مشروع مستوطنة في رام الله يثير إدانات ومطالبات بالتحرك

إسرائيل أعلنت المشروع الأول من نوعه خلال ربع قرن في «يوم الأرض» الفلسطيني ... والبيت الأبيض يرفض انتقاده

مواجهة بين جنديين إسرائيليين ومتظاهرين فلسطينيين ضد مصادرة الأراضي في الضفة أمس (أ.ف.ب)
مواجهة بين جنديين إسرائيليين ومتظاهرين فلسطينيين ضد مصادرة الأراضي في الضفة أمس (أ.ف.ب)
TT

مشروع مستوطنة في رام الله يثير إدانات ومطالبات بالتحرك

مواجهة بين جنديين إسرائيليين ومتظاهرين فلسطينيين ضد مصادرة الأراضي في الضفة أمس (أ.ف.ب)
مواجهة بين جنديين إسرائيليين ومتظاهرين فلسطينيين ضد مصادرة الأراضي في الضفة أمس (أ.ف.ب)

أثار قرار الحكومة الإسرائيلية بإقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية هي الأولى خلال ربع قرن تقريباً، موجةَ سخط واستنكار فلسطينية ودولية. واعتبرته وزارة الخارجية الفلسطينية اختباراً لوعود الإدارة الأميركية للدول العربية بتحريك المسار السياسي.
وكان المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن والسياسة في الحكومة الإسرائيلية التأم لبضع ساعات الليلة قبل الماضية مساء إحياء الفلسطينيين ذكرى «يوم الأرض»، وقرر بناء مستوطنة جديدة بدل بؤرة «عمونا» التي أخليت قبل شهرين، وطرح مناقصات لبناء 6 آلاف بيت استيطاني كان أعلن عنها قبل شهر لتوسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما قرر تجميد البناء في المستعمرات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية.
وقال مكتب نتنياهو في بيان إن «هذه المستوطنة الجديدة ستبنى بالقرب من مستوطنة شيلو القريبة من موقع عمونا». ومستوطنة شيلو مبنية على أراضي قرى قريوت والمغير وجالود وترمسعيا وسنجل الفلسطينية الواقعة على الطريق بين مدينتي نابلس ورام الله. وستكون المستوطنة الجديدة الأولى التي تبنى بقرار حكومي منذ عام 1992، إذ إن إسرائيل عمدت في السنوات الماضية إلى توسيع المستوطنات القائمة.
وقالت الخارجية الفلسطينية في بيان، أمس، إن قرار الحكومة الإسرائيلية ببناء مستوطنة جديدة في منطقة رام الله تحت ذريعة وفائها لمستوطني بؤرة «عمونا» التي أزيلت بقرار قضائي أخيراً «يشكل إمعاناً في تقويض ما تبقى من حل الدولتين على الأرض، وتراكماً لعقبات كبيرة في وجه الجهد الدولي والأميركي المبذول لإحياء عملية السلام والمفاوضات».
ورأت أن القرار «اختبار حقيقي لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومصداقيتها ومدى جديتها في التعامل مع الملف الإسرائيلي - الفلسطيني، وقدرتها على إلزام إسرائيل بوقف بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية، بما يساعد في خلق مناخات إيجابية لإطلاق مفاوضات جادة بين الجانبين».
وأضافت: «قبل أن يجف الحبر على ورق قرارات القمة العربية الأخيرة، يأتي (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو ليقول للعالم، وتحديداً للقادة العرب الذين لم يصل معظمهم بعد إلى بلاده عائداً من قمة البحر الميت، إنه لا يأبه بقراراتهم. وللدلالة على ذلك، فهو يعلن تحديه للقمة من قادة وقرارات عبر الإعلانات الاستيطانية التي تمس جوهر الموقف العربي، والرسائل التي سيحملها قادتها في لقاءاتهم المقبلة في واشنطن».
وأوضحت الوزارة أن «سلطات الاحتلال لم تعد تكتفي بمصادرة الأراضي المصنفة أراضي دولة، بل تقوم بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة وتحويلها لأراضي دولة بهدف بناء مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة، إذ إن أكثر من 48 في المائة من الأراضي المقامة عليها المستوطنات هي ملكيات خاصة للفلسطينيين».
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إن «الفلسطينيين لن يقبلوا أي معادلات تشرّع الوحدات الاستيطانية غير القانونية في فلسطين المحتلة»، مشدداً على أن «عدم شرعية الاستيطان بأشكاله كافة غير خاضع للنقاش أو المساومة»، محملاً نتنياهو وحكومته «المسؤولية الكاملة عن تبعات قراراته غير المسؤولة بتوسيع الاستيطان الاستعماري».
ورأت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي أن القرار «يشير إلى أنه وبعد 41 عاماً، ما زالت سياسات إسرائيل القائمة على السرقة من دون تغيير، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته الائتلافية العنصرية المتطرفة يواصلان نهجهما المتمثل بمواصلة الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والتطهير العرقي، في تحدٍ صارخ ومتعمد لحقوق الإنسان الفلسطيني واستقلاله وكرامته».
