل شيخي، عضو الأمانة العامة لـ«حزب العدالة والتنمية» ورئيس فريق الحزب في مجلس المستشارين، العثماني بأنه «رجل قوته في هدوئه». وأردف شيخي لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه «أن العثماني من خلال مساره السياسي سواءً داخل الحزب أو خارجه، شخصية مرنة تحسن الرجوع - عندما تقتضي الظروف - خطوة إلى الوراء للتقدم خطوات إلى الأمام في الوقت المناسب». وقال عنه أيضا إنه «رجل من الذين كانت لهم بصمة قوية في مسار تجربة حزب العدالة والتنمية ومسار مشاركته الفاعلة والراشدة في المشهد السياسي بالمغرب». وهو بنظره «شخصية نادرة جمعت بين العلوم التطبيقية، بصفته حاصلا على شهادة الدكتوراه في الطب، والعلوم الشرعية من خلال حصوله على عدد من الشهادات العلمية الأخرى»، كما أنه «شخصية معروفة بطابعها الهادئ الذي يكسبها قوتها الحقيقية».

مرحلة مؤقتة
من ناحية أخرى، لم يستبعد البوز أن يكون اختيار العثماني «مجرد تدبير لمرحلة انتقالية بانتظار أن تتضح الصورة أكثر في المستقبل» ورأى أنه «اختيار قصير الأمد مرتبط بهاجس ألا يستمر ابن كيران في تدبير المرحلة السياسية الحالية، وأن يبتعد نسبيا عن الحياة السياسية، وتطوى صفحة فرضه هيمنته وتوجهه على حزبه». وهذا الجانب، بالذات، لم يغفل عنه عدد من قيادات الحزب ضمنهم عبد العالي حامي الدين، الذي كتب أن «محاولة تغييب ابن كيران عن الساحة السياسية، خسارة كبرى للوطن ولمشروع التحول السياسي في البلاد». بيد أنه، في المقابل، هناك من يرى أن وجود العثماني على رأس الحكومة قد يكون لصالح «العدالة والتنمية» في ما يتعلق «بمأسسة الحزب، وإبعاده عن الشخصنة التي طبعت الحزب في عهد ابن كيران».

المسار السياسي للعثماني
كان سعد الدين العثماني، بين الذين أشرفوا مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي على إعداد ميثاق «الجماعة الإسلامية» باعتباره أحد مؤسسيها إلى جانب عبد الإله ابن كيران ومحمد يتيم، بعد انفصالهم عن منظمة «الشبيبة الإسلامية» في أعقاب تبنيها العنف. ومن ثم تحولت «الجماعة» إلى حركة «الإصلاح والتجديد»، وتضمن الميثاق مجموعة من المراجعات الفكرية للحركة الإسلامية. انشغل العثماني منذ بداية الثمانينات بالجانب الثقافي والفكري وكان مسؤولا عن مجلة «الفرقان» يحاول تأصيل المفاهيم الجديدة في كيفية التعامل مع الأفرقاء السياسيين والدولة والملكية. وألف العثماني في هذا المجال، ثلاثة كتب فقهية.
وبعد عام 1987 انشغل العثماني بالمشاركة السياسية للإسلاميين والتأصيل الشرعي لهذه المشاركة. وعندما التحق الإسلاميون أعضاء حركة «الإصلاح والتجديد» بحزب الحركة الشعبية الدستورية برئاسة الدكتور عبد الكريم الخطي، عين مديرا للحزب. وأشرف على تأمين الإطار السياسي وإنشاء فروع الحزب في كل مناطق المغرب وأيضا فروع النقابة التابعة للحزب، وهي الاتحاد الوطني للشغل. ثم حين أعلن عن تأسيس حزب العدالة والتنمية شغل العثماني منصب الأمين العام من 2004 إلى 2008. وشارك الحزب في محطتين انتخابيتين هما الانتخابات البرلمانية لعام 2002 و2007، وقد حقق الحزب تقدما ملحوظا في2002 عندما انتقلت عدد مقاعده من 14 إلى 42 مقعدا. ولكن في انتخابات 2007 كانت نتائجه محدودة فانطلق نقاش داخل الحزب من أجل تحديد الأسباب.
وهنا قال عضو في المجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» - فضل إغفال ذكر اسمه إنه «خلال المرحلة التي أدار فيها العثماني الحزب حاول ما أمكن أن ينتقل بالحزب من خطاب الهوية والتخليق إلى خطاب التدبير. وبالتالي، تراجعت مفردات الهوية بشكل كبير في زمن العثماني، حتى أن المراقبين بدأوا يتحدثون عن (علمانية مؤمنة) داخل هذه التجربة. وفي هذه المرحلة خصص العثماني جزءا كبيرا من اهتمامه للجانب الفكري أكثر من السياسي، وهو ما برز في كتابه (تصرفات الرسول بالإمامة) الذي يركز فيه على التمايز بين الديني والسياسي ووصل في هذا الأمر إلى مستويات أقرب ما تكون إلى العلمنة».
وتابع المسؤول الحزبي «ولكن على المستوى السياسي بدا أداء العثماني مرتبكا، لأنه خلال انتخابات 2002 ثم 2007 أثارت تحالفات الحزب وتموقعه العديد من التساؤلات لأنه لم يختر التحالف سوى مع حزب (القوات المواطنة)، وهو حزب ضعيف جدا.
وكان يرمز من خلال التحالف معه إلى أنه لا مشكل لديه مع نخبة رجال الأعمال. وهكذا، ابتعد (العدالة والتنمية) عن الأحزاب الوطنية وأحزاب الكتلة الديمقراطية فكانت نتائج الحزب محدودة لأن تموقعه وتحالفاته لم تكن مغرية للناخبين ولم يتمكن من إضافة سوى أربعة مقاعد فقط».
بطاقة هوية

- ولد سعد العثماني في مدينة إنزكان بإقليم سوس يوم 16 يناير (كانون الثاني) 1956
- متزوج وأب لثلاثة أولاد
- حصل على شهادة الثانوية العامة في العلوم التجريبية عام 1976 في إحدى مدارس إنزكان
- حاز شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بآيت ملول عام 1983... وتابع تعليمه في دراسة الشريعة حيث حصل على شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله من دار الحديث الحسنية بالرباط عام 1987
- درس في كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء وحصل منها على الدكتوراه في الطب العام عام 1986... والتحق بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء وحصل على دبلوم التخصص النفسي عام 1994
- درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية عام 1999 تحت عنوان «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية»

مناصبه السياسية
* رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية مند يوليو (تموز) 2008
* الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ أبريل (نيسان) 2004
* نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ ديسمبر (كانون الأول) 1999
* نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001 - 2002)
* نائب في مجلس النواب المغربي- إبان الولاية التشريعية 1997 - 2002... ثم في الولاية 2002 - 2007
* عضو مجلس الشورى المغاربي (منذ سنة 2002)
* مدير حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من يناير 98 إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 1999



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».