واعتبرت أن القرار يؤكد أن «إسرائيل أكثر التزاماً باسترضاء المستوطنين غير الشرعيين بدل الالتزام بمتطلبات الاستقرار والسلام العادل والشامل». وحذرت من أن «جهود إسرائيل الحثيثة لتوسيع مشروعها الاستيطاني الاستعماري بهدف محو فلسطين وفرض مشروع إسرائيل الكبرى، هي بمثابة رسالة صريحة إلى الحكومات في جميع أنحاء العالم، بأن عليها التدخل فوراً للجم إسرائيل واتخاذ تدابير ملموسة لإخضاعها للمساءلة والمحاسبة بتدابير عقابية فاعلة وجدية». ودعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى «ضمان امتثال إسرائيل لقرارات مجلس الأمن، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2334 الذي يدين الاستيطان».
ولم يعلق البيت الأبيض على القرار علناً، لكن مسؤولاً في الرئاسة الأميركية رفض انتقاد القرار مباشرة، وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن مشروع الاستيطان في «عمونا» يعود إلى عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وأضاف: «يجب أن نلاحظ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قطع التزاماً لمستوطني عمونا قبل أن يعلن الرئيس ترمب توقعاته»، مشيراً إلى أن نتنياهو «لفت مراراً إلى عزمه على المضي قدماً في هذه الخطة».
ورأى أنه «إذا كان وجود المستوطنات ليس عائقاً أمام السلام بحد ذاته، فإن توسيعها العشوائي لا يساعد على دفع السلام قدماً»، وأضاف أن «الرئيس عبر علناً، وفي مجالسه الخاصة، عن قلقه بشأن المستوطنات». وأوضح أن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أجروا خلال الأسابيع الماضية محادثات تركزت على سبل «تحسين الأجواء العامة لدفع فرص سلام حقيقي ودائم قدماً» بين إسرائيل والفلسطينيين، وتطرقوا إلى مسألة المستوطنات، وجرت حيالها محادثات «جدية وبناءة». وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية «أعلنت بشكل واضح رغبتها في اعتماد سياسة في المستقبل تأخذ في الاعتبار اهتمامات الرئيس» ترمب.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس، القرار الإسرائيلي، معرباً عن خيبة أمله وانزعاجه. وقال غوتيريس في بيان إنه «لا توجد خطة بديلة للإسرائيليين والفلسطينيين للعيش معاً في سلام وأمن»، مندداً بـ«جميع الأعمال الانفرادية التي تهدد السلم وتقوض حل الدولتين كهذا القرار». وشدد على أن «أنشطة الاستيطان غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة أمام السلام».
ونددت باريس بما اعتبرته «تطوراً مقلقاً للغاية يهدد بتصعيد التوتر على الأرض»، فيما أدانت برلين القرار، وأشارت إلى أنه «مخالف للقانون الدولي وعقبة أمام عملية السلام». وطالب متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إسرائيل بالعودة إلى خيار الدولتين.
وفي إسرائيل، رحب المستوطنون بالقرار، وأصدر مجلس المستوطنات في الضفة الغربية بياناً، أمس، قال فيه إنه سيعمل بالتعاون مع الحكومة لمواصلة البناء. وأضاف أن «التفاهمات التي تم التوصل إليها بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية تسمح بمواصلة البناء الاستيطاني في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)». وأضاف أن «الامتحان الحقيقي يتمثل بالأفعال على أرض الواقع، لذلك سنعمل مع الحكومة على تنفيذ المخططات والخطط الاستيطانية».
ورأى الحاخام المتطرف من حزب المستوطنين «البيت اليهودي» إيلي بن دهان الذي يشغل منصب نائب وزير الدفاع، أنه «يجب على إسرائيل أن تفرض سيادتها على الضفة الغربية برمتها». وأضاف أن «مسألة إلغاء تجميد البناء في المستوطنات أمر تافه وصغير، ويجب علينا أن نشرع فوراً في فرض سيادتنا على يهودا والسامرة، وحين تقوم دولة إسرائيل بذلك فإن العالم سيقبل به».
وأعرب عن قناعته بأن السفارة الأميركية ستنقل من تل أبيب إلى القدس، وفي لحظة انتقالها ستحذو سفارات أخرى حذوها.
وفي المقابل، قالت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية المناهضة للاستيطان إن «موقع المستوطنة الجديدة استراتيجي يقع في عمق الضفة الغربية بهدف تفتيتها». وأضافت، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن «نتنياهو محتَجَز من قبل المستوطنين ويغلِّب بقاءه السياسي على مصلحة دولة إسرائيل». وأوضحت أن «بناء المستوطنة الجديدة يعني أن الحكومة الإسرائيلية تدفع الفلسطينيين والإسرائيليين باتجاه الفصل العنصري».
من جهته، قال كبير مراسلي صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان إن «نتنياهو الذي يواجه ادعاءات بالفساد انجرَّ إلى اليمين أكثر للحفاظ على ائتلاف حكومته». وأضاف أن «حزب البيت اليهودي الداعم للاستيطان، وهو جزء من الائتلاف الحكومي لنتنياهو، يملي عليه جدول أعمال الحكومة... نتنياهو لا يقرر جدول الأعمال، إنما يتتبعه».
ومنذ تنصيب ترمب، أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لبناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين. ويعيش نحو 400 ألف شخص في مستوطنات الضفة التي تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية، وسط 2.6 مليون فلسطيني.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.